Print this page

وصول النساء لخدمات الرعاية الصحية بين الحق القانوني والتحديات المجتمعية والاقتصادية

يزداد الاهتمام الدولي بقضايا الحقوق الصحية والإنجابية

خاصة للنساء نظرا لارتباطها الوثيق بمؤشرات التنمية ، فتعزيز هذه الحقوق يعد ضمانا لتحقيق تنمية شاملة لدى الدول والمجتمعات. ويؤدي تمكين المرأة من حقوقها الصحية والإنجابية الى التمكين الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي . ويتم ذلك من خلال تعزيز الوعي والتثقيف ومعالجة تحديات الوصول للرعاية والخدمات الصحية الازمة للنساء خاصة في المناطق والدول التي تعيش أزمات اقتصادية وسياسية او صراعات وغيرها. وتعد الصحة اليوم معيارا أساسيا لقياس مدى ضمان الحق في التنمية والعدالة الاجتماعية .
وتؤكد الأمم المتحدة أن الوصول للحقوق الصحية والانجابية للنساء يساهم في الحد من وفيات الأطفال والنساء وتحسين الصحة العامة للمجتمع ككل ، كما انها احدى أهم مؤشرات تحقيق المساواة بين الجنسين.
تحديات عديدة
يواجه الحصول على الخدمات الصحية الأساسية تحديات في عديد الدول التي تعيش توترات خاصة في العالم النامي . ومن بين الحقوق التي تشهد ولا تزال جدلا واسعا هو حق الإجهاض الذي بات مثار توظيف سياسي وخزانا انتخابيا للداعمين له أو المعارضين كما حصل في الولايات المتحدة . فقد ألغت المحكمة العليا الحق الدستوري الفيدرالي في الإجهاض عام 2022، مما أعاد للولايات السلطة لتحديد قوانينها الخاصة. نتيجة لذلك، تسمح بعض الولايات بالإجهاض وفقًا لشروط معينة، بينما تفرض ولايات أخرى حظرًا كاملًا أو قيودًا صارمة عليه، مما يؤدي إلى تباين كبير في الحقوق المتاحة من ولاية لأخرى.
تعتبر منظمة الصحة العالمية الإجهاض غير الآمن مشكلة صحة عامة خطيرة. وتؤكد المنظمة أن الوصول إلى رعاية الإجهاض الآمن واللائق أمر ضروري للصحة وحقوق الإنسان، وتوصي بتمكين النساء والفتيات من خلال توفير معلومات عن تنظيم الأسرة، بالإضافة إلى خدمات الإجهاض الآمن. وتعتبر المنظمة بأن تقييد الإجهاض لا يقلل من عدد الحالات، بل يزيد من معدلات الإجهاض غير الآمن والمضاعفات الخطيرة، بما في ذلك الوفاة.
بين الحق القانوني والتطبيق
وفي تونس ، يعد الحق في الصحة مكرسا ومكفولا في الدستور .وبات حق الإجهاض مقننا في البلاد مع القانون الصادر سنة 1973 والذي يتيح الإجهاض دون قيد أو شرط حتى 12 أسبوعًا لا غير. ولكن يبقى الوصول الى الرعاية الصحية للنساء مرتبطا بشروط عديدة لعلها توفير الرعاية الصحية الكاملة . فهناك مخاطر عديدة للإجهاض غير الآمن والذي يسهم به عدم الوصول للخدمات الصحية بشكل متوازن وملائم . وتوضح الطبيبة هادية بلحاج رئيس مجموعة توحيدة بالشيخ لـ" المغرب " ان الإجهاض غير الآمن يعد السبب الرئيسي للوفيات والتي يمكن الوقاية منها. وأوضحت ان الإجهاض غير الآمن التي تلجأ اليه بعض النساء لأسباب مادية بسبب ارتفاع كلفة الإجهاض في القطاع الخاص وعدم توفير الخدمات في بعض المناطق أو لأسباب أخرى ، يؤدي إلى مضاعفات صحية جسدية ونفسية للنساء. وشددت محدثتنا على ضرورة تأمين الصحة العامة كحق من حقوق المرأة وقالت انه يجب أن يتم في بيئة محترمة ودون وصمة عار أو تمييز. وقالت ان ذوات الدخل المحدود او الفئات الهشة واللاجئين وغيرهن يواجهن صعوبات اكثر في الحصول على خدمات الرعاية الصحية من بينها الإجهاض الآمن .
وتؤكد بلحاج بأن مجموعة توحيدة بلشيخ قامت بالعديد من الدراسات التي بينت استمرار العراقيل خاصة المتعلقة بالوصم الاجتماعي، وضعف المعرفة بالقانون، والاستعمال المفرط للاعتراض الضميري من قبل بعض المهنيين الصحيين، بالإضافة إلى تفاوتات كبيرة في النفاذ بحسب العمر، والوضعية الاجتماعية، والموقع الجغرافي. وقالت أن خطر غياب المعلومة يتضاعف أكثر لدى فئة الشباب والنساء اللواتي يعشن في وضعيات هشة على غرار الفتيات حاملات الإعاقة ومحدودات الموارد المالية ومن يعانين من بعض الأمراض وغيرهن.
آليات للمتابعة
وتدعو محدثتنا الى تعديل قانون 73 وذلك للاعتراف بالإجهاض الدوائي وتوسيع تطبيقه ومراعاة الآجال بالزيادة فيها لبعض الحالات المتعلقة بالنساء في الوضعيات الهشة. كما تدعو إلى تنظيم ما يسمى "الاعتراض الضميري" وذلك بإلزام المعترض بتوجيه المرأة إلى جهة أخرى، وبتدريب وتكوين الإطارات الصحية التكوين المناسب لضمان احترام هذا الحق وضمان مجانيته.
