مهرجان المسرح العربي ببغداد: مسرحية "تكنزا قصة تودة" اخراج امين ناسور المجد والخلود لاصحاب الارض دائما

التراث ذاكرة وهوية، الموروث الثقافي الموسيقي والحضاري جزء من الذاكرة الجماعية

للشعوب والتراث مادة دسمة للاشتغال المسرحي الحديث، فالتراث بكل مكوناته يعدّ مرجعا فكريا وفنيا منه يستلهم امين ناسور نصوصه وافكاره وفي "تكنزا قصة تودة" اشتغل ناسور على موروث فرجة الاحواش وقدم العمل بالشراكة مع فرقة فوانيس ليشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرحي العربي ببغداد.

"تكنزا.. قصة تودة" من تأليف إسماعيل الوعرابي وطارق الربح وأمين ناسور، ودراماتورجيا وإخراج أمين ناسور، اضاءة عبد الرزاق ايت بها، وملابس سناء شندال وتمثيل خديجة زروال وعادل الحميدي وأحمد باحدا وهند بلعولة وإسماعيل الواعرابي، وغناء ايمان تيفيور وايوب اسوس والمسرحية تستلهم التراث وتقدمه في فرجة مسرحية معاصرة تدافع عن المراة والارض.

تماهت كل التعبيرات الفنية للدفاع عن فرجة متجددة

تعتبر الخشبة فضاء للتجريب والتجديد، فالمسرح فنّ تمتزج داخله كل التلوينات الابداعية من فنون تشكيلية وموسيقى وسينما جميعها تتماهى لصناعة عرض مسرحي بابعاد فرجوية تقنع الفكر وتحفّز خيال المتلقي، والمسرح هو رحلة في الزمان والمكان وتجربة فنية وانسانية تعرّف بالموروث الثقافي المحلي وتقدمه بأسلوب مسرحي وفرجة معاصرة الى جماهير متعددة وهو ما ينجزه امين ناسور في اعماله المسرحية، ينطلق من الثقافة المحلية ويعمل عليها تجريبا لتصبح فرجة متعددة الابعاد والدلالات.
الاضاءة اول علامات الفرجة في المكان، الاضاءة زرقاء تخفي ملامح الممثلين ، اجساد تلبس "الجلباب" المغربي الابيض الطويل وتخفي كل ملامح الاجساد وتفاصيلها، فقط الحناجر ترتفع بالهتافات والموسيقى الصاخبة حدّ التحرر من كل قيد، في استعمالاته للإضاءة اقتربت سينوغرافيا العمل من اللوحات التشكيلية فتجانس اللون مع حركات الممثلين وتماهت الالوان مع التنوع الموجود في اللباس للجنوب المغربي فالعمل مستوحى من فرجة الاحواش التقليدية لذلك كانت الشخصيات وفية في لباسها الى الجلباب و"الاملاحف" (قميص تلبسه النساء) و"الادوكالن" (خف مزركش بالالوان) والعمامة البيضاء فمن هذه الخصوصية سيبني ناسور فرجته المسرحية .
للاضاءة دورها في التعريف بتيمة العمل سيميائيا، فاللون المكون للصورة البصرية والمشهدية المسرحية سيكون اول الدلالات لقراءة مسرحية "تكنزة، قصة تودة".
يشتعل الضوء تدريجيا لتظهر وجوه الممثلين ويكتشف المتفرج ديكور العمل، ديكور بسيط واكسسوارات اكثر بساطة، منذ اول صورة يرحل المتفرج الى "القصبة" التاريخية، فالقصبة المكان والاثر ستكون فضاء للعب الدرامي وعبرها سيقدم الممثلين جزء من حكايات بلدهم تحديدا المدينة الهادئة ورزازات، فيستحضر المتفرج قصبة تلوات وقصبة ايت بنحدو وقصبة تاوريرت وقصبة أمرديل وجمعها تشكا الهوية الثقافية للمدينة وتعتبر مكون اساسي للتراث المادي لورزازات المدينة والتيمة الجمالية لاشتغالات ناسور المسرحية.
فالتاريخ والتراث جزء من "اهتماماتي المسرحية والفنية، التراث مادة دسمة والتنوع الثقافي للمغرب يغري بالعمل والفرجات التقليدية في بلدي تساعد على الابداع" كما قال ناسور مخرج المسرحية عن عمله.
"تكنزة، قصة تودة" مسرحية تجمع فرجات مختلفة، عمل مسرحي يدافع عن الموروث الثقافي للجنوب الشرقي للمملكة المغربية تحديدا ورزازات، من موروثها الموسيقي واساطيرها يبني امين ناسور فرجته المسرحية المعاصرة، يدافع عن التعددية الثقافية لبلده بالمسرح، ففي العمل ومن خلال الديكور والموسيقى والكوستيم يحضر البعد الثقافي العربي والافريقي والامازيغي والموريسكي في الحركة والمنطوق كما تعتبر "فرجة الاحواش" التقليدية منهل للانطلاق في مشهدية مسرحية تدافع عن النساء ودورهنّ في التغيير.

