Print this page

الكاتب المختص في الشؤون الأمريكية ماهر عبد القادر لـ''المغرب'' " مشروع ترامب في غزة يواجه انهيارا هيكليا قبل أن يبدأ"

قال الكاتب الفلسطيني المختص في الشؤون الأمريكية

ماهر عبد القادر لـ''المغرب'' أن مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في غزة يواجه "انهياراً هيكلياً" قبل أن يبدأ، مضيفا أن الانتقال إلى "المرحلة الثانية" يتطلب إرادة سياسية لإنهاء الاحتلال، وهي إرادة غائبة تماما في معادلة القوة الحالية.
وتابع أن الدور الأمريكي سيبقى محصوراً في تسويق "سراب اقتصادي"، بينما تظل غزة ساحة لإستراتيجية الاستنزاف الإسرائيليّة، ما لم تتغير موازين الضغط الدولية من مرحلة التصريحات إلى الفعل المؤثر.
كيف تقيّمون فرص نجاح مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في غزة؟
وفق التحليلات سيفشل دونالد ترامب في غزة، وستبقى إمكانية الانتقال إلى المرحلة الثانية ضعيفة، للأسباب الجوهرية التالي، فبناء على المعطيات الميدانية والسياسية لعام 2025، يبدو أن مشروع الرئيس دونالد ترامب في غزة يصطدم بجدار من التعقيدات البنيوية التي تجعل الانتقال إلى ''المرحلة الثانية'' مجرد رهان دبلوماسي متعثر.
مشروع ترامب يواجه "انهيارا صامتا" فالجوانب الاقتصادية والإغاثية (المرحلة الأولى) قد تمر جزئيا لتخفيف الضغط الدولي، لكن "المرحلة الثانية" التي تتطلب تنازلات سياسية وأمنية من تل أبيب ستبقى حبرا على ورق. طالما أن معادلة القوة تميل بالكامل للكيان دون ضغط دولي أو إقليمي "خشن"، فإن غزة ستبقى في حالة "لا حرب ولا سلم" تخدم إستراتيجية الاستنزاف الإسرائيلية.
لماذا برأيكم يواجه "مشروع ترامب" في غزة مخاطر الفشل السياسي؟
تشير المعطيات الراهنة في عام 2025 إلى أن محاولة الرئيس دونالد ترامب للانتقال إلى "المرحلة الثانية" في قطاع غزة تصطدم بحقائق صلبة على الأرض وتوازنات سياسية معقدة، مما يجعل مبادرته مجرد "إدارة للأزمة" بدلا من حلها. وتتلخص أسباب هذا التعثر الحتمي في النقاط التالية أولا: صخرة العناد الصهيوني وتحولات الميدان، بنية القرار الإسرائيلي التي تصطدم وأي رغبة أمريكية لإنهاء الحرب. وايضا عناد نتنياهو وبعناد حكومة اليمين المتطرف، التي ترى في استمرار الصراع بقاء سياسياً لها. إذ تتعامل تل أبيب مع مبادرات ترمب بمنطق "الإملاء" وفرض الأمر الواقع، لا بمنطق الشراكة أو التنازل . كما أنّ بنية القرار الصهيوني، فحكومة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني ترفض أي مسار سياسي حقيقي يفضي إلى وقف دائم للحرب أو تسوية عادلة.
وأيضا تكريس الاحتلال (معادلة الـ 60%) فسيطرة الاحتلال على أكثر من 60% من مساحة القطاع وتحويلها إلى ثكنات ومناطق عازلة ينسف تقنياً أي فرصة لانسحاب تدريجي أو "مرحلة ثانية" حقيقية، ويحول غزة إلى كانتونات أمنية مخنوقة. وتحويل مناطق واسعة إلى مناطق عازلة أو ثكنات عسكرية، ينسف جوهر "الانسحاب التدريجي" المفترض في المرحلة الثانية. هذا التواجد الدائم يحول أي مشروع إعادة إعمار إلى مجرد "تحسين ظروف السجن الكبير" تحت إدارة أمنية إسرائيلية مباشرة، مما يقتل فرص وجود إدارة تكنوقراط فلسطينية مستقلة.
