Print this page

51 يوما على هدنة غزة الاحتلال يواصل الإبادة والتجويع وغموض حول مصير خطة ترامب

تدخل هدنة غزة يومها الواحد والخمسين في الوقت

الذي تتواصل فيه حرب التجويع والإبادة الصهيونية بأشكال مختلفة . ويعيش أهالي القطاع المحتل واقعا إنسانيا بالغ القسوة، إذ لم تنجح أي من مراحل وقف إطلاق النار الهش ،في تغيير جوهر المأساة التي يعيشها الفلسطينيون وسط دمار واسع ونقص حاد في الاحتياجات الأساسية.
وبينما تستمر ''إسرائيل'' في انتهاكاتها وعملياتها العسكرية الظاهرة، تستمر تداعيات الحرب كأزمة إنسانية خانقة تترك أثرها على يوميات أكثر من مليوني إنسان أنهكتهم شهور من القصف والحصار.
وفي هذا السياق، أكدت الدبلوماسية القطرية أن "الهدنة الحالية هي الأطول منذ اندلاع الحرب"، وأن الحفاظ عليها يتطلب منع أي خرق قد يعيد المنطقة إلى دائرة النار. وأشار المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إلى أن ''إنجازات المرحلة الأولى كبيرة'' لكن يجب الحفاظ عليها'' ، بسبب التلكؤ الصهيوني بسبب بقاء جثة رهينة إسرائيلي لم تُسلَّم بعد، وأوضح أنّ "الدوحة تأمل الانتقال سريعاً إلى مناقشة بنود المرحلة التالية من خطة غزة، بما يسهم في تحقيق انفراج سياسي وإنساني أوسع".
لكن في الوقت الذي تبذل فيه الجهود الإقليمية والدولية لتثبيت التهدئة ودفع العملية السياسية قدما، تمضي "إسرائيل" في مسار مختلف تماما، عنوانه توسيع الاستيطان وفرض وقائع جديدة على الأرض. إعلان مسؤولين إسرائيليين عن نيتهم إنشاء مدينة استيطانية ضخمة في تلال الضفة الغربية ليس سوى حلقة جديدة في سياسة الضم الزاحف التي تتصاعد منذ سنوات، وتبلغ ذروتها في الفترة التي تلت حرب غزة. المشروع المعلن، الذي يسعى لاستيعاب أكثر من 130 ألف مستوطن وربطه بمستوطنات قائمة لتشكيل كتلة عمرانية واحدة، يأتي تنفيذا لرؤية إسرائيلية معلنة تهدف إلى رفع عدد المستوطنين إلى مليون نسمة بحلول عام 2050.
هذا التوجه لا يمكن فصله عن خطوات تشريعية موازية، فقد صادقت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست على مشروع قانون يتيح للإسرائيليين تملك العقارات في الضفة الغربية، في خطوة يعتبرها الفلسطينيون ومنظمات حقوقية محاولة لشرعنة الاستيطان وإنهاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة. المشروع الذي ألغى عمليا قانونا أردنيا كان يمنع بيع الأراضي لغير العرب، صوّتت عليه اللجنة بالكامل لصالحه دون معارضة، في مؤشر على إجماع سياسي داخل حكومة الاحتلال الإسرائيلية تجاه تسريع ضم الأراضي المحتلة وتغيير هويتها الديمغرافية.
ووفق تقارير لم تقتصر الإجراءات على الخطط بعيدة المدى، إذ كشفت وسائل إعلام عن مصادقة حكومة الاحتلال على بناء 1300 وحدة استيطانية جديدة جنوب القدس، في وقت تشير تقارير إلى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يواصل منذ توليه منصبه تسريع مشاريع المصادرة والبناء بهدف فرض ''حقائق نهائية'' قبل الانتخابات المقبلة. فمنذ 2022، مضت حكومة الاحتلال الإسرائيلية في إنشاء ما يقارب 48 ألف وحدة استيطانية، وهو معدل غير مسبوق يؤكد أن معركة الأرض تتواصل حتى في ظل الحرب على غزة، وربما بغطاء سياسي يوفره انشغال العالم بالدمار في القطاع.
تضارب السياسات
ورغم أن القضية الفلسطينية تشهد واحدة من أكثر مراحلها صعوبة، فإن المعطيات الميدانية والسياسية تكشف عن تباين صارخ بين الجهود الدولية الرامية لتخفيف معاناة غزة وبين المشروع الاستيطاني المتسارع الذي يضرب أساس أي عملية سياسية مستقبلية. ففي الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات المنادية بإنهاء الاحتلال ووقف الحرب، تستمر الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث قُتل أكثر من ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023، وأصيب نحو 11 ألفاً، واعتُقل ما يزيد على عشرين ألفاً، وفق إحصاءات رسمية فلسطينية.
في ضوء هذا المشهد، تبدو الهدنة في غزة حجر الزاوية في مسار سياسي هش، لكنها في الوقت ذاته تظهر حجم التناقض بين المساعي لإعادة بناء الثقة وبين السياسات التي تعمّق الاحتلال. فالقطاع يعيش هدنة بلا سلام، والضفة تُواجه وقائع جديدة تُرسم على الأرض، والحكومة الإسرائيلية تتحرك في اتجاه يهدف إلى إغلاق الباب أمام أي حل سياسي قائم على القرارات الدولية.
ومع ذلك، يواصل الفلسطينيون في غزة الصمود في وجه المأساة، مستندين إلى الدعم الإنساني والدبلوماسي المتزايد وإلى التفاف إقليمي يسعى للحفاظ على ما تحقق من وقف إطلاق النار وتوسيعه نحو مرحلة تضمن حماية المدنيين، وتعيد الاعتبار لحقوق شعب يصرّ على الحياة رغم كل محاولات محوه من الجغرافيا والذاكرة.
