تستضيفه تركيا بمشاركة وزراء خارجية دول عربية وإسلامية. يأتي الاجتماع فيما تواصل دولة الاحتلال سياسة التنصل من بنود الهدنة الموقعة مع المقاومة ومواصلة سياسة الحصار الجائر لغزة . فالمشهد على الأرض لم يتغير في غزة مع تواصل الخروقات الصهيونية . ويعكس هدنة مضطربة أكثر منها وقفا حقيقيا لإطلاق النار. فبين الحصار الخانق، والدمار المستمر، وتقييد دخول المساعدات، يعيش القطاع أجواء حرب باردة ميدانية تهدد بالتحول إلى مواجهة جديدة في أي لحظة. ويرى محلّلون أنّ "إسرائيل" تسعى من خلال عمليات النسف المتكررة إلى إعادة رسم خريطة السيطرة الميدانية شرق القطاع، وفرض ''منطقة أمنية عازلة'' بعمق أكبر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعني أنّ اتفاق وقف إطلاق النار قد يتحول عمليا إلى اتفاق فصل قسري للسكان والمناطق.
وبعد أكثر من عامين على حربٍ وُصفت بأنها الأطول والأعنف في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لا يبدو أن الهدوء في غزة قد استقر فعلا. ومع استمرار خروقات الإحتلال وتصاعد التحذيرات من انهيار الاتفاق، يقف القطاع أمام مفترق حاسم إما تثبيت هدنة حقيقية تتيح بدء مرحلة إعادة الإعمار، أو العودة إلى دوامة الحرب التي لم يخرج منها الفلسطينيون بعد.
حماس تتهم الاحتلال
اتهمت حركة المقاومة الإسلامية حماس، '' إسرائيل'' بارتكاب خروقات متكررة لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين الجانبين منذ العاشر من أكتوبر الماضي، عبر مواصلة نسف وتدمير الأحياء السكنية في المناطق الشرقية من قطاع غزة، ما يعيد أجواء التوتر إلى الواجهة ويثير المخاوف من انهيار الاتفاق الهش.
وقال حازم قاسم، المتحدث باسم الحركة، في بيان إن “الاحتلال الإسرائيلي يواصل عمليات التدمير المنهجي للمنازل والأحياء، في انتهاك واضح وصريح لاتفاق وقف الحرب على غزة”، داعيًا الوسطاء إلى “تحمل مسؤولياتهم والضغط على إسرائيل لوقف هذه الخروقات المتمثلة في القتل اليومي واستمرار الحصار ومنع المساعدات”.
وأكد شهود عيان أن جيش الإحتلال الإسرائيلي نفذ خلال ساعات الليل عمليات نسف واسعة في الأحياء الشرقية لمدينتي خان يونس وغزة، مستخدما المتفجرات والهدم الموجه عن بعد. ووفق الشهود، فإن الدمار طال عشرات المنازل والبنى التحتية، رغم توقف العمليات العسكرية الكبرى منذ سريان وقف النار.هذه التطورات تأتي في إطار ما تزعم سلطات الاحتلال الإسرائيلي أنه "إجراءات تأمين الخط الأصفر"، وهو الحد الفاصل بين المناطق الخاضعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وتلك التي يسمح للفلسطينيين بالحركة فيها بموجب اتفاق الهدنة، إلا أن مراقبين يؤكدون أن تل أبيب تتجاوز هذا الخط باستمرار عبر التوغلات والقصف واستهداف المدنيين.
حصيلة ثقيلة للخروقات
وفق بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد سجلت إسرائيل 194 خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار منذ دخوله حيز التنفيذ، أسفرت عن استشهاد 236 فلسطينيًا وإصابة نحو 600 آخرين حتى بداية نوفمبر الجاري، وفق إحصاءات وزارة الصحة في القطاع.
