محاضرة علمية ببيت الحكمة: «المخ والأديان»: هل يمكن للعلم تفسير الدين ؟

ما مدى مشروعية الإقرار بعلمية المقاربة الدينية؟ هل يمكن للعلم تفسير الدين؟ أيّ حاجة للوعي الديني؟ ما هي أبرز الفوارق بين الفئات المهووسة بالاعتقاد والكيانات المسكونة بهواجس الفهم والتفسير؟ كيف يفسّر العلم مراحل تطوّر المخ؟ ما هو حجم استثمارات الدوّل الكبرى

في مجال الدراسات العلمية للدماغ البشري؟ لماذا تحتّم تلك الأسئلة المراوحة بين مخابر العلم، وإرهاصات الفلسفة، وأجنحة الخيال الشعري؟ كيف تحتّم الأسئلة الأنطولوجية الاحتماء بالميتافيزيقا؟
نظّم مؤخّرا في هذا الإطار قسم العلوم الطبيعية والرياضيات بمجمع بيت الحكمة لقاء علميا، قدّم خلاله الدكتور رفيق بوخريص محاضرة حول المخ والأديان، افتتحتها الدكتورة سعاد كمون شوك رئيسة القسم، منزّلة المحاضرة في سياق مواكبة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» لجديد الاكتشافات العلمية، وذكّرت بمسيرة المحاضر وبحوثه في المجال الطبي.

اتّسمت المداخلة بمضمون علمي، جوهره حتمية التمييز بين فئة النزوع نحو الاعتقاد، ومن ينشد الفهم والتفسير، مستشهدا بالشعار الشهير للفيلسوف الألماني نيتشة «تنقسم الذوات الإنسانية إلى مجموعتين، ذوات تريد الفهم، وأخرى تميل إلى الاعتقاد»، داحضا عبر ذلك منطق المماثلة بين الدين والعلم نظرا لاختلاف المرجعيتين «فالدين ليس العلم، والعلم لا يفسّر الدين» كما ورد في مداخلته.

فدماغنا هو المسؤول عما يعترينا من أفكار ومشاعر وفقا للدكتور رفيق بوخريص، مدعّما موقفه بالحفريات الطبية المتتالية، إذ ذكّر في هذا المجال بمقولة أب الطبيب وأوّل مدوّن لكتب الطب اليوناني «أبيقراط»، القائل «في دماغنا فحسب تتكوّن متعنا وسعادتنا وأفراحنا ومزاحنا، وكذلك أحزاننا وآلامنا وكآبتنا ودموعنا «، وعليه يمكن برأيه استيعاب مبرّرات حجم الاستثمارات المالية التي خصّصتها الدول الكبرى الغربية، خاصة أوروبا وأمريكا، من أجل فهم وتفسير ميكانيزمات المخ ومراحل تطوّره «فالمخ الحالي ثمرة تطوّرات كبرى للكائن الحي» على حد عبارته . لنستخلص من مداخلته العلمية أهمية الوعي بمراحل تطوّر الدماغ البشري كي نستوعب «ما ورثه الإنسان من أسلافه» ومواطن «التشابك العصبي» وأبرز التحوّلات «التي مرّت بها الخلايا العصبية» عبر التاريخ، بل يشدّد المحاضر على تطوّرات الراهن حيث نشهد حاليا كما قال «نقطة تحوّل كبرى . . محتواها المرور من الطور الثالث للمخ إلى طور رابع»، فبفضل التطورات أصبحت الايبستيمولوجيات المعاصرة تبحث في مفاهيم صناعات الذكاء والذكاء الموازي لأننا قد غدونا إزاء الذكاء الاصطناعي .

من الطبيعي أن تكشف هذه المنجزات العلمية علل لجوء المهووسين بالمسكّنات الميتافيزيقية إلى الاعتقاد بدل التفسير، فالعجز عن التفسير العلمي للظواهر يقود حتما إلى الاحتماء بالجدار الغيبي، ومن لا شمس له بحاجة للشمس الوهمية علّه يتحرّر من الأسئلة الأنطولوجية المؤرّقة ومن أسرار الكوسمولوجيا، فقد تعبّد هذه المسائل جسور التحليق بأجنحة الشعر والاقتحام القسري لضفة الإرهاص الفلسفي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115