إضاءة: القطار الأخضر قادم

تعميم الخضرة، وتوسيع دائرة الخصب حلم غال ويبقى صعب المنال.

فالتحول نحو اعتماد الطرق البيو والتقنيات الصديقة للبيئة، وتعديل نمط الاستهلاك والإنتاج والنقل و..يمثل تحديا مرهقا، ومهمة شاقة للكثيرين، ويرى فيه جل الناس ترفا وشططا زائدين عن اللزوم.
تؤكد كثير من التجارب والحالات أنه ما يزال التفاعل مع المبادرات البيئية محتشما، والإقبال على البدائل الإيكولوجية نخبويا.

لا مجال لليأس والتوقف، ولكنها الحقيقة المرة.

فبرغم الحملات والتطور الذهني ورقي المجتمع، الذي بلغ من النضج..ما يزال كثير من التونسيين يلقون نفاياتهم في كل مكان، يرمونها من نوافذ السيارات في الطرقات، ويكدسون فضلاتهم المنزلية وغيرها بطريقة لا تختلف كثيرا عن الطرق العشوائية التي تفشل أية محاولة لتطوير صورة المدينة ،والارتقاء بمظهر الحي، وتجهض اي مشروع للرسكلة والتثمين في غياب الانتقاء والفرز من المصدر.

يغرق آخرون في حلم وردي مخضوضر، ينقلون صورا مستوردة لتقنيات بيئية متطورة تعمم النظافة وتثمن الفضلات وتمحو مظاهر التلوث وتفتح مجالا رحبا لاقتصاد ونقل وطاقة, خضراء..

البعض في دوائر القرار، والبعض في الجامعات، وآخرون في مؤسسات خاصة، وغالبية في شرايين الجمعيات والمنظمات البيئية والتطوعية، يحددون ملامح الغد القريب، ويقترحون للمواطن مسارات صعود لمصاف المواطن البيئي الملتزم النظيف المقتصد الرشيد.
لم يكف اندلاع بؤر للكوليرا في مدن في الجزائر الشقيقة، لدق ناقوس الخطر، وتحريك سواكن بعض الغافلين اللامبالين، وكأن الوضع يبقى على ما هو عليه، ولا داعي للقلق.

لم يدرك بعض المثقفين والنخب والمترفين، أن البيئة ليست منجزا يقتصر تحقيقه على الدولة والبلدية، ولم يع كثيرون ،أن مآل المجموعة الإنسانية والمجتمع، مترابط، لأن سوء التصرف والتقصير من اي فرد يكون له انعكاس محتوم على مصير البقية، لأن مؤشرات الوضع الصحي والبيئي ، وحال الموارد المشتركة تعني الجميع.
متفائلون يرون في بداية المنع التدريجي للأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الوحيد، و تحرك فرق الشرطة البيئية وأعوانها، وارتفاع نسق الرصد والردع للمخالفين، وعمليات هدم البناءات العشوائية على الملك العمومي، وتدخلات البلديات في مجال النظافة مؤخرا، مؤشرات إيجابية على بداية تحرك حازم في الاتجاه الصحيح.

كثيرون من الأقل تفاؤلا، يعتبرون أن مركبة البيئة لم تتحرك، وأن قطار الاستدامة لم يبارح الشعارات والأوراق والمخيلات، وأن ما يعلنه الساسة في المجال ومناضلو البيئة في الجمعيات منذ خمسة عقود لم يتحقق لا كليا ولا جزئيا بدليل ما نرى من ممارسات عامة فيها إهدار للموارد، وتصرفات فردية وجماعية عابثة بالموارد والمقدرات البيئية..
بالأمس في غار الملح رسم المئات من المتطوعين حول شبكة فايقين لبيئتنا مع الأشقاء العرب المشاركين في المؤتمر العربي الأول لتمكين المرأة المنعقد بتونس، رسموا حلما كبير، حاولوا تنزيله في الواقع بحملة تشجير كبرى، وتنظيف، وعمل جماعي اشترك فيه المئات من الفتية والفتيات، أعلنوا مبدئيا العزم على الانتقال بالإرادات إلى واقع جديد يحمل بصمة الخضرة والديمومة.

المستحيل ليس تونسيا،ولا حتى عربيا، أو جمعياتيا..لذا تراهم يحلمون، ويتمنون، وما نيل المطالب بالتمني، وما أحلك الحياة بلا حلم، ويعزمون على تحويل الحلم إلى حقيقة، غير آبهين لصخرة صماء تحول دون تجسيم الفكرة، وإعادة تشكيل صورة تونس، على صيغتها الأصلية.. الخضراء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115