وتصف مؤسسات حقوقية فلسطينية هذه الخروقات بأنها جزء من سياسة ممنهجة لإدامة الضغط على السكان ومنع أي عودة للحياة الطبيعية، بينما تؤكد الأمم المتحدة أن الأوضاع الإنسانية في القطاع ''ما زالت في مستوى الكارثة''، بسبب استمرار الحصار المشدد وإغلاق معبر رفح الذي تسيطر عليه إسرائيل منذ ماي 2024.
هذا وتواجه الوساطة التي تقودها مصر وقطر والأمم المتحدة صعوبة متزايدة في الحفاظ على الهدوء. فبينما ترفض حماس العودة إلى المواجهة العسكرية، فإنها تعتبر أن استمرار الخروقات “يضع الاتفاق على المحك”.في المقابل، تزعم إسرائيل أن عملياتها “ضرورية لمنع عودة البنى التحتية العسكرية للفصائل”، وتتهم حماس بأنها “تستغل وقف النار لإعادة الانتشار”.
قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين..
على صعيد آخر وفي خطوة أثارت موجة واسعة من الجدل ، صادقت لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يسمح بفرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين ، تمهيدا لطرحه على الكنيست للتصويت في القراءة الأولى. هذه الخطوة، وإن بدت للوهلة الأولى جزءا من خطاب اليمين المتشدد بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إلا أنها تحوّلت إلى مشروع قابل للتنفيذ بعد أن حصلت على دعم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو
وكان نتنياهو قد عارض المشروع في مرات سابقة، مبررا رفضه حينها بوجود رهائن إسرائيليين في قطاع غزة، خشية أن يؤدي إقرار القانون إلى تعريضهم للخطر أو إفشال صفقات تبادل مستقبلية. لكنّ استعادة جميع الرهائن الأحياء من القطاع مؤخرا غيّرت -وفق مراقبين- من معادلة الموقف الرسمي، إذ بات رئيس وزراء الاحتلال يرى في المشروع ورقة ضغط داخلي تُرضي قاعدته اليمينية المتطرفة .على الصعيد الدولي، من المتوقع أن يثير القانون، في حال إقراره، انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة. كما قد تواجه تل أبيب ضغوطًا أوروبية وأمريكية لوقف تطبيق القانون، لما يحمله من تبعات حادة.
أما على الصعيد الفلسطيني، فترى القوى السياسية أن القانون يأتي في إطار تصعيد ممنهج ضد الأسرى ومحاولة لكسر روح المقاومة، مؤكدين أن هذه السياسات لن تردع العمليات، بل ستزيد من حالة الغضب الشعبي، وتعزز ثقافة المواجهة والرفض للاحتلال.
ووفق خبراء يمثل مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين مرحلة جديدة في تشدد السياسة الاحتلالية الإسرائيلية، ويكشف عن توجه خطير نحو شرعنة الإعدام السياسي تحت غطاء قانوني. وإذا ما أُقرّ نهائيا، فسيكون لذلك تداعيات إنسانية وسياسية عميقة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلية وخارجها، كما سيزيد من توتير العلاقة بين تل أبيب والمجتمع الدولي، ويضع الحكومة الإسرائيلية في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي ومعايير العدالة التي ضربت بها عرض الحائط سواء في حرب غزة أو في سياستها الاحتلالية التي تمارسها منذ عقود في الأراضي المحتلة.
''تجسيد لوجه إسرائيل "الفاشي"
من جانبها اعتبرت حركة "حماس"،أمس الاثنين، مصادقة لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون إعدام أسرى فلسطين "تجسيدا للوجه الفاشي للاحتلال"، وطالبت المجتمع الدولي بتشكيل لجنة للاطلاع على أوضاعهم في ظل ما تسرب من "انتهاكات مروعة كشفها فيديو في معتقل سدي تيمان".
