بعد الإعلان عن نتائج الدور الثاني من الانتخابات المحلية: ما الذي تخبرنا به نتائج المشاركة؟

مرّة اخرى أثارت نسبة الإقبال الضعيفة في الدور الثاني

من الانتخابات المحلية جدلا سياسيا بين المؤيدين لمنظومة الحكم ومعارضيها نظرا لما عكسته هذه النسبة من رسائل سياسية ومن تقييم لمسار 25 جويلية حتى وان أدى الجدل الى الابتعاد كليا عما تقدمه لنا نتائج الانتخابات من صورة مجرّدة للمشهد.

مشهد مركّب، لا يمكن الاستناد فيه على معطيات انتخابية ونسب مشاركة وقراءة مفصلة لهذه النسبة لتفكيك المشهد السياسي وتحديد توازناته الراهنة أو المستقبلية، ولكنه يمنح للجميع مؤشرات أولية تساعد على فهم معضلة السياق التونسي التي يمكن اختزالها في تباين انتظارات التونسيين مع ما تقدمه لهم الطبقة السياسية حكما ومعارضة.

إن الرقم الذي أعلنه رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر حول نسبة المشاركة في الدور الثاني من الاستحقاق المحلي، وهو 12.53 % بتسجيل مشاركة 520 ألف و303 ناخبين تقدم المعطيات التفصيلية التي كشفتها الهيئة عن صورة أولية للناخب سمتها الاساسية أن 35 من 60 ذكرا يقيمون خارج المدن الرئيسية الكبرى.

فالمعطيات التي قدمها رئيس الهيئة تكشف عن التوزيع الجندري والعمري للمشاركين كما تكشف عن أن اعلى نسب المشاركة التي سجلت كانت في كل من سيدي بوزيد بنسبة 26 % وزغوان بنسبة 22,2 % والقصرين 21,8 % في حين سجلت أضعف نسب مشاركة في كل من أريانة 4 %، وتونس 5,1 % وبن عروس 6,4 %.

صورة أولية تكشف عن السمات المشتركة لمن شاركوا في الانتخابات ومن عزفوا عن المشاركة عنها، وهم سكان المدن الكبرى حيث يتقلص تأثير الروابط الاجتماعية التقليدية، القبائلية او العشائرية والعائلية ويحل محلها ارتباطات اجتماعية حديثة جعلتها تتعارض في جوهرها مع طبيعة الانتخابات المحلية، سواء دورتها الأولى أو الثانية.

انتخابات لمجلس لم يقع شرح مكانه في منظومة الحكم ولا تأثيره على معاش التونسيين الذين يواجهون اليوم ظروف معاشية صعبة في ظل ندرة وغياب بعض المواد من السوق وارتفاع الأسعار وتوتر المناخ الاقتصادي والاجتماعي عامة، فكان عزوفهم وتجاهلهم للانتخابات هو رد فعلهم.

رد الفعل هذا لا يعنى ان هذه الشريحة من الناخبين غاضبة عن منظومة الحكم او رافضة لها، فقط هي رافضة للانتخابات في شقيها التشريعي والمحلي لاعتبار ان هذه الانتخابات لا رجاء ينتظر منها ولا تاثير لها على عاشهم او ظروف حياتهم، التي يعتبرون الدولة باعتبارها هي السلطة من وجهة نظرهم هي القادرة على التاثير والتغيير. وذلك ما يبرز في الجزء المتعلق بنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية ان انتظمت، وعن اعلان جزء هام منهم عن نيتهم التصويت للرئيس في الانتخابات، وهو ما يشكل مشهد سياسي وانتخابي مركب، تفشل فيه سلطة باعتبارها الراعية لمسار 25 جويلية من اقناع التونسيين بتمشيها السياسي ولكنها تحافظ على ثقة جزء واسع منهم ودعمه.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115