في اختتام الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات: تجلّت اللوحات ولاحت المنحوتات... فابتسمت الحياة!

إن كانت الحياة هي فن الرسم دون ممحاة ... فإن «الفن يمسح عن الروح غبار الحياة». وأمام اللوحات الفنية والرسومات الإبداعية والمنحوتات الناطقة التي كانت ثمرة الملتقى المتوسطي للفن لمعاصر بالحمامات كثيرا ما تستفزنا حيرة السؤال أمام الروعة

والجمال والإتقان لنتمتم في انبهار: كيف يمكن للشعور أن يكون مرسوما في لوحة ومجسدا في منحوتة؟ أي موهبة سحرية تجعل الفنان يصدح بالموقف ويصرخ بالإحساس دون كلام؟ كيف يستطيع أرباب والألوان والأشكال أن يفجروا فينا كونا من العواطف والشعور في لحظة مرور عابر أمام لوحة ما؟ إنه سرّ خلود الفن على مرّ الزمان عبر سالف العصر والأوان...

بعد حوالي شهر من الاعتكاف في محراب الفنّ في حوار مع اللون والحركة وترويض لقسوة الحجر... انتهى فنانو الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات من رسم لوحاتهم ونحت أشكالهم لتكون ثمرة هذا الإبداع 35 لوحة و10 منحوتات. وقد تمّ يوم أمس بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات إسدال ستار الاختتام على هذا الحدث الفنّي بحضور وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين .

لوحات ناطقة ...رسومات صاخبة
ما بين أبعاد متشابكة ومتقاطعة وخطوط واضحة وخفيّة وألوان حارة وباردة... تجلّت اللّوحات في استفزاز جميل لزائري معرض الملتقى المتوسطي للفن المعاصر قصد فتح حوار بصري ومباشر مع هذه الإبداعات المنبثقة عن اتجاهات متعددة ورؤى مختلفة ... أمام هذه اللوحات لا يسعك إلا التأمل بسكون تام في هذه العوالم الصاخبة، الغامضة، الساحرة... والمجاراة الشيّقة للقصص والحكايات المسرودة في لوحات تميزت بمهارة الإيحاء في ربط بين ما يقوله العمل الفني وما اقتنصته العين من خفايا ورسائل وأبعاد...

35 لوحة فيها من الإبداع الشيء الكثير ومن العمق فائض كبير ممّا يشدّ النظر إلى بريق لوحات تألقت كالنجوم في كبد السماء، وممّا يحرض العقل على طرح السؤال تلو السؤال أمام لوحات تجعلك تعتقد لوهلة أن فيها نوعا من التنويم المغناطيسي... وفي النهاية تتابع المسير بين اللوحات المعروضة بنفس توّاقة متعطشة لرؤية ومعرفة المزيد عن إبداعات الأنامل وحديث الألوان...

منحوتات تضجّ بالحياة
من قال إن الحجر لا يتكلّم فقد يكون واهما! فبين أيدي الفنان يتحوّل الصمت إلى كلام والصخر إلى إبداع... وهكذا كان الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات في دورته الثالثة فرصة لاكتشافات منحوتات جديدة وولادة أشكال جديدة ستتّخذ مكانها في حديقة المركز الثقافي الدولي بالحمامات ضمن مسلك متحف فني مفتوح. إذا 10 منحوتات أبدعتها أنامل فنانين من مختلف جنسيات العالم كانت كفيلة بأن تغيّر من وجه المكان وتضيف في معنى الزمان خصوصا وقد تجاوز بعض الفنانين حدود الطبيعة والواقع المادي سعيا وراء قيمة جمالية مطلقة ومتجرّدة... ومن فنان إلى فنان اختلفت طريقة التعبير ما بين الاهتمام بجمال الخامة وحضورها وخصائصها المميزة، والاشتغال على الإدراك البصري أكثر من البعد التخيلي ... فكان تعرّي الحياة بكل فصولها وعواطفها وانفعالاتها على حجارة تحوّلت من صمّاء إلى منحوتات حيّة، ناطقة بالفن والجمال...