وقالت "حماس" في بيان: "مصادقة لجنة الأمن القومي بالكنيست الصهيوني على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، وإحالته للتصويت عليه في الكنيست؛ تجسيدٌ للوجه الفاشي القبيح للاحتلال الصهيوني المارق".كما عدت هذه المصادقة إمعان إسرائيلي في "انتهاك القوانين الدولية لا سيما أحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الثالثة"؛ اللذان يضعان قواعد لحماية الأسرى في النزاعات المسلحة.وينص مشروع القانون الإسرائيلي على "إيقاع عقوبة الموت بحق كل شخص يتسبب عن قصد أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل".
وطالبت الحركة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية المعنية بـ"التحرك العاجل لوقف هذه الجريمة الوحشية".
ومن المقرر أن يجرى التصويت على مشروع القانون في الكنيست الإسرائيلي بقراءة أولى، يوم غد الأربعاء، حيث ينبغي أن يمر أي مشروع قانون بثلاث قراءات في الكنيست قبل أن يصبح قانونا ناجزا.كما دعت حماس المجتمع الدولي إلى تشكيل لجان دولية للاطلاع على أوضاع أسرى فلسطين داخل السجون والكشف عن الفظائع التي تُرتكب بحقهم خاصة في ظل ما يتسرب عن "انتهاكات مروعة بعد ما كشفه فيديو التنكيل في معتقل سدي تيمان الفاشي"، وفق البيان.ويقبع في سجون إسرائيل أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، ويعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، قتل العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
ترامب يهدد
من جهته أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الهدنة المعلنة بين حركة حماس و''إسرائيل'' في قطاع غزة “صلبة وليست هشة”، مشدداً على أن واشنطن تراقب عن كثب تنفيذ بنود الاتفاق، وأن “أي إخلال به ستكون له عواقب سريعة وحاسمة".
وقال ترامب في مقابلة تلفزيونية بثتها شبكة "سي بي إس" ، إن "القضاء على حماس يمكن أن يتم فوراً إذا لم تتصرف كما يجب، وهم يعرفون ذلك جيداً"، مضيفاً أن لديه القدرة على "نزع سلاح الحركة بسرعة إذا اقتضت الضرورة"، على حد قوله. وأوضح الرئيس الأمريكي أن الهدنة الحالية جاءت ثمرة جهد دبلوماسي مكثف شاركت فيه أطراف دولية وإقليمية، وأنه مصمم على ضمان استمرارها “حتى تثبت استدامتها وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة في غزة”.
وفي الوقت نفسه، أوضح أن "بعض تصرفات نتنياهو لم تعجبه"، مشيراً إلى أنه عبّر عن موقفه بوضوح عندما فرض وقف إطلاق النار في غزة بعد حرب استمرت عامين، مضيفاً: “رأيتم ما فعلته حيال ذلك”.
وكان ترامب قد كشف الشهر الماضي عن خطة من 20 بنداً تتعلق بمستقبل قطاع غزة، تضمنت نزع سلاح الفصائل وتسليم إدارة القطاع إلى لجنة تكنوقراط مؤقتة تعمل تحت إشراف دولي، إضافة إلى برنامج شامل لإعادة الإعمار وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من القطاع.وتضمنت اتفاقية وقف إطلاق النار، التي دخلت حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، بنوداً أساسية أهمها إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء، وهو ما تم بالفعل، إلى جانب تسليم جثث القتلى الإسرائيليين ضمن ترتيبات تبادل متزامنة.
تصعيد غير مسبوق
واندلعت مواجهات عنيفة في البلدة، رشق خلالها الشبان قوات الاحتلال بالحجارة، فيما ردّت القوات بإطلاق الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع قبل أن تنسحب من المنطقة.
كما اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي ، بلدة علار شمال مدينة طولكرم، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".ونقلت الوكالة الرسمية عن مصادر محلية أنّ قوات الاحتلال جابت شوارع البلدة وعرقلت حركة المواطنين والمركبات، وسط إطلاق للرصاص الحي، من دون الإبلاغ عن وقوع إصابات أو اعتقالات.وذكرت وكالة "وفا" أن قوات الاحتلال اعتدت على عدد من المواطنين في بلدة نحالين غرب بيت لحم أثناء وجودهم في أراضيهم لقطف ثمار الزيتون.
