مبادرة تشريعية تقترح تنقيحِ مرسوم الجمعيات اعتبرت «الأخطر».. جدل حول فصولها قبل الانطلاق في مناقشتها

يبلغ عدد الجمعيات اليوم في تونس حوالى 25 ألف جمعية

منها التنموية ، والرياضية، والاجتماعية، والنسوية والسياسية ..، وأثير موضوع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بالجمعيات ، لكن بعد 25 جويلية 2021 ، وخاصة اثر تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد في فيفري 2022 حول سن قانون يمنع تمويل الجمعيات الغير حكومية من الخارج، معتبرا تلك «الجمعيات امتدادا لقوى خارجية».

وقوله في نوفمبر 2023 د خلال لقائه أحمد الحشاني، رئيس الحكومة وليلى جفّال وزيرة العدل وسهام البوغديري نمصية، وزيرة المالية « هناك جمعيات تتلقى تمويلا من الخارج هي امتداد لدوائر استخباراتية بالحجة والبرهان، ويجب وضع حد لها» وأشار رئيس الدولة إلى ضرورة التثبت في مصادر الأموال التي تأتي من الخارج وتضخ لتلك الجمعيات. أعاد الموضوع إلى الواجهة من جديد.

مؤخرا تلقى مكتب لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب مبادرة تشريعية لتنقيح القانون المُتعلّق بتنظيم الجمعيات، ومع ان هذه المبادرة لم تناقش بعد إلا ان مكونات من المجتمع المدني والجمعيات اعتبرت هذه المبادرة في صيغته المقترحة تهدفُ إلى نسف ما تبقى من الأجسام الوسيطة قصد غلق قوس الديمقراطيّة بصفة نهائيّة، بعد أن تمّ ضرب العديد من مكاسب التجربة الديمقراطية.

في تصريح لـ«المغرب» أفاد عماد أولاد جبريل عضو لجنة الحقوق والحريات ان المقترح هو مبادرة تشريعية قدمت من النواب وهي الآن في مكتب اللجنة ولم تنطلق في مناقشتها بعد ولم يحدد وقت إلى حين انعقاد مكتب اللجنة وذلك سيكون بعد الانتهاء من مناقشة قانون المالية وميزانية الدولة أي بعد 10 ديسمبر الجاري، وأضاف أنه يجب التروي أولا ، مؤكدا مراجعة هذه المبادرة ومناقشتها ، وان اللجنة ستستمع إلى مكونات المجتمع المدني في هذا الخصوص .

من بين الجمعيات التي انتقدت هذه المبادرة التشريعية في ورقة تحليلية نشرتها على صفحتها الرسمية هي منظمة «البوصلة» وذكرت بأن عدد الجمعيات ارتفع من 9600 جمعية سنة 2011 إلى 24.922 سنة 2023. حيثُ يُترجم هذا الارتفاع الهام إرادة المواطنين والمواطنات في المشاركة الفعليّة والفعّالة في اتخاذ القرارات والمُساهمة في مختلف المجالات التنموية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية. إلّا أن هذا النص قد عرف مُحاولاتٍ عدّة لتنقيحه من قبل السلطة التنفيذيّة لكن تبقى محاولة التنقيح الأخيرة هي الأخطر على الإطلاق.

وتتمثّل الخطورة الأولى الواردة بنصّ المُقترح، وفق منظمة «البوصلة» في محاولات ضرب مبدأ استقلالية الجمعيات عبر حذف عبارة “والحفاظ على استقلاليّتها” الواردة بالفصل الأوّل من المرسوم 88 الذي يضبط أهدافه ومجال ضماناته. وقد تمّت ترجمة هذه النّزعة التسلطية الرامية إلى الخنق والتضييق المُحكم على العمل الجمعيّاتي في العديد من الفصول اللاحقة في مقترح القانون.

مذكرة بأن عدد المنتفعين بعقود الخدمة المدنية والتطوعية لدى الجمعيات بلغ 168600 بين 2011 و2019 حسب الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل11 ليتبين لنا قدرة الجمعيات على استيعاب اليد العاملة والتخفيف من حدّة البطالة.

كما تمثل عقود الخدمة المدنية لدى الجمعيات إحدى الآليات التي تعتمدها الدولة في سياستها المحفّزة للتشغيل (البرامج النشيطة للتشغيل) وهو ما يبرز جهل أصحاب هذا المقترح بالسياسات العمومية للدولة ويجعلنا نشك في مدى جديته. فكيف لمقترح قانون ينظم نشاط الجمعيات أن ينصّ (في فصله الثاني) على أن العمل فيها تطوعي في الوقت الذي تنظّم فيه الدولة آلية تشغيل لدى الجمعيات؟

وترى «البوصلة» ان مقترح هذا القانون هي إحدى المُحاولات الأخرى والمُتعدّدة للتّضيّيق على الجمعيات وضرب حريّة نشاطها في التخفيّ بتعلّة الإرهاب باعتبارها جريمة بالغة الخطورة ولها تشعبات مُعقّدة ومُركّبة، واستعمال ذلك كحجّة للضّغط والتّضييق على الجمعيات من خلال التنصيص صلب الفصل 24 من مقترح القانون على صلاحية رئاسة الحكومة في حلّ الجمعيات ذات الخلفية أو الشبهة الإرهابية بصفة آلية. وهنا نرى سطوة السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة القضائية واستعمال مجرد الشبهة كشرط لحل الجمعية. وان ذلك بمثابة أداة للتهديد والضغط على الجمعيات التي ستحاول ممارسة دورها الرقابي بكل حرية لتصحيح أو نقد بعض السياسات الحكومية.

ومن بين النقاط حسب ورقة البوصلة أن مقترح القانون حاول إضفاء قناع زائف عبر إحداثه صلاحيةً جديدةً للجمعيات ، وتتمثّل في صلاحيّة استصدار العرائض الشعبية والطلبات التشريعية: وهو إجراء جديد جاء به مقترح هذا القانون، إلا أنه وجب ملاحظة الشّرط التعجيزي في إصدار الطلبات التشريعية التي تستوجب جمع نصف مليون توقيع مواطن أو توقيع ألفي جمعية (2000). وهنا تطرح تساؤلا عن إمكانية بقاء هذا العدد من الجمعيات في تونس في ظلّ وجود أحكام تضييقية على نشاطها. 

إنّ الهدف من مقترح هذا القانون إذن هو الرغبة الجانحة في استهداف الجمعيات وضرب لأحد الأعمدة المهمة في الرقابة والمساءلة لأعمال السلطات العمومية ولا وُجود لأيّ نيّة صادقة تهدف لحماية السيادة الوطنيّة واستقلاليّة القرار الوطني مثلما ادّعت وثيقة شرح الأسباب المُرافقة لنصّ مقترح القانون، خاصة وأنّ نفس مُموّلي الجمعيات في تونس هم مُمولون وشركاء للهياكل والمؤسسات العموميّة التابعة للدولة بهدف انجاز المشاريع في إطار التعاون الدولي.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115