اعتبرها كثيرون تمظهرات حادة لتغير المناخ، وشكلت الحالة المأسوية للظاهرة الطبيعية، باعثا لتجديد الحديث عن جهود المؤسسات المعنية دولة ومجتمعا مدنيا، حيال مثل هذه المعضلات المتواترة، وإلزامات التحصن بتوفير حد من الأدوات الوقائية، وتحويل المقاربات العامة والنظرية في مجال التأقلم ومجابهة تغير المناخ، والتوقي من الكوارث الطبيعية، إلى فعل وحلول عملية.
فقد انخرطت تونس منذ ربع قرن في المسار الدولي حول تغير المناخ، عبر التقارير والملتقيات والمشاركات الفنية والعلمية، كما أسهمت في مشروع أممي محلي في مجال المعرفة والوقاية من الكوارث الطبيعية.
كل ذلك يضاعف مشروعية المضي قدما نحو مرحلة أكثر جدية في مجال اليقظة والحيطة والتفاعل الإيجابي، لا الانفعال السلبي مع ما يجري، وكأننا لا نملك أية مقدرة على التعاطي مع ظواهر يفترض أننا درسنا سيرورتها السابقة بما يحدد نسبيا متجهاتها المحتملة.
فالكوارث الطبيعية بماهي ابتلاء أو دمار كبير يحدث بسبب حدث طبيعي منطو على خطورة و هناك تعريفات متعددة للكارثة حددتها المنظمات والهيئات الدولية والوطنية المتخصصة، ويشترط في التعريف الوضوح والشمولية والإيجاز ودقة اختيار الكلمات، ومن هذه التعريفات الأممية الكارثة هي حالة مفجعة يتأثر من جرائها نمط الحياة اليومية فجأة ويصبح الناس يعانون من ويلاتها ويصيرون في حاجة إلى حماية، وملابس، وملجأ، وعناية طبية واجتماعية واحتياجات الحياة الضرورية الأخرى.
ووفق المنظمة الدولية للحماية المدنية تعد الكارثة هي حوادث غير متوقعة ناجمة عن قوى الطبيعة، أو بسبب فعل الإنسان ويترتب عنها خسائر في الأرواح وتدمير في الممتلكات، وتكون ذات تأثير شديد على الاقتصاد الوطني والحياة الاجتماعية وتفوق إمكانيات مواجهتها قدرة الموارد الوطنية وتتطلب مساعدة دولية.
ويعرف دليل الدفاع المدني الصناع:الكارثة على أنها حادثة كبيرة ينجم عنها خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات وقد تكون كارثة طبيعية مردها فعل الطبيعة (سيول، زلازل، عواصف.. الخ) وقد تكون كارثة فنية سببتها يد الإنسان المخربة سواء كان إرادياً (عمداً) أم لا إرادياً (بالإهمال) وتتطلب مواجهتها معونة الأجهزة الوطنية كافة (حكومية وأهلية) أو الدولية إذا كانت قدرة مواجهتها تفوق القدرات الوطنية.
أما عند المنظمة الأمريكية لمهندسي السلامة فهي (التحوّل المفاجئ غير المتوقع في أسلوب الحياة العادية بسبب ظواهر طبيعية أو من فعل إنسان تتسبب في العديد من الإصابات والوفيات أو الخسائر المادية الكبيرة). وعُرّفت أيضاً بأنها (واقعة مفاجئة تسبب أضراراً فادحة في الأرواح والممتلكات وتمتد آثارها إلى خارج نطاق المنطقة أو الجماعة المنكوبة
تتنوع التعريفات وتتعدد، ومن مؤشراتها خسائر مدمرة للأرواح والمكتسبات، وهو ما يرفع من مسؤولية المعنيين، وهم كل مكونات المجموعة الوطنية، من مؤسسات دولة وجمعيات وغيرها، فالمطلوب عاجلا غير آجل، التلاقي حول مشروع وطني جامع يرمي لإنشاء مخطط إستراتيجي تونسي للدفاع الشامل، يتضمن عنصرا مهما يتعلق بالجوائح الطبيعية.
صحيح أن الدولة الوطنية بعد الاستقلال لم تراهن على التسليح العسكري، غير أنه تم طرح مفهوم الدفاع الشامل، الذي كان من رواده النقابي والوطني المفكر المرحوم نوري بودالي في أدبيات رسائل موثقة، غير أنه ما يزال في المجال متسع للتدارك.
إن قدرات البلاد المهمة في مجال الدفاع (معهد مختص ومؤسسات وطنية عتيدة) والحماية المدنية، والتوقع والاستشعار عن بعد، وهيئات الدفاع المدني كالهلال الأحمر التونسي والمنظمات الشبابية والخيرية والتضامنية، ومراكز البحث والإحصاء، كلها مطلوبة للعمل التشاركي والمتناسق من أجل بناء رؤية متكاملة وآليات واضحة تتضمن بنوك معطيات وتوزيعا للمهام وخططا للتدخل وغيرها من المكونات التي تشرك كافة قوى المجتمع دون استثناء بما يضمن حماية مقدرات الوطن، تجاه كل التهديدات المحتملة أيا كان مأتاها.
معهد الدراسات الاستراتيجية، مطلوب مجددا للتحرك وفق مهامه، والتعاطي بما يلزم من جدية ، مع تحد آني واستراتيجي يتعلق بمصلحة وطن، وأمنه الشامل.