الملتقى في عيون فناني العالم
باسم الفن وتحت شعار الإبداع، التقى 30 فنانا من 15 دولة على غرار تونس والعراق والمغرب والأردن ومصر وأذريبجان واليابان والمكسيك وإسبانيا والصين وفرنسا وبلغاريا وكندا...وقد كانت الانطباعات في مجملها جيّدة بخصوص الأجواء التي سادت الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات. وفي هذا السياق قال الفنان المصري «سيد سعد الدين أحمد»:»قدمت من مصر بلد الآثار إلى تونس بلاد الجمال والانفتاح ...فأبهرني التنظيم المحكم لهذا الملتقى الذي ضمّ أكثر من تعبير فنّي وجمع بين كوكبة مهمّة من الفنانين المعروفين عالميا ...ولهذا ورغم إصابتي بوعكة صحيّة أجبرتني على الرسم وأنا على السرير لم أتخلف أبدا عن المساهمة في هذا الحدث الفني وحاولت أن أعدّ لوحتين في قيمة هذا الملتقى الدولي. وقد اخترت أن انتهج في الفن أسلوبا بسيطا متاحا لكل المستويات الثقافية بحيث أن المتخصصين يدركون قيمة أعمالي الفنية كما يفهمها من ليست لهم ثقافة تشكيلية...»

ومن فرنسا، اختار الفنان «لوكاس بومبار» الاشتغال على اتجاه جديد في الفن المعاصر بالاهتمام بما يسمى «الفن الرقمي» والذي قدمه كالآتي:» أمضيت من العمر حوالي 50 سنة من العمل في ميدان الفن، وتقريبا منذ 20 سنة صرت أهتّم بالفن الرقمي لأن المجتمعات تطوّرت وأصبح الرقمي يسود كل شيء في حياتنا... فكان من الضروري بالنسبة لي أن أشتغل على هذه التقنية وهو ما مكننّي من رسم لوحاتي على أي نوع أريد من الورق أو القماش أو المواد الأخرى وبالأحجام التي أرجوها مما يمنحني مرونة استثنائية بخصوص التعامل مع العمل الفني».

في أول قدوم لها إلى تونس أعربت الفنانة «بايتا بانافا» من بلغاريا عن سعادتها بهذه الزيارة وارتياحها لمناخ العمل في الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات. وأضافت بالقول:» كان هذا اللقاء الفني فرصة لتبادل الخبرات وربط علاقات الصداقة والتعارف مع فنانين من مختلف المدارس والأعراق...»

ومن أذريبجان قدم الفنان عادل يوسف» لأول مرة إلى تونس فاستمتع كثيرا بهذه الزيارة حسب قوله مشددا على قيمة الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات في خلق مساحة للتفاعل مع المجتمع والمحيط وإتاحة الفرصة للفنان للخروج من عزلته إلى الرسم المباشر والالتقاء مع فنانين جدد...

وعن أهمية الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات قال الفنان المغربي «عادل حواتا»: «من أهم المكاسب التي غنمناها من هذا الملتقى هي الاحتكاك مع الآخر والانفتاح على الحضارات المختلفة في محو لحدود التفرقة والعنصرية والهوّة بين الأجيال...»

وإن كان الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات في دورته الثالثة جسرا للتواصل وفضاء للتعارف بين فنانين من مختلف الجنسيات والبلدان والمدارس الفنية فإنه كان عبارة عن اختبار لمدى قدرة هذا الملتقى على معانقة البعد الدولي في قادم الأيام وبمثابة الوعد بأن الغد أجمل.

ملتقى الفن المعاصر في خدمة تونس
في سابقة من نوعها نجح الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات في كسب التحدي بتنظيم ملتقى منفتح على أكثر من فن بالجمع ما بين الرسم والنحت والحفر...كما وُفق في استقطاب فنانين من مختلف الأقطار والأمصار الذين مارسوا فعل الفن وأنتجوا الإبداع في أجواء مريحة سادها الأمان والسلام . كما تم تنظيم زيارات ميدانية للفنانين المشاركين في الملتقى إلى الموقع الأثري بقرطاج ومتحف باردو لاكتشاف أسرار الحضارة القرطاجية. ولا شك أن الفنانين الأجانب وهم يغادرون هذا البلد سيرحلون وفي أذهانهم ووجدانهم ذكريات جميلة عن تونس أرض الجمال وحاضنة الأفكار الخلاقة ومهد الحضارات المتعاقبة والتعايش بين الثقافات ... حيث يأتي تنظيم هذا الملتقى في سياق حاجة تونس إلى البعث برسائل سلام إلى العالم للتذكير بأن هذا البلد كان على الدوام يمتاز بتاريخ طويل وعريق من التنوع والانفتاح والوسطية.أليس الفن جسرا تعبيريا وثقافيا وإنسانيا؟

وإن كان الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات من شأنه أن يعزّز صورة تونس كونها مدينة للثقافة والفنون، فإن هذا الحدث الثقافي يهدف أيضا إلى تعزيز علاقات التعاون بين المؤسسات الثقافية عبر توقيع اتفاقيات تعاون وتوأمة، إضافة إلى فتح آفاق جديدة لمشاريع مشتركة، وتعميق مفهوم الشراكة الثقافية، وتحسين إسهام قطاع الأعمال في دعم الإبداع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115