خبرا مفاده ان الدولة التونسية التجأت الى طباعة الأوراق النقدية لتغطية أجور الموظفين في وضع اقتصادي يتسم بالدقة والحذر. هذا الخبر أثار جدلا واسعا بين الخبراء والمختصين في الشان المالي والنقدي والذين تناقلوا الخبر مبررين استحالة تنفيذه باعتبار حساسية الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه البلاد.
هذا الخبر الذي شغل مؤخرا اغلب وسائل الاعلام والمواطنين وكان محور نقاشاتهم بين نفي وتأكيد دفع بدوره بوزارة المالية الى اصدار بلاغ نفت فيه المسالة برمتها واكدت استحالة الاقدام على هذه القرارات الخطيرة في هذا الوقت ؟ وهنا تطرح العديد من التساؤلات والاستفهامات والتي تتمحور في مجملها حول اهمية طباعة الأوراق النقدية وضرورتها وما معنى ان تجد الدولة نفسها مجبرة على ذلك وفي اي ظروف يمكن لها ان تتخذ القرار بالطباعة وإمكانيته ؟ وهل تونس قادرة على اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة وتحمل انعكاساتها على الوضع العام في ظرف اقتصادي حرج ودقيق ؟
جاء تفنيد وزارة المالية والبنك المركزي لمعلومات عن طباعة الأوراق النقدية لتسديد أجور الموظفين لتوضيح خطورة المعطيات المغلوطة كما جاء في البيان المشترك الصادر يوم الثلاثاء ان مثل هذه الإشاعات من شأنها أن تمس بالمصلحة العليا للبلاد داعيا الى التعامل معها بكل حذر واحتراز. ليطمئن بعد ذلك التونسيين بأن خزينة الدولة تتوفر على التمويلات الضرورية لخلاص أجور الموظفين ولخلاص تعهدات الدولة وذلك من خلال الموارد العادية للخزينة كما يبرزه حساب خزينة الدولة المفتوح لدى البنك المركزي والذي تنشر معطياته المحيّنة على موقع البنك. و أكدت وزارة المالية أن عمليات الاقتراض تتم في إطار المبالغ المُرخص بها والمرسمة بقانون المالية لسنة 2018.
هذا الخبر الذي تداولته اغلب وسائل الاعلام المحلية كان بمثابة الاستفهام الكبير الذي تحيط به هالة من التخوف وقد أوضح اغلب الخبراء والمختصين في الشان المالي والنقدي في عديد التصريحات الاعلامية أن الدولة وأمام ما تعيشه من ضغوط تضخمية لا يمكن لها الالتجاء إلى طباعة الأوراق المالية وان هذا الظرف بالذات لا يسمح بهذه الخطوة التي سيكون لها انعكاس كبير على الوضعية الاقتصادية العامة للبلاد والتي تتسم بالحذر الشديد ودقة المرحلة.
لقد التجأت عديد الدول في العالم إلى اجراء طباعة الاوراق النقدية خاصة خلال السبعينات باعتبار أن التضخم لم يكن من بين أولويات السياسات الاقتصادية وان تقليص البطالة هو من الأولويات، معللين هذا الإجراء بالدور الكبير والمحوري الذي يلعبه للدفع بالتضخم نحو الارتفاع أكثر وهو ما يتنافى ويتعارض كليا اليوم مع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد والذي يتميز بارتفاع شديد في معدلات التضخم والذي بلغ 7.7 % .
كما أن الدولة تعمل على تقليص نسبة البطالة التي بلغت في الثلاثي الأوّل 15.4 % ومن شأن تقليص التضخم أن يسمح بنجاح هذا التحدي حيث سيسمح بعودة المستثمرين وخلق مواطن شغل بالإضافة إلى إعطاء المنتوجات التونسية تنافسية اكبر وبالتالي مساعدة المؤسسات التونسية على ترفيع رصيدها البشري.
وعن أسباب التجاء الدول إلى طباعة الأوراق النقدية يذكر اغلب المختصين الذين تناقلوا الخبر منذ ايام أن الإجراء يحدث حين يكون هناك مصاريف كبرى مثل الأجور وتمويل البنى التحتية والتي لا يمكن بأي شكل من الاشكال مجابهتها بالاقتراض في غياب السيولة وهو ما يدفع الدولة الى استعمال سلطتها النقدية لطباعة الأوراق النقدية وتونس في وضع نقص سيولة لكن أيضا في وضع يتميز بارتفاع التضخم الذي يعد في صدارة اهتمام السياسات الاقتصادية للبنك المركزي اليوم مما يوضح جليا ان عملية الطباعة التي حامت حولها كل هذه الاسئلة تصبح مستحيلة وغير ممكنة في الوقت الراهن.