Print this page

قبيل لقاء نتنياهو وترامب الاحتلال ينقلب على اتفاق غزة ويُفرغ "المرحلة الثانية" من مضمونها

تواصل دولة الاحتلال سياسة التدمير الممنهج لأحياء

ومدن فلسطينية ليس في غزة فحسب في النقب وفي الضفة كذلك . فقد قامت قوات الاحتلال امس بهدم قرية العراقيب الفلسطينية الواقعة في منطقة النقب للمرة الـ244 خلال 15 عاما.
أما في غزة فتواصل حكومة الاحتلال سياسة التملص من كل التزاماتها أمام المجتمع الدولي . وفي مشهد يعكس بوضوح سياسة فرض الشروط لا الالتزام بالاتفاقيات، تكشف التسريبات الإسرائيلية قبيل لقاء رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انقلاب فعلي على مسار اتفاق غزة، ومحاولة لتحويل ''المرحلة الثانية'' من وقف الحرب إلى أداة ابتزاز سياسي وأمني، تُدفع كلفتها من دماء الفلسطينيين ومعاناتهم المستمرة.فحسب ما نقلته صحيفة ''معاريف''، تشترط "إسرائيل" نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية حماس بالكامل قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب، التي يفترض أن تشمل الانسحاب، وإعادة الإعمار، وتشكيل قوة استقرار دولية، وحكومة تكنوقراط لإدارة شؤون القطاع. هذا الشرط، الذي تصفه تل أبيب بـ''الخط الأحمر''، لا يبدو سوى محاولة مكشوفة لتعطيل الاتفاق وإعادة صياغته وفق الرؤية الإسرائيلية وحدها.

