ازمة الصحافة المكتوبة: متى تطبق السلطات التزاماتها ؟

لدى زيارته الى مؤسسة" دار الصباح " يوم السبت الفارط اكد الرئيس قيس سعيد على ان "الدولة لا تفرط في تاريخها"

وهي المرة الثانية التي يجمع فيها الرئيس بين الصحافة المكتوبة وتاريخ البلاد ويؤكد فيها على انه لن يسمح بذلك ولا بالتفريط في هذه المؤسسات التي تواجه اليوم مخاطر الاندثار. زيارة أراد بها الرئيس الإعلان عن عدمه لمؤسسة" دار الصباح" التي تواجه اليوم خطر الاحتجاب جراء أزمة مالية تفاقمت خلال عهدة المصادرة التي انطلقت منذ 12 سنة وادت بها الى الإحالة على التصفية القضائية.

وضعية شرحها الزملاء في مؤسسة "دار الصباح" وطالبوا السلطات بان تتحمل مسؤوليتها، وقد سبقهم الزملاء في مؤسسة "سنيب لابارس" التي بدورها باتت تواجه ازمة مالية حادة بعد ان كانت مؤسسة رابحة على غرار الصباح، ولكن منذ 2011 انقلبت الاوضاع. اوضاع مؤسستين وان اختلفت المسارات التي ادت بهما الى هذه الازمة الحادة التي تكشف بشكل صريح ومباشر عن واقع الإعلام في تونس وخاصة الصحافة المكتوبة، وهو واقع متأزم تكابد فيه الصحف والمطبوعات التونسية الويلات للحفاظ على ديمومتها واستمرار صدورها في ظل تراجع مداخليها وارتفاع تكلفة الإنتاج. فالقطاع يعيش سنوات وضعا يمكن وصفه بالكارثي، بعد ان تخلت الدولة عن دورها في حماية هذا القطاع الذي يمثل جزءا من تاريخ البلاد وله ادوار هامة يلعبها في حاضرها ومستقبلها، و رغم ذلك كانت الإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة تدفع بالقطاع الى ازمته.
فمنذ 2012 باتت الصحف تواجه ارادة حكومات سياسية تبحث عن تطويعها او وئدها فكانت خياراتها تتمشى مع هذه الرغبة وهو ما كشفته خطوة التخلي عن الاشتراكات السنوية في 2012 وترك خيار اقتناء الجرائد للوزارات تتصرف فيه وفق ما تراه مناسبا، لينطلق مسار التدهور الذي تسارع نتيجة الجائحة في 2020.
منذ ذالك التاريخ تفاقمت أزمة الصحافة المطبوعة في تونس، والتي يمكن اختزالها بالإشارة الى ارتفاع تكاليف الإصدار وتراجع المداخيل، اذ تراجعت مبيعات الصحف وتراجعت مداخيلها من الاشهار لتقلص حجم الاشهار الخاص والعمومي الموجه للصحافة المطبوعة، مما دفع نشريات يومية او أسبوعية ومجلات شهرية ونصف شهرية إلى التوقف النهائي او الانتقال الى الرقمي بعد ان استحال عليها تحقيق التوازن المالي نتيجة تضاعف كلفة الإنتاج. اذ تضاعفت تكلفة الإنتاج بثلاثة أضعاف عما كانت عليه في 2010، لارتفاع تكلفة الورق وكل المواد الخام المستعملة في الطباعة اضافة الى ارتفاع خدمات النقل والاداءات الجمركية، كذلك لارتفاع تكلفة التوزيع، ارتفاع قاد الصحف والمطبوعات الى الرفع سعر البيع في مناسبتين واليوم لم يعد من الناجع اعتماد هذا الاجراء. هذا جزء من الأزمة التي تواجهها الصحافة المكتوبة وهي شاملة متعددة جانب منها فقط يمكن وصفه بأنه أزمة "صناعة" يمكن معالجته اذا توفرت سياسات عمومية تعيد للدولة دورها في حماية قطاع خدماتي حيوي للديمقراطية، وافضل الخيارات وضع سياسة عمومية لانقاذ الصحافة المكتوبة. هنا يمكن الاستئناس بالتجارب الاخرى، كالتجربة الفرنسية او الانجليزية الخ، اذ تشترك كل هذه التجارب في مبدإ اساسي وهو ان ديمومة الصحافة المكتوبة وتطورها مقترن بوجود سياسات عمومية تعيد تشكيل دور الدولة في القطاع كـ"داعمة" له عبر عدة أشكال تتوزع على مساعدات مباشرة وغير مباشرة توزع وفق آليات شفافة كي لا تتحول هذه المساعدات إلى آلية للسيطرة على الصحافة أو لإرساء علاقات زبونية سعت حكومات سابقة الى ارسائها واستغلال بعض آليات الدعم والمساعدة المعلن عنها لتحقيق ذلك. فجل الحكومات أعلنت عن إجراءات داعمة للصحافة المكتوبة ولكنها ظلت في الغالب حبرا على ورق، منها إحداث هيكل عمومي لإدارة الإشهار العمومي وإحداث صندوق دعم خاص بالصحافة المكتوبة الورقية والالكترونية
إجراءات يمكن للسلطة التنفيذية اليوم تفعيلها باعتبار انها ضرورية وملحة لضمان بقاء الصحافة المطبوعة، كخطوة اولى في مسار تطوير وتحديث القطاع شكلا ومضمونا

المشاركة في هذا المقال

تعليقات112

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115