النيجر تنسحب من المنظمة الدولية للفرنكوفونية هل انسحاب فرنسا العسكري والدبلوماسي من النيجر هو بداية نهاية نفوذها في القارة؟

إن انسحاب آخر جندي فرنسي من النيجر يوم 22 ديسمبر

بطلب من سلطات النيجر العسكرية،بموافقة باريس بعد أشهر من النزاع الكلامي والمماطلة، يشكل بداية مرحلة أفول نجم فرنسا في إفريقيا. وهو ما أكده قرار الرئيس إيمانويل ماكرون غلق سفارة بلاده بنيامي إلى موعد غير محدد، في خطوة غير مسبوقة في علاقات فرنسا بالقارة الإفريقية. ويكون النفوذ الفرنسي الذي يتمحور حول الوجود العسكري والدبلوماسي واللغوي قد بدأ يخسر ما كان له من قوة على مر السنين منذ بداية عهد الاستقلال.

ويترتب عن انسحاب الجنود وغلق السفارة في النيجرغلق القنصلية والمدارس الفرنسية. وهو ما يجعل الفرنسيين المقيمين في حالة حرجة يستحيل فيها تسجيل الولادات الجديدة واستخراج الوثائق الرسمية الفرنسية مثل بطاقات التعريف وجوازات السفر. جاء في تقرير ميداني لقناة "فرانس أنفو" أن بعض الفرنسيين المقيمين في النيجر وذوي الجنسيتين والذين يتمسكون بمواصلة إقامتهم فيها تذمروا من هذا القرار ويعتبرون أن القطيعة سياسية وليس لها أساس أمني حسب ما صرحت به السلطات الفرنسية. وعبر البعض عن شعورهمبأنهم "متروكون لحالهم" من قبل الرئيس ماكرون. لكن تأثير القرار الفرنسي يتعدى مشاعر الأشخاص، على أهميتهم، ليظهر عدم قدرة قصر الإليزيه على بلورة استراتيجية واضحة تجاه المستعمرات القديمة في افريقيا.
سلسلة من الانسحابات العسكرية
وسبق الانسحاب من النيجر انسحابات أخرى. أولها ترحيل القوات الفرنسية المرابطة في مالي عام 2022 بانتهاء برنامج "برخان" وسحب 2400 جندي تم نقلهم إلى تشاد والنيجر في عهد الرئيس محمد بازوم المخلوع في جويلية 2023. بعد شهر فقط، أي في ديسمبر من نفس السنة سحبت باريس ما تبقى لها من جنود وعددهم 47 من دولة افريقيا الوسطى. وكانت فرنسا قد نشرت 1600 جندي في البلاد عام 2013 في عملية "سنغاريس" بموافقة أممية للتصدي لعمليات العنف بين المجموعات السكنية. وانتهت العملية عام 2016. ولم يبق في افريقيا الوسطى سوى 130 عسكريا تم ترحيلهم تدريجيا. أما في بوركينا فاسو فقد سحبت باريس آخر جنودها وعددهم 400 من القوى الخاصة في فيفري 2023.
وهكذا تخرج فرنسا عسكريا من ثلاث بلدان في الساحل الإفريقي كانت تشكل محور القتال ضد الحركات الإرهابية الإسلامية.ولم يبق لها سوى قاعدة في تشاد بعد أن دعمت انقلاب محمد إدريس دبي بعد مقتل أبيه في عملية عسكرية غامضة. ولم تستبدل فرنسا وجودها العسكري في منطقة الساحل الإفريقي بقوة دبلوماسية ملموسة مع أنها أخفقت في القضاء على الجماعات والتنظيمات الجهادية في المنطقة. ولا تتمتع باريس بحضور سوى في جيبوتي اين لها قاعد عسكرية تضم 1500 جندي، وفي ساحل العاج (900 جندي) وفي السنيغال (400 جندي) وفي الغابون (400 جندي).
كل هذه الانسحابات العسكرية جاءت على خلفية انقلابات عسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر لم تقبل بها باريس. أما على عين المكان فقد اعتمدت القيادات العسكرية الجديدة، التي يدعمها الشارع، خطابا جديدا يركز على ضرورة "استعادة السيادة الوطنية"والاعتماد على "قوى صديقة" غير استعمارية. وهي شعارات لاقت مساندة شعبية واسعة أخفت مسألة التحول الديمقراطي التي تطالب بها القوى الاستعمارية القديمة ومنظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا التي ترفض اللجوء إلى الجيش لتغيير النظم وتوخي التقاليد الديمقراطية لإدارة الشأن العام.

