تداعيات قانون الهجرة في فرنسا ترحيل شخصيات إسلامية اخوانية إلى تونس والمغرب

قرّرت السلطات الفرنسية ترحيل ثلاثة رموز من حركة الإخوان المسلمين المقيمين في فرنسا

على خلفية تصريحاتهم المعادية لليهود والنساء و"خطبهم المخالفة لمبادئ الجمهورية". وكان جيرالد درمانان وزير الداخلية الذي نجح في تمرير قانون جديد للهجرة في طليعة عمليات طرد التونسي محجوب المحجوبي إمام مسجد التوبة في جنوب البلاد والمغربي حسان إكيوسان إمام جامع بمدينة دونان شمال فرنسا والناشط الإسلامي التونسي أحمد جاب الله.

هذه "الحملة" ضد اللائمة "الأجانب" الذين لا يتمتعون بالجنسية الفرنسية هي امتداد لاستراتيجية فرنسا في البلاد بعد أن قررت الحكومة التخلي عن التعامل مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي أسسه الرئيس نيكولا ساركوزي، كمخاطب وحيد بسبب راديكالية بعض قياداته وتعويضه ب"منتدى الإسلام الفرنسي" بعمود فقري حول مؤسسة الجامع الكبير بباريس وتمثيلية قاعدية لجل دور العبادة الاسلامية في فرنسا. هذه الخطوات تدخل في إطار تحكم الحكومة في حوكمة الشأن الإسلامي مع تنامي الحركات الراديكالية والارهابية .

وثيقة الترحيل
قرر وزير الداخلية شخصيا التوقيع على وثيقة الترحيل والرد على الاستئناف الذي تقدم به محامي المحجوبي بدون جدوى حيث أقرت المحكمة الإدارية ومن بعدها مجلس الدولة وثيقة الترحيل. وذكر قرار المحكمة أن المتهم، الذي اعتبر الراية الفرنسية "راية شيطانية" وأنها "لا معنى لها أمام الله" . وأطلقت وزارة الداخلية وثيقة منع من التواجد على التراب الفرنسي من أجل منعه من الرجوع إلى فرنسا.
أما الإمام المغربي حسان وإكيوسان فقد قرر الفرار إلى بلجيكا على إثر اصدار بطاقة ترحيل في شأنه بعد أن وافقت القنصلية المغربية على ذلك بسبب مواقفه وخطبه المعادية للعاهل المغربي. وقامت السلطات البلجيكية باعتقاله وترحيله إلى المغرب. الإمام حسان من مواليد فرنسا ولم يطلب الجنسية الفرنسية في سن 18 كما يفرضه القانون. ولم ترد السلطات ايجابيا من بعد على طلباته المتكررة للحصول على الجنسية الفرنسية. وهو متهم بنشر محاضرات وخطب تعادي النظام اللائكي وتحط من قيمة المرأة وتعادي السامية. وهو عضو في جمعية مسلمي فرنسا الإخوان ومؤسس حركة الشباب الإسلامي في فرنسا. وله علاقات حميمة مع الرئيس الحالي للتنظيم عمار لسفر.
وتمتد استراتيجية الحكومة في محاربة الراديكالية الإسلامية إلى تطويق المؤسسات التي تبث خطابات لا تتماشى مع القوانين الجمهورية. من ذلك أن قررت الحكومة ابطال العقد مع الدولة الفرنسية في شأن معهد ابن رشد الاسلامي، الذي ثبت أنه ينشر الفكر الإخواني في فرنسا، وإيقاف التمويلات العمومية التي يتمتع بها. وذكرت تقارير استخباراتية أن أجهزة الشرطة ترصد تحركات الأئمة وخطبهم وأن كاميرات مراقبة زرعت في جل المساجد الفرنسية من أجل التحقق في الخطب والتحركات داخلها.
سد الطريق نحو تكوين الأئمة
ترحيل الناشط الإسلامي التونسي أحمد جاب الله يأتي في إطار مختلف. فهو يدخل في عمليات التحكم في تكوين الأمة في فرنسا. أحمد جاب الله الذي هو أحد مؤسسي جمعية مسلمي فرنسا الإخوانية الذي ترأسها في البداية وأحد الوجوه البارزة في حركة النهضة التونسية في فرنسا يشغل منصب عميد المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية وهي مؤسسة خاصة وتعمل على بث الفكر الإخواني في فرنسا وأوروبا. وهو كذلك نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء الذي أسسه الداعية يوسف القرضاوي.
حوكمة الشأن الاسلامي
حملة جيرالد درمانان ضد الإسلام السياسي لن تتوقف حسب ما ورد في بعض التقارير حيث أن الموقف الحكومي يرتكز على إدارة حوكمة الشأن الإسلامي في فرنسا عبر إرساء تنظيمات قادرة على ابراز"الإسلام الفرنسي" و "اسلام الأنوار" الوسطي بعيدا عن الهياكل القديمة. من ذلك أن سبق ورفضت الحكومة تمثيلية المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وبعث "منتدى اسلام فرنسا" كمحاور أساسي مع السلطات وعدم الاعتمادفي المستقبل على الأمة الأجانب الذين تمولهم وتدربهم القنصليات من الجزائر والمغرب وتركيا أساسا وتعويضهم بأئمة متكونين في فرنسا ويديرون الشعائر باللغة الفرنسية.
وقد قامت السلطات الفرنسية بتكوين عدد كبير من الأمنيين والباحثين في اللغة العربية حتى تتمكن من الولوج إلى المسالك الراديكالية ومقاومة التحركات الإرهابية في عمليات استباقية. وهي تعمل على التحكم في خطاب المساجد عبر تكوين أئمة فرنسيين لهم علم بالشأن الديني وبالقوانيين الجمهورية وباللغة الفرنسية التي سوف تكون معتمدة في كل مساجد البلاد. ويأتي هذا التوجه بعد تقييم إخفاقات "الإسلام القنصلي" الذي منح في السابق إدارة المساجد للدول الإسلامية المصدرة للأئمة من أجل التحكم في جالياتها المهاجرة. ويبقى أمام السلطات الفرنسية رهان إدارة تمويل دور العبادة مع الحفاظ على النظام اللائكي الذي يمنع التمويل العمومي المباشر للمساجد.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115