تفعيل توسيع مجموعة "بريكس"، أول حدث دولي في العام 2024 10 دول في خدمة "الجنوب الشامل"

دخل توسيع مجموعة "بريكس" في غرة جانفي

حيز التنفيذ باستقبال 5 دول جديدة منها 4 من الشرق الوسط وهي إيران والسعودية ومصر والإمارات ومن إفريقيا دولة إثيوبيا. أما الأرجنتين التي تم قبولها خلال مؤتمر المجموعة في قمة شهر أوت 2023 بمدينة جوهانسبورغ (افريقيا الجنوبية) فقد قرر رئيسها الجديد خافيير ميلاي التراجع عن انضمام بلده لها.

وكانت 40 دولة قد عبرت عن رغبتها في الانضمام إلى "بريكس"، وتقدمت لمؤتمر جوهانسبورغ20 فقطبطلب رسميمن بينها نيجيريا وأندونيسيا والجزائر التي لم تتمتع بالعضوية.وحسب مجلة "لو غرون كونتينون" تمثل مجموعة "بريكس +" الجديدة 36% من الناتج الدولي الخام و46% من سكان العالم في حين لم يكن ناتجها يفوق 8% عام 2001 عند تشكيل المجموعة الأولى.
وأخذ مجمع "بريكس" موقعا دوليا ملحوظا مثل مجموعة العشرين ومجموعة الدول المصنعة السبع. وأمام تدهور مجموعة 7 التي كانت تتمتع ب 75% من الناتج الدولي الخام في أواخر تسعينيات القرن الماضي، تمكنت الدول الصاعدة من تعزيز موقعها دوليا لتعادل تقريبا اليوم قدرات الدول المصنعة "الغربية". وبفضل تطورها التكنولوجي والصناعي والعلمي والمالي عززت مجموعة "بريكس" مصداقيتها في العالم تجاه البلدان النامية لفرض توجه بديل للهيمنة الغربية على الأسواق العالمية خاص أنها تضم بلدين فاقا مليار و400مليون نسمة لكل منهما من حيث عدد السكان. وهي اليوم بانضمام مصر وإيران وإثيوبيا تشكل سوقا واسعة للتبادل.
مبادئ توسيع المجموعة
وبعد الاتفاق على المبادئ الأساسية والنظم والمعايير وإجراءات التوسع أصبح من السهل توسيع رقعة "بريكس" من 5 إلى 10 دول مشاركة. الأساس بالنسبة للبلدان الأعضاء أن تتماشى البلدان الجديدة مع مبادئواستراتيجية "بريكس" في العمل على تنمية الدول النامية وتشجيع التعاون جنوب-جنوب الضامن للخروج من الهيمنة الغربية. وعملت "بريكس" على التحقق من أن الدول الجديدة تندرج في إطار منافسة مجموعة الدول المصنعة السبع وفتح صفحة جديدة في التعاون المشترك فيما بينها.
ويأتي في طليعة اهتمامات الدول الأعضاء تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدان الأعضاء والشروع في سياسة "الانسلاخ من الدولار" مع تقديم بديل اقتصادي دولي مقنع. لذلك حرصت الدول الخمسة على "اختيار" بلدان لها وزن ديمغرافي واقتصادي يمكنها من تقوية المجموعة وتوسيع رقعة نفوذها الدبلوماسي والجغرافي. وهي المعايير التي رفضها الرئيس الأرجنتينيالجديد خافيير ميلاي الذي ركز في حملته الانتخابية على التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودفع اقتصاد بلاده إلى استخدام الدولار الأمريكي كعملة أساسية في التبادل. لكن بالرغم من قراره أعلن الرئيس الأرجنتيني على رغبته في مواصلة التعاون مع دول "بريكس" علما بأن بلاده لها ديون لدى صندوق النقد الدولي ارتفعت إلى 44 مليار دولار وأنها تمتعت عام 2022 بقرض بمقدار 8 مليار دولار من قبل بيكين.
مجموعة "بريكس" و"الجنوب الشامل"
أهم الأهداف الإستراتيجية لمجموعة "بريكس" يتمثل في خلق فضاء تجاري للتبادل داخل ما يمسى "الجنوب الشامل" أي البلدان غير الغربية التي كانت تسمى في الماضي "بلدان العالم الثالث" والتي أصبحت تنتقد الهيمنة الغربية في إطار نظام العولمة التجارية والمالية. سياسة "عدم الانحياز" التي أكدت عليها قمة جوهانسبورغ في أوت 2023 تمكن الدول الأعضاء من الصمود بالرغم من الفرق في الحجم الديمغرافي والاقتصادي والقدرات المالية فيما بينها وتفتح بابا لإيجاد أبجديات جديدة اقتصادية ودبلوماسية تمكنها من تنمية اقتصاداتها بعيدا عن الهيمنة الليبرالية السائدة التي تفرضها الدول المصنعة الكبرى.
