حدث أن شاهدت فيلما وثائقيا عن الانفجار الكوني العظيم، وعن الأرض المحظوظة المتقدة بالحياة وسط ظلام شاسع رهيب.. وعن مساعي العلماء عبر التاريخ للبحث عن كوكب آخر شبيه بالأرض الرحيمة بالإنسان، كوكب لا يخنقنا حتى الموت بثاني أكسيد الكربون القاتل، ولا يحرقنا بالأشعة تحت الحمراء، ولا يذيب أجسادنا ببراكينه المستعرة، ولا يعانقنا بجحيم حمض الكبريت والنيتروجين.. كل محاولات العلماء باءت بالفشل.. فكوكب الأرض ليس إلا حبّة رمل متناهية في الصغر بين الغبار الكوني المتناهي في العظمة.. المشاهد التي تأتينا من الفضاء مثيرة جدا بقدر ما هي مخيفة وغامضة..
إلى وقت غير بعيد كان العلماء يأملون خيرا في كوكب الزهرة، شقيق الأرض، كما يسمّونه، إلى أنّ اكتشفوا أنه شقيق مزّيف، فهذا الكوكب» الذي يبدو على صورة ودودة من الأرض هو في الواقع لدود جدا، إنه شقيق مستعرّ، مرصّع سطحه بفوهات البراكين، وغلافه الجوي المشبع بثاني أكسيد الكربون يحبس حرارة الشمس، كوكب الزهرة بمثابة احتباس حراري خارج عن السيطرة، ربما كانت الزهرة هادئة كشقيقتها الأرض قبل أن تخرج عن السيطرة، وإنّ كان هذا صحيحا فقد يكون هذا مستقبل الأرض، أما كوكب عطارد فمحروق ومتجمّد ومليء بالندوب، درجات الحرارة تحيطه بجموح، فأثناء الليل تصل إلى مائة وسبعين درجة، وأثناء النهار تصل إلى أربع مائة درجة.. ما يشير إلى أنّ كوكب عطارد له ماض عنيف.. هو أشبه بقطعة حديدية ضخمة مغطاة بقشرة من الصخور».. ربما عقولنا هي من أصبحت قطعة حديدية ضخمة مغطاة بقشرة من الصخور.. أو لعلّها قلوبنا..أو إنسانيتنا.. تخبرنا الأبحاث أيضا أنّ الكون مليء بالثقوب السوداء المرعبة التي تمتّص حتى الكواكب. بعدما تفتّتها.. ثقوب سوداء متناهية في العظمة والجبروت.. هي أيضا إنسانيتنا كما أراها..اشترك في المغرب إبتداء من 20 د
يخبرنا الوثائقي من خلال مختبرات وتكنولوجيات وكالة الفضاء الأمريكية «الناسا»، أنّه إلى حدّ الآن لا أمل للعثور على حياة يتنفسها ويعيشها وينعم بها الإنسان على كوكب آخر، فمجرّتنا شاسعة غامضة تحيط بها الغازات الفضائية الغربية الخانقة من كل جانب، حيث الفناء، حيث الخوف، حيث انعدام الأمان والسلام.. الفضاء الخارجي إلى حدّ الآن هو موت متربّص بأبشع الطرق.. ونحن بالكاد نعرف شيئا عن الفضاء بل عن الأرض نفسها.. كل المعلومات التي تُعرض عن الفضاء الخارجي تجعلنا نتشبّث أكثر بكوكبنا الأرض، ونتساءل فعلا، ماذا لو كان مستقبلها مثل الزهرة أو أي كوكب آخر مُميت؟
البشرية انغمست في الظلام وتعامت عن ظلام محتمل أكبر وأخطر، عن ظلام كوني يُضحك الجهلة، ويتغافل عنه الحمقى، أمام هذا الظلام القادم يوما ما، سوف نأكل أصابعنا ندما لأّننا أفسدنا الأرض برا وجوا وبحرا.. لأنّنا قتلنا الإنسان وذبحناه وحرقناه، على مرّ العصور، باسم لون أو عقيدة أو جنس، أو مذهب أو فكر.. على كوكب مجهول المستقبل مازالت البشرية تُذبّح البشرية، مازال دم الإنسان يُسفك على تراب الأرض الطاهرة في كل مكان..
علماء الناسا يعملون ليلا نهار لمعرفة مستقبل الأرض، ولاكتشاف حُبيببة جديدة في الغبار الكوني العظيم كحبيبية الأرض، صالحة للعيش، بينما يعمل الدواعش والضاّلون في كل مكان، ليلا نهارا، كي ينشروا راياتهم السوداء، ورايات الدم، يعملون ليلا نهارا للإفساد في الأرض أكثر، للتلذذ بقطع الرقاب والأرجل أكثر، للتلذذ برمي الناس من فوق البنايات الشاهقة أكثر، للتلذذ بإحراقهم بالنار والكبريت أكثر.. عندما نرتفع قليلا عن كوكب الأرض، حتى افتراضيا، سنتساءل: أيّ دافع هذا يجعل الإنسان قاتلا ملغيا حياة أخيه الإنسان؟ هل نشر ديانة ما، أيديولوجية ما، عرق ما، مذهب ما.. «دولة» ما.. سياسة ما.. أفضل من حياة الإنسان؟اشترك في المغرب إبتداء من 20 د
الأرض في كامل فرحها موطني، فما بالك حيث قُتل الإنسان واضطهد وقُمع وسُلبت حرّيته وكرامته؟ كل اللغات تمثّلني، كل الديانات الرحيمة بالإنسان تمثّلني، كل الأغاني، كل الألوان.. الإرهاب حيث ضرب، ضرب موطني، الدمار حيث زلزل، زلزل موطني، أنا في كل مكان أعيش، لا تأشيرة بين الدول تقيّدني، ولا لا حدود لغوية أو حضارية أو عقائدية وعرقية أو مذهبية تفصلني عن حبّي للإنسانية واحترامي لحياة الإنسان.. وحياة كل كائن حيّ على كوكبنا.. أو أي حياة أخرى على كوكب لم نعرفه بعد..
ما أصغر البشر، وما أضيق رحمتهم، وما أدكن قلوبهم، وما أكثر شرّهم، وما أشرس الوحوش داخلهم.. لا خلاص لنا نحن البشر سوى أنّ نعانق بعضنا ونحافظ على وطننا الأكبر.. فظلام الكون أمامنا وظلام البشرية السوداء وراءنا..