في فيلمه الروائي الطويل «بركة يقابل بركة».
هو فيلم ينتصر لإرادة الحياة ويطلق صرخة جيل كامل يرغب فى التحرر الفعلى والحقيقى بعيدًا عن التحرر فى العالم الافتراضى على وسائل التواصل الاجتماعي أو اللجوء إلى حياة مزدوجة يمارسون ما يرغبون فيه فى الخفاء وفى العلن يؤدون الدور الذى يرسمه لهم المجتمع تماما، ولان السينما عنوان للانعتاق نقد محمود الصباغ صحبة هشام الفقيه و فاطمة النبوي مجموعة من المشاكل التي يواجهها المواطن السعودي في ظل العادات والتقاليد التي تقيد الاحلام والمشاعر.
بين المسموح والممنوع تضيع الاحلام
«بركة يقابل بركة»، فيلم سعودي طويل هو الثاني في تاريخ السينما السعودية، فيلم كوميدي ساخر يمكن تصنيفه في باب الكوميديا السوداء تلك التي تضحكك ثم تدفعك للتساؤل عن كمّ المطبّات والمكبلات والممنوعات التي يعيشها المجتمع السعودي.
تبدأ الاحداث بصورة فوقية لأحد الاحياء الشعبية لمدينة جدّة، تتجول الكاميرا تدريجيا فيرى المشاهد الانهج الضيقية والأتربة والبناءات الفوضوية البسيطة صور عن السعودية الاخرى التي نراها في الاعلام الرسمي للملكة، اول الاحداث خروج «بركة» (هشام فقيه) من المنزل ليذهب الى عمله اليومي وحوار مع «الخالة سعدية» عن المعيش واليومي، بركة موظف حكومي يشتغل في بلدية جدة ، يعيش في حي متواضع و ينتمي لعائلة بسيطة حياته جد عادية كأي موظف حكومي يقضي ساعات عمله اليومي يسجل المخالفات ويطبق القانون دون وجود علامة فارقة او حدث مميز ومختلف في حياته.
الى ان يشاهد «بيبي» (فاطمة النبوي) «بركة» الطبقة الثرية، فتاة جميلة شغلت كل مستعملي «الانستغرام» تقوم بإنزال فيديوهات تتحدث فيها عن «كاراكوزا» وهو اسم لشركة مختصة في الموضة والملابس، هي فتاة استثنائية في الفيلم تخجل من اسمها الحقيقي «بركة» وتعتمد اسم الشهرة «بيبي» في بيان للانفصام الذي يعيشه البعض بسبب العادات والتقاليد.
وتعد «بيبي» من نجمات «السوسيال ميديا» و يعجب بها بركة بشدة ويحاول التواصل معها بكل الطرق ولكن التقاليد الحاكمة للمجتمع تقف بينهما دائما كل ذلك من خلال كوميديا الموقف والتى تفجر الضحك فى قاعة العرض.
فحين يريد ان يقابلها يضع الاثنان مخطط اللقاء فإما في مطعم فاخر ولكنه يغلق ابوابه وقت الصلاة، على الشاطئ حتما سيواجهــان عقوبة جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وماذا لو بقيا في السيارة يسمعان الموسيقى بصوت عال؟ حينها شرطة الاخلاق ستطبق عليهما القانون؟ مجموعة من المواقف يقترحانها ليجدا ان لقاءهما لوحدهما شبه مستحيل في مجتمع يحرم الحب، والزواج لذا فإن اللقاء خارج السعودية هو الحل الأنسب ومن خلال طريقة الحديث يطرح الفيلم الكثير من الاسئلة عن التناقض الغريب الذي يعيشه مجتمعهم، مجتمع يسابق التطور التكنولوجي افتراضيا في حين انه يمنع اللقاء بين رجل وامرأة، حينها يتساءل بركة مخاطبا عمه «لماذا؟ ما الذي تغيّر، امي كانت تدرس في مدرسة مختلطة، مضيفات الطيران كن يلبسن التنورات القصيرة، والدي ووالدتي ذهبا الى السينما العديد من
المرات قبل الزواج، فلماذا نحن مكبلين، جيلكم عاش وتمتع بالحريات وقضى على جيلنا؟» اسئلة بها الكثير من الوجيعة من مواطن وجد نفسه غريبا بسبب العادات والتقاليد رافقها بث لصور بالأبيض والأسود تنقل وقائع تحدث عليها الفيلم.