مؤتمر إعمار غزة
من جهة أخرى أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي،أمس الثلاثاء، أن بلاده تنسق مع الولايات المتحدة لرئاسة مشتركة لمؤتمر إعمار قطاع غزة، وعقده في أقرب وقت.
وأضاف: "نأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر".وتعد تصريحات الوزير المصري أول تعليق لبلاده بعد عدم عقد المؤتمر في موعده الذي كان مقررا نهاية نوفمبر الماضي. وبشأن الوضع في غزة، أضاف وزير خارجية مصر: "ننفذ برامج لتدريب الشرطة الفلسطينية على الأراضي المصرية، وتمكينها من العمل بغزة لإنهاء الفراغ الأمني".
وأكد "ضرورة تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة"، مجددا "رفض مصر تقسيم قطاع غزة".وأضاف: "شارفنا على الانتهاء من المرحلة الأولى لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، ونؤكد ضرورة البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة".عبد العاطي دعا إلى "إدخال مزيد من المساعدات إلى غزة بكميات أكبر ودون قيود (إسرائيلية)".
وينص اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة "حماس" وإسرائيل الساري منذ 10 أكتوبر الماضي، على إدخال مساعدات لقطاع غزة تقدر بـ 600 شاحنة يوميا.
إلا أن إسرائيل لم تلتزم بالاتفاق، وتسمح فقط بدخول 200 شاحنة باليوم على الأكثر، كما أنها خرقت الاتفاق أكثر من 497 مرة، وقتلت 342 فلسطينيا، وذلك وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
بدوره، شدد وزير خارجية ألمانيا على "ضرورة تهيئة الوضع لقوة الاستقرار الدولية لنشر الأمن في غزة".
وترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بتسلمها كل جثث الأسرى، وتدعي أنه لا يزال في غزة رفات أسيرين، بينما تقول حركة حماس إنها سلمت كل الأسرى الإسرائيليين العشرين الأحياء، ورفات جميع الأسرى القتلى الـ28.في المقابل، يوجد 9500 مفقود فلسطيني قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولا تزال جثامينهم تحت أنقاض حرب الإبادة، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
اعتقال 21 ألف فلسطيني بالضفة
ميدانيا قال نادي الأسير الفلسطيني، امس الثلاثاء، إن "إسرائيل" اعتقلت نحو 21 ألف فلسطيني من الضفة والقدس، إلى جانب آلاف آخرين من قطاع غزة، منذ بدء حرب الإبادة في 8 أكتوبر 2023.
وقال النادي في بيان إن "سلطات الاحتلال تواصل تنفيذ حملة اعتقالات ممنهجة وغير مسبوقة في الضفة الغربية بما فيها القدس، منذ بدء حرب الإبادة، وصلت إلى نحو 21 ألف حالة اعتقال، إلى جانب آلاف آخرين من سكان قطاع غزة".ولم يُذكر عدد الأسرى الفلسطينيين من قطاع غزة، إذ تواصل إسرائيل إخفاء أي معلومات تتعلق بهم.
وأكد النادي أن الأرقام اليومية "لا تعكس فقط التصاعد الكبير في أعداد المعتقلين، بل أيضاً ارتفاع مستوى الانتهاكات والجرائم المرافقة لعمليات الاعتقال، وعلى رأسها الإعدامات الميدانية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي خلال عمليات الدهم" . وأشار إلى أن هذا التصعيد "يترافق مع مساعٍ تشريعية في إسرائيل لسنّ قانون يتيح تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، ما يمثل امتداداً لسياسات الاحتلال المستمرة منذ عقود لاستهداف الوجود الفلسطيني وتعزيز أدوات القمع والسيطرة والرقابة".
وقال نادي الأسير إن "ما يجري من اعتقالات وانتهاكات داخل السجون والمعسكرات يشكّل امتدادا مباشرا لحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني"، موضحاً أن "الاحتلال رفع مستوى الجرائم المرتكبة بحق المعتقلين وعائلاتهم منذ بدء الحرب".وأشار إلى إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على تفجير منزلي الأسيرين عبد الكريم صنوبر وأيمن غنّام، مؤكدا أن استهداف منازل عائلات الأسرى يشكّل "أداة مركزية في تنفيذ سياسة الانتقام الجماعي التي تصاعدت بشكل غير مسبوق منذ بدء حرب الإبادة".
وشدّد نادي الأسير على ضرورة تحرك المجتمع الدولي "لوقف الجرائم المتواصلة بحقّ الأسرى"، مؤكداً أن هذه الاعتداءات تمثل "انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني" وتهدد حياة آلاف المعتقلين الفلسطينيين.
وبحسب مؤسسات الأسرى الفلسطينية، فإنه حتى شهر نوفمبر 2025، يقبع أكثر من 9300 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، من بينهم 3368 رهن الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة كما لا يزال أكثر من 350 طفلًا وأكثر من 50 امرأة خلف القضبان، إضافة إلى أكثر من 1340 أسيرًا من قطاع غزة، بينهم 1205 معتقلين بموجب قانون "المقاتل غير الشرعي".