الموسيقى صوت الحرية والذاكرة

اعتمد المخرج في عمله على الموسيقى الحية التي تعزف مباشرة على الركح، جعل من الموسيقيين شخصيات مسرحية لها دورها في سيرورة الحدث الدرامي، في العمل حضرت فرقة فوانيس لتساهم في صناعة الحدث المسرحي من خلال موسيقاها التقليدية، الطار سيد الايقاعات سيتحول الى اكسسوار يوظفه الممثلين في تغيير الشخصية والحدث، الة القمبري بموسيقاها الساحرة ستحمل المتلقي الى عوالم موسيقية يمتزج فيها الامازيغي بالافريقي ليقدموا مشهدية ايقاعية جد مميزة، في العرض تكون الموسيقى مطية للسفر الى تعددية ثقافية تميز جنوب المغرب عن شمالها، فالموسيقى رحلة اتقن العازفين والمغنية نحت عوالمها.

الموسيقى محمل للفرجة وكذلك للنقد، الموسيقى ستكون وسيلة ليتعرف الجمهور على "تودة" الفتاة المحبة للموسيقى تلك العاشقة لصوت امها والحالمة باتمام دراستها والخروج من ضيق القرية الى رحابة المدينة، بالموسيقى سيتغيير المكان ومعه تختلف الانفعالات النفسية والجسدية للشخصيات، الموسيقى مصدح للتحرر وسلاح لكتابة الاحلام وتحقيقها.
من فرجة الاحواش تنطلق الموسيقى التقليدية التي سيطوعها مخرج العمل لخدمة شخصياته ونصه المسرحي ومع ايقاعات الطار والقمبري ثم القيثارة سيواكب الجمهور حكاية "تودة" القروية الرافضة لثقافة القرية وعاداتها والراغبة في اتمام دراستها الجامعية، مع الموسيقى سيتعرّف جمهور المسرحية على الاختلاف بين القرية والمدينة وبالموسيقى سيدقّ قلب تودة للحب وسيكون "الغالي" محرار للفحب ولاكتشاف متجدد لقيم الجمال من لدن تودة.
فالعمل يلخص احلام فتاة قروية تدعى تودة تعيش صراعا لاثبات الذات، تريد التحرر من عادات اهل القرية والدراسة بعيدا، تتجاوز احلامها حدود قريتها، تتحدى الاب ورجعية الاخ لتصنع عالمها الجميل، في المدينة ستزهر تودة، ستتعرف على ثقافات مختلفة، ستكتشف قصص ونضالات الطلبة في الجامعة، ستنصت لشعارات الثورة والحرية والوطنية، في الجامعة ستعيد اكتشاف ذاتها ووطنها ايضا.
"تودة" فتاة، امراة قوية بافكارها وتوقها للحرية، تودة هي التنوع والاختلاف، الفكرة والارض والدفاع الصادق عن المبادئ وقيم الحب والامل، تودة نوتة موسيقية عاشقة وملامح ثورات متواصلة وعلاقة حبّ مميزة " جد نفسك اولا وستجدني دائما الى جانبك"، هي فكرة ثائرة يكتبها امين ناسور على الركح وتبدع في تقديمها خديجة زروال.
"تكنزا، قصة تودة" مسرحية تستلهم من التراث الثقافي دلالتها وابعادها الفرجوية والمسرحية، عمل يغوص في التاريخ ويعرّف بخصوصيات جهة ورزازات الثقافية والحضارية، قصة للعشق بطلتها "تودة" المقاومة، فتودة انثى امازيغية ثائرة ستكون انموذج للحب والمقاومة، والمسرحية ايضا دفاع عن ثقافة الاختلاف، فرغم بهرج المدينة تختار تودة العودة الى جذورها، تعود الى قريتها محمّلة بافكار الحرية، تعود الى ارضها فمن الدائرة الضيقة تبنى الشعارات الكبرى وتشيبّد ابراج الحرية " المجد والخلود لاصحاب الارض" دائما ومن الهوية يمكن للانسان بناء نجاحاته تماما كما يعمل المسرحي امين ناسور في اغلب اعماله، من " نايضة تو" الى "شاطار" يحيي تراثه ويقدمه على المسرح في سياق تجريبي وتحديثي لان التراث له بعد وجودي وهو جزء من الهوية التي يدافع عنها ناسور بالمسرح.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115