وأفاد المواطن محمد فنون للوكالة بأن جنود الاحتلال هاجموهم أثناء قطفهم الزيتون في منطقة "سدر عين فارس"، واعتدوا عليهم لفظيًا وجسديًا، واحتجزوه مع شقيقه أحمد لعدة ساعات قبل أن يعتقلوا شقيقه.وأضاف فنون أن جنود الاحتلال أتلفوا ثمار الزيتون التي تم قطفها، واستولوا على أدوات القطف التي كانت بحوزتهم.
وبالتزامن مع عامي الإبادة في غزة، صعد الجيش والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، ما أسفر عن استشهاد 1063 فلسطينيًا وإصابة نحو 10 آلاف آخرين.ورغم سريان وقف النار في 10 أكتوبر المنصرم، وفقًا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خرقته "إسرائيل" أكثر من مرة، وقتلت وأصابت مئات الفلسطينيين.
اجتماع وزاري بشأن المرحلة المقبلة في غزة
على صعيد متصل التقى وزراء خارجية دول مسلمة في مدينة اسطنبول امس الاثنين في اجتماع خصص للبحث في المرحلة المقبلة في قطاع غزة عقب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، والذي تمّ التوصل بناء على خطة طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتشارك في اجتماع الاثنين سبع دول هي تركيا والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والأردن وباكستان وإندونيسيا. وسبق لزعماء وقادة هذه الدول أن التقوا ترامب في أواخر سبتمبر على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وأمام اجتماع للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي، رأى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان امس الاثنين أن حركة حماس "تبدو مصمّمة على احترام الاتفاق. في المقابل، نلحظ جميعا أن سجلّ إسرائيل في هذا الشأن سيئ للغاية”. وأضاف "في هذه المرحلة، نحتاج إلى تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، ثم البدء في جهود إعادة الإعمار الحكومة الإسرائيلية تبذل كل ما بوسعها لمنع ذلك"، آملا في أن تؤدي منظمة التعاون الإسلامي "دورا محرّكا" في إعادة الاعمار.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأسبوع الماضي إن اجتماع اسطنبول هدفه “تقييم تقدمنا ومناقشة ما يمكننا تحقيقه سويا في المرحلة المقبلة”، معتبرا أن “خطة سلام بدأت تتبلور، وهي تمنح بصيص أمل للجميع”.
ويسري في القطاع منذ 10 أكتوبر، وقف لإطلاق النار شابته انتهاكات تبادل الطرفان الاتهام بالمسؤولية عنها. وأكد فيدان أن مباحثات الاثنين ستتناول أسئلة من قبيل “ما العقبات أمام تنفيذها؟ ما التحديات التي يجب تجاوزها؟ ما الخطوات التالية؟ عمّ سنتباحث مع أصدقائنا الغربيين؟ وما أشكال الدعم المتاحة للمحادثات الجارية مع الولايات المتحدة؟". واستقبل فيدان في اسطنبول السبت وفدا من المكتب السياسي لحركة حماس برئاسة كبير مفاوضيها خليل الحية.
وقال فيدان خلال منتدى في إسطنبول “يجب أن نضع حدا للمجزرة في غزة. وقف إطلاق النار وحده لا يكفي”، مشددا مرة أخرى على حل الدولتين لإنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
وفي مرحلة لاحقة، تنصّ خطة ترامب المكوّنة من 20 بندا، على تشكيل “قوة استقرار دولية موقتة لنشرها فورا" في غزة، على أن "توفر التدريب والدعم لقوات شرطة فلسطينية موافق عليها".
ويفترض أن تنتشر القوة لضمان الاستقرار في القطاع مع الانسحاب التدريجي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأن تضمّ بشكل رئيسي قوات من دول عربية ومسلمة.