اقتحامات
ميدانيا اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي ، مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، عقب إصابة مجندة إسرائيلية في عملية دهس قرب مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي المدينة.
بدورها، ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، أن قوات إسرائيلية داهمت محيط عدة مستشفيات بمدينة الخليل.وأفادت الوكالة أن القوات اقتحمت ساحة مستشفى الأهلي الحكومي، ومحيط مستشفيي "محمد علي" و"الميزان" الأهليّين، وتمركزت عند مداخلها.
وقبل ذلك بساعات، أُصيبت مجندة إسرائيلية في عملية دهس قرب مستوطنة "كريات أربع" جنوبي الضفة، فيما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات بحث واسعة عن المنفّذ.
ويأتي الحادث في وقت تشهد فيه الضفة الغربية تصاعدا غير مسبوق بهجمات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم ومصادر أرزاقهم.
وقتل صحفي فلسطيني، امس الثلاثاء، بقصف إسرائيلي على خان يونس جنوبي قطاع غزة، رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بضمانة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأفادت مصادر طبية في خان يونس وفق الأناضول، بـ"استشهاد المصور الصحفي محمود وادي في قصف من مسيرة اسرائيلية وسط المدينة"، وهي منطقة غير خاضعة لسيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

المشاركة في هذا المقال