الفرنكوفونية
رحيل القوى العسكرية الفرنسية من النيجر صاحبه قرار النيجر المعلن يوم 24 ديسمبر الجاري الانسحاب من المنظمة الدولية للفرنكوفونية كردة فعل عن قرار أخذته المنظمة بتعليق عضويته يوم 19 ديسمبر.وأوضح المجلس العسكري، الذي يدير البلاد بعد انقلاب جويلية 2023،أن "الفرنكوفونية لم تعد أداة مصالحة لكن وسيلة تستعملها فرنسا للدفاع عن مصالحها و تقديم بيادقها في افريقيا" مضيفة أن "سلطات التحول تنادي بنزع الاستعمار عن الأذهان وبدعم اللغات الوطنية وذلك اعتمادا على طموحات مؤسسي"البان أفريكانيزم" للوحدة الإفريقية.
وأعلن العقيد الرائد عبد الرحمان امادو دجيبو أن "منظمة التعاون الثقافي والتقني تأسست في نيامي عام 1970 وذلك بفكرة ورغبة من النيجيري حماني ديوري والسنيغالي ليو بولد سيدار سنغور والتونسي الحبيب بورقيبة والأمير نورو دومسيهنوك من الكمبودج".ولوحظ في الأشهر الأخير انتشار الشعور بعدم الرضى عن سياسات فرنسا في افريقيا من دول أخرى. و قدقررت الجزائر مؤخرا التخلي عن تدريس اللغة الفرنسية في مستوى التعليمالابتدائيفي اشارة إلى سياسة جديدة تتمثل في التنصل التدريجي من لغة وثقافة المستعمر في إطار إعادة صياغة علاقات البلاد مع البلدان الأجنبية. من ناحية أخرى لوحظت خلافات وتباعد مع المغرب من جهة وجفاء بين تونس وفرنسا من جهة أخرى لم ترتق إلى مستوى مقاطعة اللغة الفرنسيةوكأن الدبلوماسية الفرنسية لم تعد قادرة على فهم الواقع الإفريقي وبلورةاستراتيجيةتقبل من قبل الأفارقة.
منافسة دولية حول الساحل الإفريقي
ومن المتأكد أنالقارة الإفريقية برمتها أصبحت مرتعا للمنافسة الدولية من أجل كسب مخزونها من النفط والغاز واليورانيوم والأتربة النادرة وغيرها من المواد المعدنية. وهي ملفات تضاف إلى مقاومة الحركات الجهادية في الساحل وتتداخل في بعض الأحيان. في هذا الملف تزامن انسحاب فرنسا من الساحل الإفريقي مع تواجد مجموعة "فاغنار" الروسية في مالي وجمهورية افريقيا الوسطى التي تقدم خدمات أمنية بمقابل. المنظمة الروسية تخضع لنفوذ الكرملين وهي ذراع من أذرعته لبسط نفوذه في افريقيا وغيرها من
في هذه المنافسة يبدو أن باريس خسرت مواقع كانت تلعب فيها بمفردها وهي تواجه تحركات سريعة من قبل موسكو نحو استبدال النفوذ الفرنسي مقابل التمتع بامتيازات في استغلال الموارد الإفريقية.أما القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية والصين فكل منهما تعزف نغمتها الخاصة. الأمريكيون متواجدون عسكريا في افريقيا، وفي النيجر بالخصوص، اين يتمتعون بقاعدة عسكرية لمراقبة الساحل الإفريقي عبر الدرون العسكري وفي مناطق أخرى في القرن الإفريقي والبلدان الناطقة بالإنقليزية. وهم يعملون اساسا في إطار استراتيجية معاكسة النفوذ الصيني. أما الصين الشعبية فهي تعمل في الخفاء دبلوماسيا لبسط شبكة من المصالح مع البلدان الإفريقية التي سئمت من السياسات الغربية. وأصبحت بيكين في أقل من عقدين المزود الأول للأسلحةو الممول الأساسي لإفريقيا بعيدا عن أوروبا والولايات المتحدة. وهي التي تمكنت من شراء أراضي واسعة ومناجم للبوكسيت مكنتها من تصدر انتاج المواد الغذائية لصالح غذاء الشعب الصيني وكذلك مادة الألومينيوم التي تدخل في صناعة العتاد العسكري والمدني. منافسة شرسة على القارة الإفريقية من قبل الدول العظمى يبدو أن باريس لم تعد قادرة على الدخول فيها لما لها من قدرات حالية.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115