على خطى طريق الحرير: مبادرة "الحزام والطريق"...تحديات عديدة وأحلام واعدة وتوق للنمو

"في سبيل إقامة العلاقات الودية بين الصين وهذه الدول لا نعبأ حتى بالموت"...تلك هي المقولة الشهيرة لرسول المهمات الدبلوماسية ورجل السلام مثلما يصفه الصينيون ،

انه مؤسس طريق الحرير البحري الأميرال "تشنغ هي " Zheng He ويطلق عليه بالعربية "حجّي محمود شمس الدين" وهو بحار ورحالة صيني مسلم ولد عام 1371 في مقاطعة يونان في جنوب غرب الصين في أسرة مسلمة تدعى «ما» من قومية هوي . قام بسبع رحلات بحرية كبرى على مدى 28 عاما تجول خلالها على البلدان التي تقع على سواحل المحيط الهندي وجنوب آسيا وأفريقيا وصولا إلى منطقة الخليج والبحر الأحمر. فكان رسول السلام الذي جاب المحيطات بدبلوماسيته الناعمة دون حروب ولا دمار.

أحلام الشرق الأقصى
حمل الرحالة والبحار الصيني "تشنغ هي" بضائع متعددة من الحرير والمجوهرات والعقاقير الطبية الصينية ، وفي الوقت نفسه كان يحمل أيضا أحلام الصينين وشعوب بلدان الشرق الأقصى للعالم برمته .
ومثلّت تلك الرحلات البحرية -في مكنونها وجوهرها- حوار الحضارات والتاريخ والثقافات بكل اختلافاتها وثراء قومياتها . وقبل رحلات البحار الصيني تشنغ هي ، كانت هناك رحلات طريق الحرير البري التي بدأ بها سكان تلك المنطقة منذ مئات السنين وفتحوا من خلالها العديد من طرق التبادل التجاري والثقافي التي ربطت الحضارات الرئيسية في آسيا وأوروبا وأفريقيا على مدى أجيال متعاقبة.
وبعد مرور قرابة 600 سنة على اطلاق أولى رحلات طريق الحرير البحرية من الصين للعالم ، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ سنة 2013 بإطلاق مبادرة " الحزام والطريق" وهي مستوحاة من عمق التاريخ والحضارة التي تربط بين الصين والعالم. ومن أهم أهداف مبادرة الحزام والطريق الصينية ربط القارات الآسيوية والأفريقية والأوروبية بعضها بالبعض الآخر عبر شبكة طرقات بحرية وبرية لتنشيط المبادلات التجارية بين القارات الثلاث انطلاقا من فكرة المساهمة في تنمية بلدان هذه القارات دون التدخل في شؤون كل بلد من البلدان التي تشقها هذه الطريق. وأبرز ركائز هذه المبادرة تقوم على التضامن والمنفعة المتبادلة بعيدا عن ثقافة الحروب والدمار والاستعمار والتبعية والهيمنة.
الصين -افريقيا ...شراكات متعددة
اليوم ترتبط الصين بعلاقات شراكة متميزة مع القارة الافريقية والعربية ضمن نموذج جنوب جنوب القائم على مبدأ رابح رابح . اذ تنطلق مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير من مبدأ الانفتاح الشامل الذي انتهجته الصين . وبعد 10 سنوات من اطلاق هذه المبادرة او "طريق الحرير الجديدة" فان أهم نتائجها توقيع الصين حتى حدود جانفي من عام 2022 أكثر من 200 وثيقة تعاون بشأن مبادرة الحزام والطريق مع 147 دولة و32 منظمة دولية.
وبلغ حجم التجارة مع دول مبادرة الحزام والطريق أكثر من 9.2 تريليون دولار. اما عن استثمارات الصين مع دول مبادرة الحزام والطريق فتزيد على 130 مليار دولار . كما تم إنشاء 82 منطقة اقتصادية وتجارية باستثمار ما يقرب من 42 مليار دولار. ووفرت هذه المبادرة 240 ألف فرصة عمل ، ما يقرب من 6000 مشروع تعمل.
تحديات كبرى
الأستاذة والباحثة في معهد دراسات غرب آسيا الأفريقية في أكاديمية العلوم الاجتماعية في بيكين " هي وينبينغ HE WENPING اكدت لـ" المغرب " على هامش ورشة فكرية وبحثية خاصة عن العلاقات الصينية الافريقية بتنظيم من "مجموعة الصين الدولية للتواصل" "CICG " بأن طريق الحزام والطريق هو طريق الحرير الجديد الذي يوفر شراكات ومبادرات مع أكثر من 160 دولة تجمعها أحلام وآمال مشتركة بالنمو والرفاهية للشعوب . اما عن التحديات الكبرى التي تواجه هذه المبادرة تجيب بالقول :" هناك تحديات تتعلق بتوظيف العمالة المحلية والتواصل فيما بينها مع اختلاف اللغات ، علاوة على الحفاظ على مشاريع البنية التحتية وضرورة تنميتها المستدامة . إضافة الى المخاطر الأمنية الكبرى في عديد الدول الافريقية مثل حوادث القتل والاختطاف في ظل عدم استقرار امني . والتحدي الأخير هو منافسة القوى الكبرى ، مثل : المواجهة بين الصين والولايات المتحدة ، وكذلك حملات تأليب الرأي العام على الصين، إضافة الى فك الارتباط بين الصين والولايات المتحدة ".