ثانيا القيود الداخلية وفريق "الصقور" في واشنطن، فارتهان القرار الأمريكي، إذ يجد ترامب نفسه محاصرا بتوازنات داخلية تفرضها هيمنة اللوبي الصهيوني على القرار الأمريكي، مما يجرده من أي أدوات ضغط ويجعله عاجزا عن ممارسة ضغط فعلي أو فرض شروط سياسية ملزمة على تل أبيب.
كما أن أيديولوجيا الفريق الرئاسي وإحاطة ترامب نفسه بصقور أيديولوجيين يتبنون الرواية الصهيونية بالكامل يجعل أي مشروع (مثل "شروق الشمس") ذا طابع اقتصادي أجوف، منفصل تماماً عن الجذور السياسية للصراع، مما يحكم عليه بالفشل المسبق.و رغم لغة ترمب الحازمة أحياناً تجاه نتنياهو لإنهاء الحرب، إلا أن فريقه الدبلوماسي والأيديولوجي المكوّن من "صقور اليمين الأمريكي" يتبنى رؤية تتطابق مع التوسع الأمني الإسرائيلي. هذا التناقض يجعل الضغط الأمريكي "شكليا"، ويهدف فقط لتسجيل انتصار سياسي سريع لترامب دون معالجة جذور الصراع أو توفير ضمانات حقيقية للفلسطينيين.
ثالثا: العجز الدولي وتناقض الخطاب، في غياب الضغط الرادع يفتقر الموقف العربي والإسلامي والأوروبي إلى "القوة الخشنة"،حيث تكتفي هذه الأطراف بالإدانة اللفظية بينما تستمر الروابط التجارية والعسكرية، مما أفقد الموقف الدولي وزنه التفاوضي أمام التعنت الإسرائيلي.كما أن غياب ضغط عربي–إسلامي–أوروبي مؤثر: الاكتفاء بالإدانة اللفظية، مع استمرار العلاقات التجارية والعسكرية وتدفق السلاح، أفقد المواقف الدولية أي وزن ردعي أو تفاوضي.
إضافة إلى تناقض الخطاب والممارسة الدولية، فالعالم ينتقد المجازر كلاميا، لكنه عمليًا يموّل ويُسلّح، ما يمنح إسرائيل غطاءً مفتوحًا لمواصلة الحرب ويقوّض أي مسار إعادة إعمار أو تهدئة. بالإضافة إلى ازدواجية المعايير، بينما ينتقد العالم المجازر، يستمر تدفق السلاح والتمويل، ما يمنح الاحتلال غطاءً زمنياً ومادياً مفتوحاً لمواصلة العمليات العسكرية وتقويض أي مساعٍ للتهدئة.
يعتبر محللون قوة الاستقرار الدولية غير واقعية، وما تأثير ذلك على ملف إعادة الإعمار؟
تظل "قوة الاستقرار الدولية" المقترحة حلما بعيد المنال، لرفض الدول الإقليمية الوازنة المشاركة دون وجود أفق سياسي وسيادي فلسطيني واضح، وهو ما ترفضه إسرائيل جملة وتفصيلاً. تعتمد المرحلة الثانية من خطة ترمب (خطة الـ 20 بنداً) بشكل أساسي على إحلال "قوة استقرار دولية" محل قوات الاحتلال. ومع ذلك، يواجه هذا الطرح فشلاً عملياً لأن الدول العربية الوازنة تضع شروطاً صارمة للمشاركة، أهمها وجود دور سيادي للسلطة الفلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو وحلفاؤه في اليمين المتطرف جملة وتفصيلاً.
عدم واقعية خطة الإعمار دون حل سياسي / إعادة إعمار قطاع مدمر في ظل غياب السيادة وفي ظل الاحتلال واشتراط نزع السلاح وفي بيئة أمنية متفجرة، ، وتجاهل حجم الدمار والتلوث والمخاطر الأمنية، يجعل خطط الإعمار غير قابلة للتنفيذ و مجرد وعود وهمية
ما دلالة حجم الدمار وفق تقارير 2025؟ وما هو السيناريو المرجح لمستقبل غزة؟
وفقا للتقارير الدولية لعام 2025، فإن حجم الدمار (أكثر من 50 مليون طن من الركام) يتطلب عقودا من العمل. لا توجد جهة مانحة أو استثمارية مستعدة لضخ المليارات في بيئة لا تزال تحت الاحتلال المباشر، وتفتقر لسيادة واضحة، ومعرضة للانفجار العسكري في أي لحظة نتيجة غياب الحل العادل.

