مهرجان مسرح التجريب ينفتح على الفضاءات: «بنت الحوش» لخالد اللملومي ... الثقافة فعل نضالي أبدي ...

عندما تضيع الروح بين خبايا الجسد يتولد شعور بالتحرر من الذات والغوص في أمواج الموسيقى بعد ذلك تتصل الروح بالجسد ويبدأ الجسد بالتعبير عما تشعر به الروح وما يراودها من لواعج الحب والألم والسعاده و الفرح، حينها ينتفض الجسد انتفاضة الولادة وتشهق الروح شهقة

الحياة ويكون اللقاء مع الرقص تلك اللغة الصامتة، لغة لها خصوصياتها لانها شيفرة الحياة.
وفي الحوش كان الموعد مع التمرد والحياة في عرض «بنت الحوش» عرض وصف بـ «الترهويجة» عرض تجريبي كما قال مخرجه خالد اللملومي،عرض تغنى بالجسد، بالوطن بالحب بالأبوة وبالمرأة الثائرة المتمردة الحالمة في الحياة.

صوت الفنان موسيقى، وروحه نغم مميز
في الحي الشعبي الحارة، كان الموعد مع العرض الاول لبنت الحوش، جمهور غفير اقبل منذ الظهيرة لاكتشاف الحوش وانتاجاته، ركح صغير اعد للعرض، من العدم خلقوا عرضهم، نصف برميل وقطع حديدية مهملة اصبحت الات موسيقية عزف عليها عاصم زقروبة فقدم نغمات ساحرة رحلت بالجمهور الى عالم سرمدي تماهت فيه الروح والجسد وشكلت جولة موسيقية استثنائية، مع عزف عاصم زقروبة كان لوقع أصوات الفنانين تأثيره على الحضور بداية العرض بترتيل لسورة من القرأن بصوت زياد بن ضو، ترتيل ساحر لان الموسيقى غذاء الروح كما يقول جلال الدين الرومي، ترتيل به قسم بالبلد «اقسم بهذا البلد، ووالد وما ولد»، قسم بالبلد والوطن فهل هناك اصدق؟
زياد الحالم زياد صاحب الصوت الشجي الممتع يجعلك تتذوق الموسيقى وتنتشي لوقعها،شاركه المتعة ساجد ليسير، كلاهما صنع عالما جميلا بصوتيه، فقد جسدا صوت الماء وصوت الانطلاق وصوت الوجيعة وصوت الحب وصوت التمرد، زياد المبدع وساجد الحالم كانا عنوان للنشوة في بنت الحوش.

في «بنت الحوش» اتحدت عوالم المتعة والجمال، عمل تجريبي انطلق من حلم انجاز فضاء ثقافي خاص في حي شعبي ثم كبر الحلم لانجاز عمل ثقافي يومي ثم عمل مسرحي يكون عماده أبناء الحوش، من اللاشيء صنعوا عرضهم، من العدم صنعوا الموسيقى وأصواتهم أصبحت آلات موسيقية تمتع الروح تحزن حينا وتفرح حينا آخر، وكانت الرحلة في عالم تجريبي ساحر، عرض وكأنه وقع الماء الزلال على عطشى في الصحراء.

ارقصوا على الجراح علها تشفى
لكِ أن ترقصي لكِ أن تنتفضي لكِ أن تصرخي أن لا للظلم ولا لتقييد المرأة وحريتها وأحلامها، لكِ أن تكوني ثورة شعلة جمال ملتهبة تحرق كل من يقترب من حريتها، لكِ أن يكون جسدك وسيلتك للتعبير، لكِ أن ترقصي وترقصي وتتركي الكلمة لجسدك.
أما أنت فلكَ أن تترك لجسدك حرية الاختيار، دعه يصرخ، دعه يعبّر دعه يعاند الموسيقى ويراقص النغمات دعه يكون إلياذة للجمال وترتيلة الحياة، لا تقيّده دعه يعاكس الموجود ويسابق الكلمات، دع للجسد حريته وأطلق عنانه ليكتب أجمل اللوحات.
وفي الحوش كان لقاء جمهور مسرح التجريب مع لوحة التمرد والبحث الأبدي عن الحياة، لوحات في عرض «بنت الحوش» قدمها كل من رنيم محضي و سهيل عبد الجليل، كلاهما تحدث بجسده، لغتهم كانت الحركة، بأجسادهم كتبوا على وجوههم علامات الحب والخوف والتمرد والوجيعة.

بنت الحوش انتاج «حوش الفن» عمل فني حضرت فيه الموسيقى والرقص والمسرح والغناء، عمل تكاتفت فيه جهود البحث والتجريب، عمل عن نص للمبدعة صفاء برجي هو حكاية امرأة رافضة للموجود حالمة بالتغيير، هي فتاة تونسية كالكثيرات، تجد نفسها مجبرة على ترك دراستها بسبب عدم قدرة الوالد على تكاليف الدراسة، تتواصل الأحداث فترفض الفتاة الانصياع وتقرر التمرد وترك العائلة والمدينة لتواصل دراستها و«تكمل الحلمة المزيانة» «يا بابا نحب نقرى، خليني نعيش، ونكمل الحلمة، سيبني نبني ونعلي ما تحرمنيش».

في «بنت الحوش» يكون الأب هو ناقل الحكاية، يسردها صحبة الموسيقى، عرض يغوص في خبايا المرأة العنيدة والثائرة الرافضة لكل القيود، بنت الحوش هي كل امرأة رافضة للواقع هي انموذج للمرأة الحالمة القادرة على التضحية فقط لتصنع ذاتها، نص صفاء برجي موجع يجعلك تفكر في ذاتك في المرأة ووجيعتها، في صاحبة الابتسامة الجميلة و القلب المرهق والروح المثقلة بمتاعب الحياة، «بنت الحوش» رحلة البحث عن الأنا والآخر بحث عن صورة المرأة داخلنا.

تتواصل الموسيقى القوية ومعها أنين يرسله زياد وساجد وجسد رنيم المحضي ينتفض على الرّكح انتفاضة الحياة الأخيرة، تتحد مقومات الرحيل و تصبح الموسيقى أكثر حزنا.

فالفتاة المتمردة أصبحت سهلة الدمغجة وتمكن «بياعة الكلام» من دمغجتها و اصطحابها الى حيث «يبحثون عن الرب لتطبيق شريعته والحديث باسمه»، لتنطفئ تلك الشعلة المتقدة وتخفت معها ارادة الحياة، احساس الهزيمة جسدته رنيم المحضي بحركات مضطربة على الركح، لتكون نهاية العرض بسقوط الراقصين على الركح وكأنها نهاية لبداية جديدة أو هي انبعاث الروح من رماد الظلام تماما كإرادة سيزيف.

بنت الحوش عمل أول لحوش الفن، عمل يغوص في إحساس المرأة ووجيعتها عمل تجريبي عن الخوف والوجيعة والحب والتمرد، بنت الحوش عمل يؤكد أن إرادة الحياة حق والثقافة فعل نضالي ابدي يستحق الكثير من التضحية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115