بعد تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية برعاية صينية: مرحلة جديدة من التهدئة والانفراج في الشرق الأوسط؟

منذ الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني التاريخي تصاعدت المؤشرات حول تداعيات وانعكاسات هذا الاتفاق على عديد الملفات

الصعبة في المنطقة . ويرى البعض انه من المبكر الحديث عن نتائج ملموسة سريعة وانه يجب انتظار مدة من الزمن لتبين مدى التزام كل طرف ببنود الاتفاق بكل تفاصيله .

ولعل الملف اليمني وهو ميدان الصراع الأهم بين الطرفين منذ سنوات لذلك فان اية بوادر انفراج واختراق لجدار الأزمة ستكون دليلا عمليا على استكمال حلحلة باقي الأزمات الأصعب . فهل ستطوى صفحة الصراع الإيراني السعودي في اليمن وسوريا ولبنان ؟
الصين لاعب رئيسي
بدا لافتا ان الصين تحولت الى لاعب رئيسي في منطقة الخليج والشرق الأوسط على حساب الدور الأمريكي التقليدي ، والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو كيف ستتعامل واشنطن مع التحولات الجديدة وعلى ماذا ستراهن في الفترة القادمة لاستعادة دورها. وهل سيصبح الدور الصيني بديلا عن الحضور الأمريكي خاصة ان الولايات المتحدة تركت بصمة وتركة ثقيلة من الحروب في العراق وأفغانستان وغيرها ، حين ان الصين كانت تاريخيا صاحبة نفوذ اقتصادي منافس شرس للغرب مع غياب لأي دور سياسي . ولكن رعايتها للوساطة بين طهران والرياض، هي منعطف هام في نظرة الصين للمنطقة . ولعل القمة الصينية الخليجية العربية التي عقدت قبل شهرين في الرياض كانت أولى بوادر هذا التحول في رؤية بكين للشرق الأوسط وفي محاولاتها التغلغل أكثر وتعميق كل قنوات التوصل سواء الدبلوماسية او السياسية إضافة الى التجارية والاقتصادية . علما ان الصين تعد اليوم الشريك الاقتصادي الأول لكل من الرياض وطهران لذلك فمن مصلحتها احداث هذا التقارب وطيّ صفحة الخلاف بينهما من أجل الانطلاق في مرحلة شراكة استراتيجية أهم وأشمل وتقوي نفوذها في مواجهة أمريكا والغرب وأوروبا .
ويرى البعض ان أمريكا هي الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق وهو دلالة على تراجع دورها في دول الخليج . والاهم ان هذا الاتفاق بسحب عديد المراقبين من شانه ان يعطل اية ضغوطات أمريكية لتطبيع العلاقات بين الرياض و إسرائيل .
علاوة على ذلك فان توجه الرياض لتخفيض فاتورة انفاقها العسكري لسنة 2022 يمكن اعتباره مؤشرا على تقليص الانفاق العسكري في اليمن بشكل يتلاءم مع رؤية المملكة 2030 التي اعلن عنها محمد بن سلمان وتركز بالأساس على تصفير المشاكل مع الجيران و زيادة مداخيل النفط وتحويل المملكة الى قوة اقتصادية لديها مكانة عالمية .
ولعل اللافت تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي قال إن اتفاق بلاده مع إيران بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، "لا يعني التوصل إلى حل جميع الخلافات العالقة بين البلدين".وقال وزير خارجية السعودية، إن الاتفاق جاء "برعاية ووساطة الصين، بعد جولات عدة من المباحثات على مدى العامين الماضيين في كل من العراق وسلطنة عمان".
واستدرك قائلا: "وصولنا إلى هذا الاتفاق الذي سيفضي إلى استئناف العلاقات السياسية، لا يعني توصلنا لحل جميع الخلافات العالقة بين بلدينا، وإنما هو دليل على رغبتنا المشتركة بحلها عبر الحوار".
وبشأن زيارة طهران، قال ابن فرحان: "أتطع إلى لقاء وزير خارجية إيران. قريباً بناء على ما تم الاتفاق عليه، وسنعد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا خلال الشهرين المقبلين. ومن الطبيعي مستقبلاً أن نتبادل الزيارات".
وبشأن "التشكيك الأمريكي" في التزام إيران ببند احترام السيادة وعدم التدخل في شؤونها، أضاف: "من أهم مقتضيات فتح صفحة جديدة مع إيران الالتزام بما تم الاتفاق عليه بين الطرفين،وإنه ليحدونا الأمل بأن تشاركنا التطلعات ذاتها، والعمل معا في سبيل تحقيق ذلك".
الصين ورأب الصدع الإيراني السعودي
