إضاءة: براعم التنشئة تزهر إيثارا

ما يزال حلم البيئيين والناشطين من أجل تأمين سلامة المحيط وتجدد الموارد وصون منظومات الطبيعة ومخزونها الإيكولوجي ، مؤجلا، ويبدو للكثيرين أشبه بالسراب.

وكثير منهم يعجز عن إيجاد أجوبة مقنعة لما تردى له الناس في سلوكهم اليومي من استهتار واستباحة لحرمة المشترك، وانقيادهم وراء نزوات فردانية طائشة ، كلفتها النظافة وسلامة مناطق ساحلية وغابية واصناف هشة وأنواع مهددة.
فمع الحديث المتكرر عن أهمية البيئة، يسأل ذوو الألباب المخضرة: لماذا لا تخصص تلفزات البهجة الطافية والمنوعات الباذخة ، دقائق لإيقاظ ضمائر بيئية غافية؟

فبرغم الترسانة التشريعية والترتيبية، وتوفر بوادر واضحة لعدة هياكل عمومية نحو ضبط الحال البيئي وردع المخالفين، يجد أنصار «لبيب» انفسهم أمام اسئلة حائرة حول سر تأخير إجراءات تفعيل الهيئة الدستورية للتنمية المستدامة ولحقوق الأجيال القادمة.
ويرى كثيرون أن المشكل ليس في السلط العمومية، وأن ما بالطبع لا يتغير، لأن الفرد عندنا لا يحمل البيئة واحترامها بين جوانحه وازعا وضميرا ودافعا ذاتيا محددا لسلوك مدني راق ونبيل.

إنه جانب من نقاش عفوي يطرح لمجرد حصول مناوشات عقب إلقاء سيد محترم بقايا أكله أو عقب سيجارته في الطريق العام، وتعمد البعض تلويث الساحات العامة والاعتداء على المتاح في المحيط المباشر من فرص لتعزيز الثروة وتحسين الرصيد وغنم مكتسبات لفائدة الملك الخاص.

فالنموذج التنموي لمجتمع صديق للبيئة، يفترض تأسيسا متينا لبناء الوعي الممهد للسلوك، ومن ثم مراجعة جذرية لمنظومة التربية والتنشئة بحيث تأخذ في الاعتبار متطلبات انخراط المواطن في إنشاء النمط المجتمعي المتناغم مع الاستدامة.
وهو مشروع يطرح إعادة بناء المواطنة بما هي تمثل وتبن وإدراك وسلوك فردي وجماعي

فالتقيد بضوابط سلامة البيئة وديمومتها لا يتطلب مجرد قوانين وحرس مؤتمن على الرقابة وخطايا وعقوبات زجريةعلى أهميتها، فحسب، وإنما يستدعي على المدى الاستراتيجي والعميق إعادة تشكيل الفكر والحس البيئي بتنشئة الجيل الناشىء من المهد على تلك القيم والمبادىء

فهي المقدمة المنطقية للتحول المأمول نحو الممارسة البيئية المثالية، وهي تنطلق حتما من بناء الذهنية ومراجعة المحددات النفسية السلوكية، وتغيير الدعائم المؤسسة لثقافة الفردنة والجشع واللامبالاة.

فالصياغة الطبيعية لملامح مجتمع منسجم مع ثقافة التوازن البيئي والاستدامة والمواطنة المسؤولة تمر حتما بادماج لكافة المنظومات التربوية والثقافية والتواصلية في مسار باث لروح قوامها احترام المقدرات المشتركة واعتبار الواجب والاقبال على التطوع والمشاركة الطوعية في صون الإرث الجمعي والمخزون البيئي وتفضيل الممارسات الاستهلاكية الصديقة للبيئة.

لا مفر لإدراك مرحلة البلد المزهر على امتداد المواسم من تربية بيئية وتنشئة على ثقافة المواطنة البيئية.
إنها الحلقة الأولى ضمن المشروع التأسيسي لجيل مسؤول مؤهل لتركيز دعائم النمو المستدام و الاقتصاد الأخضر.

وهي مسؤولية كافة النخب والخبراء والفاعلين وليست مهمة المدرسة وحدها.
تكون التنشئة، أو لا يكون الإيثار وثقافة الاستدامة والتطوع للمجموعة

إنه تحد مصيري لا مهرب من مجابهته بقوة المجتمع وقدرات الدولة ومؤسساتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115