الذي قطعته أمام جمهورها منذ تأسيسها بأن تكون منصّة عربية وإفريقية تُعلي صوت السينما الحرّة. وفي دورتها السادسة والثلاثين، المزمع تنظيمها بين 13 و20 ديسمبر 2025، تواصل الأيام هذا التقليد العريق الذي تجلّى في قائمة عناوين الأفلام التونسية التي ستخوض غمار المسابقات الرسمية الكبرى.
بعد انتهاء لجان انتقاء مستقلة من المشاهدة والتقييم والاختيار، أعلنت أيام قرطاج السينمائية عن قائمة الأفلام التونسية التي ستنافس على جوائز "التانيت" في المسابقات الرسمية. وقد بلغ عددها الإجمالي 9 أفلام بمعدل ثلاثة أفلام في كل قسم.
سينما نسائية في الأفلام الروائية الطويلة
تحضر ثلاثة أفلام تونسية في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، تحمل جميعها توقيع مخرجات تونسيات، في دلالة بليغة على الحضور اللافت للمرأة في صناعة المشهد السينمائي.
تنافس المخرجة آمال قلاتي فيلمها "وين ياخذنا الريح"، وهو فيلم عن الرحلة، لا فقط في المكان بل في الذات. في بطولة لعليسة، الفتاة المتمردة ذات التسعة عشر عاما، ومهدي، الشاب الخجول الذي يحاول اكتشاف نفسه عبر خياله، ينطلق الصديقان في رحلة نحو الجنوب التونسي بعد اكتشافهما مسابقة تمنحهما فرصة للحلم بالحرية. فيواجهان خلال الطريق أسئلة أكبر من السفر، هي تأملات في الصداقة والاختيار وحدود الروح حين تلامس الأفق.
وبفيلمها الجديد الذي أحدث ضجة في المهرجات العالمية ونال عديد الجوائز، تعود كوثر بن هنية إلى مسابقة أيام قرطاج السينمائية بـ "صوت هند رجب". وانطلاقا من قصة حقيقة للطفلة الفلسطينية الشهيدة هند رجب، أسمعت المخرجة التونسية كل العالم استغاثة الطفلة ابنة الستة أعوام التي تتصل طلبا للنجدة التي علقت في السيارة بعد أن قتل أفراد عائلتها تحت نيران القصف الإسرائيلي. تتوسل هند، الناجية الوحيدة لإنقاذها لكن والقصف المباشر كان أسرع إليها من سيارة الإسعاف. فماتت هند وبقي صوت استغاثتها دليل إدانة للعالم الصامت عن مأساة غزة.
وتحت "سماء بلا أرض"، تصوّر المخرجة أريج السحيري لمحة عن الهجرة داخل القارة الأفريقية وليس إلى أوروبا من من منظور إنساني، من خلال قصة ثلاث شابات من الكوت ديفوار يعشن في تونس تتحول حياتهن بعد استقبالهن الطفلة "إيما" البالغة من العمر أربع سنوات، والتي نجت من حادثة غرق مأساوية في البحر.
والمشترك بين كل هذه الأفلام التونسية المرشحة للمسابقة الرسمية، أنها تعرض على شاشة أيام قرطاج السينمائية وفي رصيدها صولات وجولات في أهم المهرجانات حول العالم، وفي جرابها تتويجات وجوائز مرموقة. فأي حظ للسينما التونسية في فوز بتانيت أفضل فيلم روائي؟
أفلام وثائقية بتوقيع رجالي
في الوقت الذي احتلت فيه المخرجات التونسيات الشاشة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، جاءت المشاركات التونسية في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بتوقيع مخرجين رجال.وهو ما يمنح زاوية أخرى للنظر إلى تنوّع الأصوات داخل السينما الوطنية. يقدّم المخرج مجدي الأخضر "الج - نّة"، وهي وثيقة بصريّة تبحث - على الأرجح - في الفردوس المفقود داخل الواقع المعاصر. ويشارك أنيس الأسود بفيلمه "زرّيعتنا"، الذي يُنتظر أن يطرح أسئلة حول الأرض والانتماء والتحوّلات الاجتماعية من منظور منظومة التعليم في تونس. أمّا بلحسن حندوس، فيصعد بـفيلمه "فوق التل" إلى فضاءات وثائقية تستكشف علاقة الإنسان بعالمه وقصصه الخفيّة.
الفيلم القصير… مساحة التجريب الأولى
وفي المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، تحضر السينما التونسية بثلاثة أفلام قصيرة، وهي : "العصافير لا تهاجر" لرامي جربوعي، و"سرسي" لوليد طايع، و"الطماطم الملعونة" لمروى طيبة.
وتعتبر الأفلام القصيرة مختبر المخرجين ومجالهم الأكثر حرية، حيث تُصنع لغة سينمائية جديدة خارج القوالب التقليدية.
يكشف الحضور التونسي هذا العام في مسابقات أيام قرطاج السينمائية عن مشهد سينمائي نابض بالحياة، تتجاور فيه الحساسيات الفنية المختلفة وتتحاور بين الروائي والوثائقي، وبين أصوات نسائية مختلفة ومبدعة ونظرات رجالية مستكشفة أو ناقدة. وهو ما يؤكد مكانة تونس كأحد أهمّ مراكز الإبداع السينمائي العربي.