في الفيلم تركيز على تأثير الحب على شخصية المرء فـ»بركة» الموظف الصارم نجده يتهاون مع مجموعة من الشباب تقوم بالتصوير على شاطئ البحر دون رخصة، ويخبر زملاءه ومرؤوسيه «ان الامر قشطة وزي الفل» فقط لان المرأة التي يحبها جزء من المجموعة.
في الفلم تتجول الكاميرا بين الاحياء الشعبية والراقية، تنقل حياة البسطاء الذين يطبقون القانون بصرامة والاثرياء الذين يشربون الخمرة ويستمعون إلى الموسيقى ويقدمون الاعلانات دون خوف، وعلاقة «ميادة» بحمزة و سكبه للخمرة على القاع دليل على ان القانون يطبق فقط على الفقير والبسيط اما الاثرياء فلهم قوانينهم الخاصة.
في الفيلم الكثير من النقد الساخر للمجتمع السعودي، نقد للتناقض والزيف الذي يعيشه، هو صرخة مواطن سعودي ضد التهميش والاقصاء، صرخة ضد من «يغلقون ابواب الحلم والنجاح والرقي» كما يقول احد الممثلين.
حين تقرر المرأة ان تتحرر
«بيبي» الفتاة الجميلة، التي يتابعها الكثيرون على «الانستغرام»، كغيرها من ملايين السعوديات ، تظهر بنصف وجه، يتحكم فيها المجتمع وعاداته، تحلم ان تكون في بلد آخر تغني دون خوف، تتناول قهوة على شاطئ البحر، تقود سيارتها دون خوف (حين رغبت بقيادة السيارة تنكرت في زي رجل وهي المرة الاولى التي تقود دون خوف)، تحلم ان تصعد على خشبة المسرح وتقول في احدى انفعالاتها «لكم اللايكات ومعجبي الانستغرام وأعطوني خشبة مسرح حقيقي» في المقابل يجسد الرجال دور النساء في المسرح فبركة الرجل يلعب في احدى المسرحيات شخصية اوليفيا ويظهر على الركح وهو يرتدي لباس اوليفيا بلحيته وشاربيه، هي كغيرها رقم ليس لها إلا أن تخجل من اسمها «بركة» فتستعمل «بيبي»، تخاف ان تقابل من تحب بسبب العيب والحرام، ولكنها تقرر التحرر والخروج من العالم الافتراضي لتصبح نجمة حقيقية وامرأة واقعية وليست مزيفة وتقرر في خطوة جريئة ان تستعمل اسمها الحقيقي «بركة» وتقدم إعلانا لمراهم البشرة ويظهر وجهها كاملا لتصبح نجمة إعلانات قرار جريء يكشف قدرة المرأة على التحرر وإرادتها الصلبة للحياة.
بركة يقابل بركة فيلم تم اختياره وترشيحه كأفضل فيلم أجنبي للأوسكار 2017 وهو من إنتاج وإخراج محمود الصباغ وذلك بعد حصوله على جائزة لجنة التحكيم فى قسم Forum بمهرجان برلين السينمائي الدولي، واختياره للمنافسة ضمن قسم عروض خاصة بالدورة الـ41 من مهرجان تورنتو السينمائي الدولي.
وكتب في مجلة سيدتي ان الفيلم «بركة يقابل بركة» للمخرج محمود الصباغ هو أول فيلم يحمل قدرا كبيرًا من الصدق والمكاشفة حول المجتمع السعودى والـ»لاءات» التى تحكم كل التفاصيل وأبسطها حتى فيما يتعلق بالمشاعر الإنسانية البسيطة من رغبة فى التعارف..
فالعالم كله يتغير وهؤلاء الشباب يتعاطون مع مفردات التغيير والتطوير، ولكن المجتمع ثابت وراكد ويخضع لقوانين وتقاليد من المفروض أن يكون عفا عليها الزمن.