وتمر هذه الإستراتيجية حتما بدخول "الجنوب الشامل" في عملية تحرر من الدولار الأمريكي ومن المؤسسات المالية التابعة له مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذان يخضعان للقرار الأمريكي ويفرضان على البلدان الضعيفة والنامية شروطا مجحفة تخدم في آخر المطاف النظام لرأسمالي العالمي التي تقوده واشنطن معية البلدان المصنعة. ويخدم توسيع "بريكس" قدرات المجموعة على زعزعة الهيمنة الغربية على النظام العالمي المضطرب خاصة أن "بريكس" تضم الصين وإيران وروسيا التي تخضع لعقوبات أمريكية وأوروبية. وتتمتع المجموعة بفضاء مفتوح في إطار طرق الحرير الجديدة التي تنشرها الصين في آسيا وأوروبا وافريقيا لدعم اقتصادها واحتواء القدرات الذاتية لدول "الجنوب الشامل" التي تزخر بالثروات الجوفية والمعادن التي تدخل في تطوير القدرات الصناعية والتكنولوجية للمستقبل.
ويعتبر انضمام الدول النفطية (السعودية والإمارات وإيران) رافدا هاما يضاف إلى دور قناة السويس التي تحتكر تنقل 60% من البضائع على المستوى الدولي مع فتح باب اتساع الشبكة نحو افريقيا عبر إثيوبيا. لكن هذا لا يخفي تحفظ الهند، التي تدخل في منافسة مع الصين، على خدمة المشروع الصيني. وهو ما أوجب اعتماد معايير موحدة للمجموعة ودخول بلدان جديدة متنوعة مع غياب اعتماد الرأي الواحد ومنح أي فيتو لأي دولة في قرارات "بريكس"، بل العمل المشترك في إطار توافقي في صالح المجموعة.
ذراع مالي ضروري
ظروف نجاح هذا المشروع ترتكز على تطوير بنك التنمية الجديد لمجموعة "بريكس" الذي تم تأسيسه بين البلدان الأعضاء عام 2014 ومقره مدينة شانغهاي الصينية. وهو بنك يلعب دور البديل لصندوق النقد الدولي لدي دول الجنوب. حسب ديلما روساف، رئيسة البرازيل سابقا، والتي ترأس البنك منذ ربيع 2023، "النظام كان يعمل بقطب واحد، سوف يعوض في المستقبل بنظام متعدد الأقطاب" وهو مصير العلاقات الدولية القادم. وسوف يهتم بنك التنمية الجديد بتمويل العلاقات جنوب-جنوب باحترام كل دولة وبدون استخدام نفس آليات وشروط صندوق النقد الدولي. ويضاف هذا البنك للبنك الآسيويللاستثمار في البنية التحتية من أجل تقليل اللجوء إلى الدولار الأمريكي.
وأعلنت ديلما روساف أن البنك يتجه نحو "الانسلاخ من الدولار وإرساء نظام مالي دولي متنوع" وذلك باللجوء إلى توسيع رقعة المشاركة في البنك. وقد لحق إلى حد الآن بالأعضاء المؤسسين الخمسة كل من بنغلاديش ومصر،والإمارات،وزمبابوي، والسعودية. أما عضوية الأوروغواي فهي في طور نهاية تنظيمها. وقرر البنك مؤخرا اللجوء إلى الاقتراض بالعملات المحليةبنسبة 30% في موفى 2026، بدلا عن الدولارالذي يبقى العملة الأساسية في المعاملات إلى حين يتطور نظام التبادل بالعملات المحلية وعلى رأسها العملة الصينية التي تستعملها الآن روسيا ومصر والسعودية والإمارات وإيران في مبادلاتها مع الصين. وأضافت ديلما روساف أنه"في المستقبل احتمال أن تهيمن عملة واحدة على النظام المالي الدولي ليس واردا. سوف نشهد عملات محلية متزايدة تستخدم في عمليات التبادل". بذلك يساهم بنك التنمية الجديد في الإستراتيجية السياسية الرامية إلى الانسلاخ التدريجي من الدولار من أجل تقليص الدور المركزي للدول الغربية في نحت النظام العالمي الجديد الذي يريده "الجنوب الشامل" متعدد الأقطاب.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115