شروط تعجيزية
ويرى مراقبون أنّ إصرار "إسرائيل" على عدم الانسحاب من "الخط الأصفر" داخل غزة، ورفضها استبدال قواتها بقوة استقرار دولية، بحجة أن هذه القوة "غير قادرة على نزع سلاح حماس"، يكشف نية واضحة للإبقاء على السيطرة العسكرية الميدانية، حتى في ظل حديث معلن عن وقف الحرب. وهو ما يتناقض جوهريا مع أي مسار حقيقي للتهدئة أو إعادة الإعمار.
وتشير هذه المواقف إلى أن نتنياهو يتجه إلى لقاء ترامب وهو يحمل تصورا أحاديًا مفاده أنّ الاحتلال مستعد للمرحلة الثانية، لكن بشروطه . شروط تتجاهل حقيقة أن إسرائيل متهمة أصلا بعرقلة تنفيذ التزاماتها في المرحلة الأولى، بما في ذلك إدخال المساعدات الإنسانية، حيث لم تسمح إلا بجزء محدود مما تم الاتفاق عليه، ما فاقم الكارثة الإنسانية في القطاع.
واشنطن بين الدفع والرضوخ
ورغم أن الإدارة الأمريكية تُظهر، بحسب مراقبين، رغبة في الانتقال إلى المرحلة الثانية بالتوازي مع مناقشة الملفات السياسية والأمنية، فإنّ تحويل نزع السلاح إلى شرط مسبق يهدد بنسف الخطة برمتها. ويبقى السؤال مفتوحا: هل ستضغط واشنطن على إسرائيل لاحترام الاتفاق، أم ستنحاز مجددا لشروط نتنياهو، كما فعلت مرارا خلال الحرب.
في المقابل، أوضح مسؤولون في حركة حماس أن لا بوادر إيجابية حتى الآن لتشكيل قوة الاستقرار الدولية، بسبب غياب تعريف واضح لمهامها وصلاحياتها. وأكّدت الحركة أن أي وجود دولي يجب أن يقتصر على مراقبة وقف إطلاق النار ومنع التصعيد، دون التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي أو التحول إلى أداة أمنية ضد الفلسطينيين.
وتضيف تصريحات وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بعدا أكثر تطرفا، إذ أعلن صراحة أن "إسرائيل" لن توافق على إعادة إعمار غزة ما دامت حماس تسيطر على القطاع، وزعم أن سكان غزة "هم من يجب أن يتحملوا تكلفة الإعمار". هذا الخطاب لا يعكس فقط عقلية العقاب الجماعي، بل يتنكر لكون ما جرى في غزة هو تدمير واسع النطاق بفعل حرب إسرائيلية مدعومة أمريكيا، خلّفت عشرات آلاف القتلى وملايين المتضررين.
ووفق مراقبين يعني ربط الإعمار بنزع السلاح والسيطرة السياسية عمليا استخدام الاحتياجات الإنسانية كسلاح تفاوضي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، الذي يفرض على القوة القائمة بالاحتلال مسؤوليات مباشرة تجاه السكان المدنيين.
ويرى محللون أنّ ما يجري قبيل لقاء نتنياهو وترامب يؤكد أنّ "إسرائيل" لا تتعامل مع اتفاق غزة كمسار لإنهاء الحرب، بل كآلية لإعادة إنتاج السيطرة بشروط جديدة. وفي المقابل، فإن دعم غزة اليوم لا يكون بالشعارات، بل بالتمسك الواضح بحقوق أهلها: وقف العدوان بشكل كامل، انسحاب القوات، إعادة إعمار غير مشروطة، واحترام الإرادة الفلسطينية في إدارة شؤونها دون إملاءات خارجية.
جدل حول تصريحات كاتس
في توقيت بالغ الحساسية، فجّر تصريح وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس حول استيطان محتمل في قطاع غزة عاصفة من الغضب والارتباك داخل إسرائيل وخارجها، كاشفا هشاشة الموقف السياسي الإسرائيلي، وحدود الدعم الأمريكي حين تتقاطع المصالح مع حسابات الصورة الدولية. وبين تراجع سريع تحت الضغط، وغضب في مكتب رئيس وزراء الاحتلال، تبقى الحقيقة الأوضح: غزة ما زالت ساحة مفتوحة لسياسات القوة، بينما يُغيَّب حق سكانها في الأمن والحياة والعودة.
وتعكس الرسالة الأمريكية التي نُقلت إلى تل أبيب والتي شددت على "الحساسية الشديدة" تجاه أي حديث عن استيطان في غزة—قلقا سياسيا لا إنسانيا بالدرجة الأولى. فواشنطن، التي وفّرت الغطاء السياسي والعسكري للحرب على القطاع، تخشى أن يقوّض الاستيطان العلني مسارات تفاوضية وخططًا تُنسب إلى الإدارة الأمريكية بشأن ''مستقبل غزة''، وأن يحرجها أمام الرأي العام الدولي. هذا التوازن يوضح أن الاعتراض الأمريكي لا ينبع من رفض مبدئي للاستيطان، بقدر ما هو ضبط للإيقاع السياسي وتفادي كلفة دبلوماسية.
توسّع الاستيطان
داخليا، كشف تصريح كاتس التباينات داخل الاحتلال الإسرائيلي. غضب نتنياهو، وطلبه توضيحا عاجلا، يعكسان خشية حقيقية من تأثير التصريح على زيارته المرتقبة للولايات المتحدة، وعلى صورة الحكومة في لحظة إقليمية حرجة.
ووفق مراقبين كان التراجع السريع لكاتس استجابة لضغط مباشر، ما يطرح تساؤلات حول من يضع فعليا سقف السياسات الإسرائيلية صنّاع القرار في تل أبيب أم حسابات الحليف الأكبر.في الوقت الذي تُثار فيه الضجة حول غزة، يتواصل التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية بوتيرة متسارعة، مع هدم وتهجير وفرض وقائع على الأرض تُقوِّض حل الدولتين. هذا المسار المزدوج—ضغط في غزة وتوسّع في الضفة—يكشف إستراتيجية تهدف إلى حسم الصراع بالقوة، لا إلى وقف للحرب.
مماطلة في تنفيذ المرحلة الأولى
من جانبه قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، باسم نعيم، إن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى إعاقة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، لأنها تُلزمه بالانسحاب الكامل من قطاع غزة، وفتح المعابر، والشروع في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.
وأوضح نعيم، خلال تصريحات صحفية أمس الأربعاء، أن الاحتلال لا يزال يواصل انتهاك جميع البنود المتعلقة بالمرحلة الأولى من الاتفاق، ويمارس المماطلة في تنفيذ استحقاقاتها، بما يعيق الانتقال إلى المرحلة الثانية، رغم التزام فصائل المقاومة بتنفيذ كل ما هو مطلوب منها، على الرغم من الخروقات الإسرائيلية الجسيمة.
وأشار إلى أن هذه الخروقات أسفرت عن استشهاد أكثر من 410 فلسطينيين، وإصابة نحو ألف آخرين، إضافة إلى هدم المباني وتدمير البنية التحتية، واستمرار منع إدخال المساعدات الإنسانية وعرقلة عمليات إعادة التأهيل.
وأكد نعيم أن الاحتلال يواصل إغلاق معبر رفح، رغم أن الاتفاق ينص صراحة على فتحه عقب تسليم الأسرى الأحياء، معتبرًا ذلك خرقًا واضحًا لبنود الاتفاق.وفي سياق المفاوضات، قال إن التغذية الراجعة للحوار الذي جرى بين الوسطاء والطرف الأمريكي في مدينة ميامي الأمريكية تشير إلى أن المباحثات كانت إيجابية وبنّاءة، وتناولت المرحلة الأولى من الاتفاق واستحقاقاتها والخروقات الإسرائيلية.
وأضاف أن المطلوب حاليًا هو البدء الفوري بتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، مشيرًا إلى أن ذلك يبقى مرهونًا بمدى رغبة واستعداد الضامن الأميركي لممارسة الضغط على الاحتلال لإلزامه بالتنفيذ.وحول ما يُتداول بشأن تشكيل قوة استقرار دولية، أوضح نعيم أنه لا توجد حتى الآن أي بوادر إيجابية في هذا الاتجاه، لافتًا إلى وجود حراكات داخل المنطقة وخارجها يشرف عليها الطرف الأميركي، دون تسجيل أي استجابة فعلية للانخراط في هذه القوات.
وبيّن أن طبيعة عمل هذه القوات، ومهمتها، وحدود صلاحياتها، وقواعد الاشتباك الخاصة بها، غير واضحة في أي وثيقة من الوثائق المرتبطة بالاتفاق.وشدد نعيم على أن حركة "حماس" أكدت للوسطاء أن أي قوة دولية تصل إلى قطاع غزة يجب أن يقتصر دورها على الفصل بين الأطراف، ومراقبة وقف إطلاق النار، ورفع التقارير، ومنع التصعيد، دون أن يكون لها أي دور داخل القطاع أو تدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي.
مباحثات مع حماس
في الأثناء قال مصدر في وزارة الخارجية التركية، إن الوزير هاكان فيدان التقى مع مسؤولين من المكتب السياسي لحركة حماس في أنقرة لمناقشة وقف إطلاق النار في قطاع غزة ودفع الاتفاق للمرحلة الثانية.
واستقبل وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أمس الأربعاء، وفدا من حركة حماس لبحث التطورات في قطاع غزة.وأكد فيدان أن تركيا تواصل وبشكل قوي الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في جميع المحافل، كما قدم معلومات حول الجهود التي تبذلها تركيا لتلبية احتياجات الإيواء والمساعدات الإنسانية في غزة.وأضاف المصدر أن مسؤولي حماس أبلغوا فيدان بأنهم استوفوا متطلبات الاتفاق لكن إسرائيل تواصل استهداف غزة لمنع الانتقال إلى المرحلة التالية من الاتفاق.
وأشار المصدر إلى أن مسؤولي حماس قالوا أيضا إن دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ليس كافيا وإن سلعا حيوية مثل الأدوية وتجهيزات المساكن والوقود مطلوبة بشدة.