التصنيع يخلق فرص عمل
وتحدثت الباحثة الصينية عن الاستثمارات الصينية في افريقيا وكيف أسهمت بخلق فرص العمل فتقول :" على سبيل المثال ، فقد تم بناء المنطقة الصناعية الشرقية لإثيوبيا في عام 2007 من قبل شركة صينية خاصة هي " Jiangshu Yongyue Group" . والآن توجد 82 شركة تتركز في المنطقة الصناعية تتنتوع بين المنسوجات والأسمنت والصلب وصناعة الأحذية وتجميع السيارات وغيرها . وبلغ إجمالي الاستثمار المتعاقد عليه 400 مليون دولار (نصفه تم بالفعل). وبحلول ماي 2021 بلغ حجم القيمة الإجمالية 1.6 مليار دولار ، في حين بلغت الضرائب المدفوعة للحكومة المحلية قرابة 139 مليون دولار ، وخلقت أكثر من 17000 وظيفة.
وبحسب الباحثة هي وينبينغ ، فقد دربت الصين أكثر من 1700 موظف تقني وإداري محترف في مجال السكك الحديدية في كينيا، وأنشأت قاعدة لتدريب المواهب وكلية تقنية للسكك الحديدية في كينيا لمساعدة السكان المحليين على تحسين قدراتهم التنموية المستقلة. ودفعت تلك الشراكة بالناتج المحلي الإجمالي فسجل نموا بنسبة 1.5٪ .
وأشارت الباحثة الى ان مشروع السكك الحديدية القياسية بين كينيا ونيروبي ومومباسا وهو المشروع الرئيسي الذي حصلت شركة الطرق والجسور الصينية المملوكة للدولة (CRBC) على حقوق الامتياز ويتضمن عدة مراحل هي : المرحلة الأولى: 485 كم حتى مومباسا - نيروبي
المرحلة الثانية: بطول 440 كم بين نيروبي ومالابا (أوغندا)
وقيمة المرحلة الأولى هي 4 مليارات دولار أمريكي اما المرحلة الثانية فتقدر ب 5-6 مليارات دولار أمريكي.وهي تسهل التواصل بين كينيا وبوروندي وتنزانيا ورواندا وأوغندا ، وكذلك تمتد في المستقبل إلى إثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وتغطي الصين 80٪ من إجمالي التكاليف بمعدل فائدة يقدر بنحو 4.1٪ على قرض تجاري لمدة 15 عاما. وسيقدم بنك Exim الصيني قرض ميسر بقيمة 1.63 مليار دولار أمريكي .
ووفق الباحثة والاستاذة الجامعية فان شركة CHINA RAILWAY Express (Crexpress) أطلقت عشرات السكك الحديدية ثم وصل العدد الى اكثر من 5000 في عام 2017 ، والآن أقامت هذه الشركة أكثر من 1000 قطار في عام 2021.
مصالح متبادلة
بالنسبة للباحثة الصينية فان هناك احتياجات ومصالح متبادلة بين الصين وافريقيا . فالدول الافريقية تحتاج إلى تطوير البنية التحتية للانطلاق الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار. وترى بأن البنية التحتية المتخلفة هي عنق الزجاجة الرئيسي الذي يعيق التنمية الاقتصادية في أفريقيا موضحة ان هناك فجوة تمويلية لا تقل عن 170 مليار دولار سنويا.
اما بالنسبة للصين، فان الشركات الصينية تحتاج إلى "الخروج" وتكييف نفسها في السوق الدولية . وأشارت انه من اهم المزايا التنافسية لصناعة البناء الصينية، هو انخفاض تكلفة العمالة والعمل الجاد والانضباط العالي ضمن "استراتيجية التحول". وتقول :" هناك مثلان صينيان يقولان "يجب بناء الطرق والأرباح سوف تأتي في المتداول..." و "لجذب طائر الفينيق ، قم ببناء العش أولا " .
وبحسب تقرير البنك الدولي فان الصين تساهم بـ 35.2 بالمئة من النمو الاقتصادي العالمي في حين تساهم الولايات المتحدة ب 17.9 بالمئة من النمو العالمي ، وتليها الهند بالمرتبة الثالثة بحوالي 8.6 بالمئة. ورغم كل هذه النجاحات الا ان الأحلام الصينية لا تقف عند حد ، وتتكامل مع آمال كبيرة تحملها الشعوب الافريقية الباحثة عن السلام والازدهار بعد تاريخ طويل من حقب الاستعمار الغربي .

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115