وتؤكد محدثتنا بأن تونس رائدة في مجال حقوق النساء وهي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي أقرت قانون الإجهاض لكنه لا يزال في المجلة الجزائية. وتتابع بالقول :" لم يأخذ القانون التونسي بعين الاعتبار تكنولوجيا الإجهاض الدوائي، وبالنسبة لغير المتزوجات والقاصرات هناك بيروقراطية فيما يتعلق بحق الإجهاض".
وشددت على أهمية تدريب الإطار الطبي وشبه الطبي فيما يتعلق باحترام اختيارات النساء. وقالت :"نحن كمجموعة توحيدة بالشيخ نقدم تدريبا خاصا لتوضيح القيم وتحسن الاتجاهات فيما يخص الوصول للاجهاض". كما تدعو محدثتنا إلى مواجهة الخطاب الذي يشوه المرأة وهو خطاب منتشر بشكل لافت ولا بد من التصدي له ومواجهته حفظا لحقوق المرأة وصونا لكرامتها. وتشمل الرعاية الشاملة في مجال الإجهاض توفير المعلومات والتدبير العلاجي للإجهاض والرعاية اللاحقة.
دور المجتمع المدني
ويلعب اليوم المجتمع المدني دورا هاما في التوعية بالحقوق الصحية والإنجابية للنساء . وتؤكد عهد جمعاوي مديرة مكتب منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان مكتب تونس لـ" المغرب " بأن المنظمة تعمل منذ سنوات على دعم قضايا حقوق النساء ومجابهة العنف بمختلف أشكاله . وتضيف بالقول :" ومؤخرا انطلقنا في مشروع خاص يستهدف رفع الوعي المجتمعي بقضايا حقوق النساء وخاصة الحقوق الصحية والإنجابية من خلال التعاطي الإعلامي الهادف والموضوعي ".
ومن بين المنظمات المؤثرة والفاعلة في هذا المجال هناك أيضا مجموعة توحيدة بلشيخ التي تعمل منذ تأسيسها على الرفع من الوعي المجتمعي بهذه الحقوق الإنسانية الهامة . وأصدرت مؤخرا بيانا دعت خلاله الى إرساء آليات للمتابعة والمساءلة وذلك من أجل التوثيق والتنديد بانتهاكات الحق في الإجهاض، وحالات الرفض غير المبرّرة والعراقيل الإدارية التي يمكن أن تحصل، وتؤدي إلى عدم تمكين النساء الراشدات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و20 سنة من حقهن في الإجهاض. ودعت أيضا إلى إعادة إرساء التعاون المؤسساتي بين المؤسسات الحكومية على غرار الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري وإدارة الصحة الأساسية، وبين المجتمع المدني وذلك من أجل توفير عرض خدمات منسجم ومتكامل برأيها.
انتهاك للحق في الصحة
وبحسب منظمة الصحة العالمية فان البلدان النامية تتحمل عبئاً نسبته 97٪ من إجمالي حالات الإجهاض غير الآمن التي تستأثر آسيا بأكثر من نصفها، ومعظمها في جنوب آسيا ووسطها. وغالبية حالات الإجهاض التي تُجرى في أمريكا اللاتينية وأفريقيا غير آمنة . أمّا في أفريقيا، فيُجرى نصف إجمالي حالات الإجهاض تقريباً في ظل ظروف هي الأدنى مستوى من حيث الأمان.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية في تقرير لها بان العواقب الناجمة عن تعذّر إتاحة الرعاية الجيّدة في مجال الإجهاض عديدة من بينها قصور إتاحة الرعاية المأمونة والميسورة التكلفة والمناسبة التوقيت والمحترمة في مجال الإجهاض والوصم الناجم عن الإجهاض وكلها تشكل مخاطر على رفاه المرأة بدنياً ونفسياً .
وتؤكد المنظمة بان تعذّر إتاحة الرعاية الجيّدة في مجال الإجهاض يعد انتهاكاً لطائفة من حقوق الإنسان التي هي حقوق النساء والفتيات، ومنها الحق في الحياة، والحق في التمتع بأعلى مستوى مـن الصحّة البدنية والنفسية يمكن بلوغه، والحق في الاستفادة من التقدم العلمي وإعماله، والحق في اتخاذ قرار حر ومسؤول بشأن عدد الأطفال والمباعدة بين الولادات وتوقيتها؛ والحق في عدم الخضوع للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وبحسب آخر الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة فان وفيات الإجهاض غير الآمن يتراوح ما بين 4.7 و13.2بالمئة من وفيات الأمهات سنوياً. وتشير التقديرات في البلدان المتقدمة إلى أن 30 امرأة تلقى حتفها من بين كل 100 ألف حالة إجهاض غير آمن، بينما يرتفع هذا العدد في البلدان النامية إلى 220 وفاة من بين كل 000 100 حالة إجهاض غير آمن.

المشاركة في هذا المقال