ويعتبر الكاتب المختص في العلاقات الدولية خيام الزعبي لـ " المغرب "ان إيران تتجه اليوم إلى الإنفتاح على دول الجوار والعرب يتسابقون للتقرب إليها وإنشاء علاقات معها بما فيهم دول الخليج، ويضيف :" ومن هنا تكلل التقارب الإيراني السعودي برعاية من الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهذا التقارب عّبر عن نفسه بشكل عملي من خلال اصدار بيان ثلاثي سعودي إيراني صيني مشترك، يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران".
واضاف :" الاتفاق الذي خلص بعودة العلاقات الإيرانية السعودية يثبت بوضوح أن يد طهران دائماً مبسوطة لمصافحة من يرغب بالسلام، وهي السياسة الخارجية التي تتبناها ايران اتجاه دول الإقليم. ومن هنا شكّل البيان الثلاثي المشترك من قبل الرياض وطهران وبكين منعطفاً في غاية الأهمية لخدمة سلام المنطقة أولاً، وللخليج بشكل خاص، وللسلام في العالم في إطاره الأشمل."
واعتبر ان رعاية الصين لعودة العلاقات السعودية الايرانية انجاز كبير في تخفيف التوترات في الشرق العربي، لذلك تعتبر الصين على وجه التحديد هي المستفيد الأول من هذا التحول العالمي في ظل انخراط روسيا في الأزمة الأوكرانية، حيث تتبنى الصين استراتيجية الصعود السلمي في ترتيب المنافسة في النظام الإقليمي والدولي، وبالتالي الوساطة الصينية بين كل من السعودية وإيران، والنجاح في عودة العلاقات بعد عقود من الحروب بالوكالة هي تأكيد لموقع ومكانة الصين في النظام العالمي الجديد.
مؤشرات انفراج
ومن منطلق لا خصومة دائمة في عالم السياسة فأنه خلال الأشهر القليلة الماضية تصالحت السعودية مع قطر وتركيا وهناك مؤشرات حقيقية ومباحثات لإنهاء الحرب باليمن والتوصل لاتفاق سياسي بين الاطراف اليمنية بدعم سعودي، وإنهاء الأزمة في سورية، وهو ما يؤكد أن لدى السعودية رغبة كبيرة بالتحول لدولة اقتصادية كبرى مستقرة أو ما اطلق عليها ولي العهد السعودي "أوروبا الجديدة" يكون مركزها الرياض، والتحول من دولة تتزعم مذهب ديني منافس في المنطقة لدولة اقتصادية تنافس المراكز الاقتصادية الدولية والعالمية. بحسب ما يؤكد الزعبي.
في السياق نفسه، تعتبر إيران من المستفيدين أيضاً من هذا التقارب في ضوء الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها النظام الإيراني، فعودة العلاقات السعودية الإيرانية ضربة قوية لإسرائيل وحلفاؤها التي تسعى دائماً على مواجهة إيران وبناء تكتل إقليمي دولي في لمحاربة ايران وحلفاؤها في المنطقة.
ويضيف محدثنا :" هذا يعني أن السعودية تسعى إلى إعادة رسم سياساتها الخارجية في المنطقة لا سيما في سوريا والعراق ولبنان، وهي تعلم أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا عبر البوابة الإيرانية، وبالتالي أن ما حصل يعتبر تغيراً جذرياً في السياسة الخارجية السعودية، بعد أن كانت ترفض بشكل مطلق فكرة الحوار مع الجانب الإيراني، لكنها باتت بحاجة إلى ذلك في هذه المرحلة، لا سيما أنها تواجه الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية. "
إن كل هذه المعطيات تشير الى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، فيما يخص المسائل والقضايا الشائكة والمعقدة بين البلدين والمنطقة بأشملها، كما أن الفترة المقبلة ستوضح مدى فاعلية هذه التحركات، وتأثيرها على هذا الإنفراج المرتقب، والتي ستشهد فيها المنطقة إنفراجات متعدّدة في بعض الملفات الاقليمية والدولية.
وقال الزعبي :" أن عودة العلاقات الإيرانية السعودية إلى مسارها الطبيعي، وإعادة بناء العقد التحالفي الإيراني السعودي هو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً في المنطقة وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات، كما سيكون له تأثيراته على التطورات الإقليمية والدولية، كونهما تملكان القدرة على إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الحالية".

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115