كما أشار وفد حماس إلى أن 60% من الشاحنات التي يُسمح بدخولها إلى غزة تحمل بضائع تجارية، وأن كمية المساعدات الإنسانية لا تزال دون المستوى الكفيل بتلبية الاحتياجات، وأن النقص كبير في مواد الاحتياجات الأساسية والأدوية ومستلزمات الإيواء والوقود.وخلال اللقاء، تم تقييم التطورات المتعلقة بمسار المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى الأوضاع في الضفة الغربية، مع التأكيد على أن ممارسات إسرائيل في الضفة الغربية غير مقبولة.
تثبيت الهدنة
وبحث فيدان خلال اتصال هاتفي مع نظيره المصري، بدر عبد العاطي، أهمية تثبيت وقف إطلاق النار والانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ للسلام في قطاع غزة.
وتم خلال الاتصال تبادل الرؤى بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وضرورة تدشين لجنة تكنوقراط فلسطينية مؤقتة لإدارة الشئون اليومية للمواطنين في القطاع، تمهيدًا لعودة السلطة الفلسطينية للاضطلاع بكامل صلاحياتها ومسؤولياتها.وشدد الاتصال على أهميّة نشر قوة الاستقرار الدولية، وبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مع التأكيد على الرفض الكامل لأي إجراءات أو ممارسات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة.

المشاركة في هذا المقال