المعجزة الاقتصادية ...هاجس التنمية السلمية ... تحدي الكورونا: الصين ...رؤية من الداخل

تبلغ مساهمة الصين في النمو الاقتصادي العالمي اليوم قرابة 30 بالمئة لتحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم

وفقا لتقرير حديث صدر عن الهيئة الوطنية الصينية للإحصاء .

وبحسب التقرير نفسه ، يشكل المجموع الاقتصادي الصيني 18.5 بالمائة من الاجمالي العالمي في عام 2021 وحده، وهو ثاني أكبر مجموع اقتصادي في العالم . فكيف تمكنت الصين من ان تتحول من بلد عرف كبرى المجاعات في تاريخه والتي اسفرت عن مقتل الملايين الى بلد النهضة الاقتصادية التي تتجاوز كل الحدود والقارات؟ .
التعافي من الوباء
يمكن اليوم لزائر البرّ الصيني ان يلاحظ تراجع الهاجس من الوباء الذي ألقى بثقله على العالم أجمع ، فاليوم الصين تتعافى ومعها العالم أيضا ، من هذا الوباء القاتل الذي حصد أرواح الملايين. وحققت بكين نسبة تنمية تجاوزت 8.1 بالمئة في عام 2021 مقارنة مع عام 2020 .
نجحت الصين في إنعاش اقتصادها في ظل جائحة كوفيد- 19، بسبب الإمكانيات الكبيرة للسوق الصينية وقوة المرونة الاقتصادية وتفوقها في التنافس العالمي. وتواصل الصين التطور والتقدم دون كلل ، مرتكزة على أسس التنمية الحديثة الذي يعتمد أساسا على ارتفاع مستوى الأبحاث العلمية وقدرة الابتكار الذاتي الذي جعل هذا البلد يحتل المركز الثاني في العالم من حيث حجم الاستثمار في أعمال الأبحاث والتطوير، ليتجاوز مستوى الاتحاد الأوروبي.
واحتلت أربع جامعات صينية ضمن المراكز العشرة الأولى للمؤسسات التعليمية في التصنيف العالمي لبراءات الاختراع الدولية. كما يلاحظ تطورا كبيرا للشركات الصينية في مجالات الصيدلة البيولوجية والطاقة الجديدة مع قدرة منافسة كبيرة في المجتمع الدولي.
عوامل عديدة
هناك عوامل متداخلة تاريخية وحضارية ومجتمعية ساهمت في خلق مفهوم النجاح والتقدم في الصين بحسب ما يؤكد السفير الصيني السابق في الغابون صن جوان Sun Jiwen في كلمته خلال فعاليات ورشة خاصة عن العلاقات الصينية الافريقية بتنظيم من "مجموعة الصين الدولية للتواصل" "CICG ". وقال بأن هذا البلد يتبنى مفهوم او مبدأ " الناس هم من يخلقون التاريخ" وفقا لمقولة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ .فالشعب الصيني اليوم -الذي يعد الأكبر تعدادا في العالم- هو من يصنع تاريخه ونجاحات الحاضر والمستقبل . ولعل العلامة الفارقة في قصة هذا النجاح والنهضة أو "المعجزة الصينية" انطلقت في منتصف خمسينات القرن الماضي وتحديدا بين أعوام 1954 و1957 حيث تم الانطلاق في بناء قاعدة الصناعة الوطنية . وعلى مدى خمسة أعوام تم تنفيذ أكثر من 10000 مشروع بناء صناعي، بما في ذلك 912 مشروعًا كبيرًا ومتوسطًا.
وقد أنشئت قطاعات صناعية مثل الطيران، والسيارات، ومعدات توليد الطاقة، والآلات الثقيلة، والأدوات الدقيقة، والألمنيوم المحلل كهربائيا، والأنابيب الفولاذية السلسة، والسبائك الفولاذية، والبلاستيك، والراديو، وما إلى ذلك. كما تطورت الزراعة من الأساليب التقليدية الى الحديثة لإطعام جميع الصينيين. وتبنت الحكومة آنذاك مبدأ التعليم للجميع.
واليوم يتم استثمار 3 تريليون يوان في التعليم كل عام، أي ما يقارب الـ 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، منها 69 بليون يوان إضافية مخصصة للمدارس في المناطق الريفية.
نموذج الاقتصاد المفتوح
ولعل انتقال اقتصاد الصين من النظام الاقتصادي المغلق والمركزي إلى النظام المفتوح المتجه نحو السوق العالمي، في أواخر السبعينيات، مثّل النهضة الثانية والأهم في مسيرة النجاح الصيني . وفي عام 2013 أصبحت بكين من أكبر الدول التجارية العالمية. وفي عام 2016 باتت من الدول ذات الاقتصاد الكبير في العالم. وأضاف السفير الصيني السابق :" بحلول نهاية الثمانينيات، ذهب أكثر من 10 مليون شاب للعمل في مناطق اقتصادية خاصة أنشأتها الحكومة . واليوم، شنتشن هي مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي 25 مليون نسمة، مع 328000 مؤسسة. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي قرابة 349 مليار دولار أمريكي". وأوضح ان متوسط العمر المتوقع في الصين كان قبل عام 1949 يبلغ 35 سنة وفي عام 2022 بات متوسط العمر 77 سنة .
نموذج النهضة الصينية
وأوضح السفير الصيني السابق في الغابون في تصريح لـ" المغرب " حول مدى إمكانية ان تمثل النهضة الاقتصادية الصينية نموذجا للدول التي تعاني اليوم من صعوبات وازمات اقتصادية ومالية كبرى سواء في العالم العربي او في العالم الثالث وبعض الدول الافريقية، يجيب قائلا:" بعض السياسات ناجحة جدًا في الصين ، لكن ربما لا يمكن أن تكون ناجحة جدًا في بلدان أخرى لأن لدينا ظروف طبيعية مختلفة وأيضًا لدينا ثقافة مختلفة وحضارة مختلفة وأناس مختلفون. وأضاف :" الآن في فرنسا على سبيل المثال نلاحظ تصاعد الاحتجاجات ضد تمديد سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما. وهذا نادرًا ما يحدث في الصين لانه لدينا ظروف مختلفة ".
واليوم أمام الصين تحديات كبرى تسعى الى التغلب عليها على مستوى الطاقات المتجددة والتخفيف من الانبعاثات الكربونية ، من خلال تبني سياسات وتدابير أكثر قوة، للوصول إلى ذروة التخفيف من انبعاثات الكربون بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
ومن أهم الرهانات اليوم أمام الصين هو تحدي التنمية السلمية مع الحفاظ بقوة على السلام والتنمية العالميين. ومعارضة جميع أشكال الهيمنة وسياسات القوة، وتعزيز بناء نوع جديد من العلاقات الدولية في ظل نظام عالمي جديد يقوم على تعدد الأقطاب .

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115