يواجه مشروع ترمب "انهياراً هيكلياً" قبل أن يبدأ، فالانتقال إلى "المرحلة الثانية" يتطلب إرادة سياسية لإنهاء الاحتلال، وهي إرادة غائبة تماماً في معادلة القوة الحالية. سيبقى الدور الأمريكي محصوراً في تسويق "سراب اقتصادي"، بينما تظل غزة ساحة لإستراتيجية الاستنزاف الإسرائيلية، ما لم تتغير موازين الضغط الدولية من الملامة الكلامية إلى الفعل المؤثر..
بناءً على المعطيات الميدانية والسياسية لعام 2025، وفي ظل تعثر الانتقال إلى "المرحلة الثانية" من خطة ترمب، يمكن رسم سيناريو "الستاتيكو الاستنزافي" كأبرز التوقعات المستقبلية لشكل الإدارة المحلية في غزة
، وفي حال فشل مشروع ترامب في فرض "قوة استقرار دولية" أو لجنة تكنوقراط وطنية، يتوقع أن ينزلق الوضع نحو نموذج إدارة هجين يتسم بالآتي: سعي الاحتلال لإنشاء "لجان مدنية" مكونة من وجهاء محليين أو عائلات في مناطق محددة (مثل شمال غزة أو المواصي)، تتولى توزيع المساعدات وإدارة الشؤون اليومية تحت إشراف أمني إسرائيلي مباشر.النتيجة ستكون تحويل غزة إلى "مربعات إدارية" معزولة عن بعضها البعض، مما يضرب فكرة الوحدة الجغرافية والسياسية للقطاع.
ثانيا اللجنة التكنوقراطية" المنقوصة السيادة:محاولة واشنطن الدفع بـ "لجنة تكنوقراط" كما نصت خطة ترامب، لكنها ستكون لجنة "وظيفية" فقط، مهمتها إدارة النفايات والكهرباء والمياه، بينما تظل الصلاحيات الأمنية والسيطرة على المعابر والحدود (محور فيلادلفيا ونتساريم) بيد الجيش الإسرائيلي.ستواجه هذه اللجنة رفضاً شعبياً واسعاً باعتبارها "إدارة تحت الاحتلال"، وستفشل في الحصول على شرعية قانونية أو وطنية.
ثالثا نموذج "روابط القرى" المطور:استنساخ تجربة الثمانينيات في الضفة الغربية، حيث يتم تمويل شخصيات محلية لا تنتمي للفصائل لتشكيل "قوة شرطية مدنية" لحماية قوافل المساعدات.سيؤدي هذا إلى صراع داخلي "فلسطيني-فلسطيني"، حيث ستعتبر المقاومة هذه الهيئات أذرعاً للاحتلال، مما يحول المناطق السكنية إلى ساحات تصفية حسابات.
رابعا الاحتلال الزاحف" وشرعنة الاستيطان:مع بقاء 60% من القطاع تحت السيطرة العسكرية، قد تتحول "المناطق الأمنية" تدريجيا إلى بؤر استيطانية أو قواعد عسكرية دائمية، مما يجعل أي حديث عن "إدارة فلسطينية" محصوراً في الـ 40% المتبقية (المناطق المكتظة)، والتي ستعيش في حالة "إغاثة دائمة" دون تنمية.
يتوقع أن تدخل غزة في "نفق الإدارة الرمادية"، حيث لا توجد سلطة واحدة قوية، ولا يوجد انسحاب إسرائيلي، بل سلسلة من الإدارات المحلية الهشة والمفككة التي تفتقر للموارد والسيادة، وتعمل في بيئة أمنية متفجرة تجعل من "إعادة الإعمار" مجرد عمليات ترميم طارئة للخيام والركام.
- ''واشنطن تدير الأزمة في غزة ولا تسعى لحلها... والمرحلة الثانية في مهب الريح''
- ''الإعمار دون سيادة في غزة وهم سياسي واقتصادي ''

المشاركة في هذا المقال