بعد أزمة الغواصات مع أستراليا وتشكيل حلف «أوكوس»: أي إستراتيجية لفرنسا وأي موقع لأوروبا في الحسابات الأمريكية

لا تزال أزمة الغواصات بين فرنسا واستراليا وما تبعها من تأسيس حلف أمريكي بريطاني استرالي جديد تحت اسم «اوكوس»، تثير انعكاسات عديدة

من شأنها أن تطبع الإستراتيجية الفرنسية وربما الأوروبية برمتها خلال الفترة القادمة . ولئن صرح مسؤول بقصر الإليزيه أن السفير الفرنسي لدى أستراليا سوف يعود إلى كانبيرا في موعد لم يتم تحديده بعد، إلا أن الآثار المترتبة عن هذه الأزمة أو «الطعنة في الظهر» -بحسب وصف الساسة الفرنسيين- تطرح أكثر من تساؤل حول مصير الحلف الأطلسي وعما إذا كانت أمريكا تبحث عن بديل لاستراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد استدعى السفير جان بيير ثيبولت قبل حوالي أسبوعين ، كرد على استبعاد باريس من تحالف دفاعي تم تشكيله سرا بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة.وأكد مسؤول فرنسي بأن بلاده ستسعى إلى إقامة شراكات جديدة مع دول أخرى في المحيط الهادئ،مشيرا إلى الهند وتايلاند وإندونيسيا وفيتنام وسنغافورة.
شراكة استراتيجية جديدة
جاء الإعلان عن توقيع فرنسا لاتفاقية لبيع اليونان ثلاث فرقاطات في إطار «شراكة استراتيجية» بين باريس وأثينا في المتوسط ، لإعطاء دفع جديد للرئيس إيمانويل ماكرون الذي يبحث عن تسجيل نقاط إضافية بعد الضربة الأخيرة التي تلقتها بلاده مؤخرا . وقال ماكرون بعد لقائه مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في قصر الإليزيه إن اليونان ستشتري الفرقاطات الثلاث من فرنسا، في إطار «شراكة استراتيجية» أكثر عمقا بين البلدين للدفاع عن مصالحهما المشتركة في البحر المتوسط. ويمثّل هذا الاتفاق «خطوة أولى جريئة نحو استقلالية استراتيجية أوروبية» . وقد اعتبر عديد المراقبين بان هذه الصفقة رسالة من باريس الى حلفائها قبل خصومها ، خاصة بعد خسارتها الكبيرة لعقد ضخم بمليارات اليورو مع استراليا. وقد أكّد ماكرون في هذا السياق إنّ الاتفاق «يسهم في الأمن الأوروبي وتعزيز الاستقلالية الإستراتيجية لأوروبا وسيادتها، وبالتالي في السلم والأمن الدوليين».
انطلاق الحرب الباردة؟
رامي خليفة علي الباحث في العلاقات الدولية أكد في حديثه لـ«المغرب»: بأن الأزمة الحالية بين فرنسا وكل من الولايات المتحدة واستراليا إنّما هي أثر من آثار انطلاق الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وبالتالي سيتأثر كثيرون بهذه الحرب سواء في القارة العجوز أو في مناطق أخرى في العالم كما هو الحال عندما كانت هناك حرب باردة بين المعسكرين الشرقي والغربي». ويضيف :«طبعا نقطة الالتقاء كانت التحالف الأمريكي الأسترالي البريطاني لكننا لا نعلم الى أي مدى سوف يصل هذا التوتر بين بكين وواشنطن وهذا الصدام الذي من المتوقع ان يستمر لفترة طويلة». واستطرد بالقول :«ان الصدام المباشر أمر مستبعد لأن آثاره سوف تكون كارثية. لذلك باعتقادي فان ما يحدث الآن ما بين فرنسا وبعض الدول هو لترتيب الأولويات اذا جاز التعبير والأمر يتجاوز البعد السياسي والاقتصادي الى البعد الاستراتيجي. وربما اوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص بحاجة الى تحديد موقعها وموقفها من هذه الحرب الباردة».
مستقبل الحلف الأطلسي
أما عن مصير الحلف الأطلسي ومستقبله يجيب محدثنا: «ان حلف شمال الأطلسي يعاني من صعوبات لأن ساحة الصراع ليس اوروبا كما كان الحال في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، فساحة الصراع الموجودة حاليا هي في جنوب شرق آسيا. أما كيف سيكون موقع الحلف وهل سيكون أداة بيد الولايات المتحدة الأمريكية وهل سيتوسع لكي يشمل مناطق في آسيا ودول آسيوية وربما استراليا فهذا الأمر بحاجة الى الوقت . لكن الولايات المتحدة بدأت على الأقل بنسج تحالفات خارج اطار الحلف وهذا يهمش دوره الى حد بعيد».
ويتابع بالقول : «في اعتقادي ان الحلف مرتبط بمكانة العلاقة بين اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية . وهذا ما سيظهر خلال الفترة القادمة، أي كيف تنظر الولايات المتحدة الى القارة العجوز ودورها في اطار التحالفات القادمة».
وأكد محدثنا بان هناك خلافات داخل الحلف الأطلسي، وهذا التحالف الجديد لن يزيد الفرقة أكثر مما هي عليه لأنه كانت هناك خلافات بين تركيا وبعض أعضاء الحلف خلال العام الماضي . ويضيف الباحث في العلاقات الدولية العلي بالقول: «ولكنني اعتقد انه في نهاية المطاف من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ان تعمد الى جمع كافة الأطراف لكي تقف صدا منيعا أمام زيادة الهيمنة الصينية . وباعتقادي ان الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة القادمة سوف تعمد الى محاولة حل الأزمة مع فرنسا واعادة الروح لحلف شمال الأطلسي ولكن هناك تراجع على مستوى استراتيجية حلف شمال الاطلسي» .
ويضيف محدثنا :«من المبكر القول ان أوروبا اصبحت خارج حسابات الولايات المتحدة لأنها تدرك بأن هناك خصمان هما الصين والدب الروسي . كل ذلك يطرح الكثير من التساؤلات حول اوروبا وموقعها. فخلال الأعوام القليلة الماضية كانت اوروبا متبرمة من ان يكون هناك حرب باردة جديدة لذلك عمدت الى نحت شراكة تجارية مع الصين رغم وجود الكثير من العقبات . ومن ناحية أخرى فإن هناك علاقات وطيدة بين روسيا والمانيا وعلاقات تجارية ، وأكثر من ذلك هناك خط الغاز الذي تمده روسيا لألمانيا» .
لذلك هناك الكثير من المصالح المشتركة بين اوروبا والصين وروسيا ، واوروبا لم تحسم قرارها عما اذا كانت جزءا من الحرب الباردة التي تقودها الولايات المتحدة ضد بكين وموسكو .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115