وسط وجنوب القطاع، عقب إعلان جيش الإحتلال عزمه إغلاق شارع الرشيد مع تكثيف القصف الصهيوني الذي يطال معظم مناطق القطاع. وكانت حكومة الاحتلال قد أقرت خطة طرحها مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، لاحتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيا، بدءا بمدينة غزة، التي يسكنها نحو مليون فلسطيني.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عامين، عادت المبادرات الدولية للظهور مجددا، تحمل هذه المرة اسما بات مرتبطًا بمشاريع منحازة بوضوح للمحتل وآخرها خطة ترامب الجديدة للسلام في قطاع غزة.وكشفت الخطة التي رُوج لها كفرصة لإنهاء الحرب، سريعا عن جوهرها الحقيقي، كما يقول مسؤولون فلسطينيون، إذ أتت محمّلة ببنود تفرغ القضية الفلسطينية من جوهرها، وتفرض على فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حماس، شروطا تعجيزية تتعلق بالتخلي الكامل عن السلاح ومغادرة كوادرها خارج غزة.
وأكدت مصادر مطّلعة في قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، أن الحركة تجري مشاورات داخلية وخارجية "مكثفة وعلى مدار الساعة"، وأن هناك نقاشات جادة مع الوسطاء القطريين والمصريين، وبمشاركة تركية، من أجل تعديل جوهري في عدة بنود تعتبرها الحركة تجاوزا للحقوق الفلسطينية المشروعة، وعلى رأسها بند نزع السلاح والتهجير .وتنصّ خطة ترامب، التي أعلن عنها من العاصمة الأمريكية وباركها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، على وقف فوري للحرب مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، إلى جانب إطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين، قبل أن تمضي نحو تنفيذ بنود تتعلق بإعادة هيكلة حكم القطاع تحت إشراف لجنة دولية برئاسة ترامب نفسه، وتوني بلير كعضو أساسي فيها، مع انسحاب إسرائيلي تدريجي من القطاع – باستثناء ما تسميه إسرائيل "الحزام الأمني".
لكن هذه البنود، وفق مصادر داخل حماس، لا تضمن بأي شكل الحقوق الوطنية الفلسطينية، بل تمثل إعادة إنتاج لمشاريع سابقة تهدف إلى تصفية المقاومة وإعادة هندسة النظام السياسي الفلسطيني بما يخدم المصالح الإسرائيلية والغربية.
بحسب مصادر سياسية مطلعة من الدوحة، فإن حركة حماس لم تحسم بعد موقفها النهائي من الخطة. وتشير المصادر إلى انقسام داخلي في الموقف، حيث يطالب تيار داخل الحركة بإبداء مرونة تكتيكية من أجل إنهاء الحرب المدمرة، بينما يصر آخرون على رفض أي بند يمس بالمقاومة، ويرون في الخطة محاولة لشرعنة الاحتلال ونزع صفة النضال الوطني عن فصائل المقاومة.
رفض فلسطيني واسع وتحذيرات من النزوح
فيما لم تعلن حماس رسميا موقفها النهائي، سارعت عدة فصائل فلسطينية في غزة إلى رفض الخطة بشكل قاطع، مؤكدة أنها "تمثل نهاية القضية الفلسطينية وتمنح الاحتلال شرعية غير مسبوقة". وأشارت هذه الفصائل إلى أن بنود الخطة، بدل أن تقدم حلولا حقيقية، تسعى إلى فرض وقائع ميدانية تعزز الاحتلال الإسرائيلي وتدمر المشروع الوطني الفلسطيني.
في غضون ذلك، تواصل آلة الحرب الإسرائيلية استهداف المدنيين في غزة، حيث استشهد ما لا يقل عن 17 فلسطينيا خلال الساعات الأخيرة، بحسب وزارة الصحة، وسط تصعيد غير مسبوق في القصف، خاصة في مدينة غزة وأطرافها الشمالية. وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي،أمس الأربعاء، إغلاق الطريق الساحلي الرابط بين الجنوب والشمال، مانعًا تنقل السكان، ومكرّسًا واقع النزوح القسري.
ويعزز الإغلاق الجديد للطريق الساحلي، إلى جانب المنع الصريح لعودة المدنيين إلى شمال القطاع، المخاوف الفلسطينية من مخطط تهجير طويل الأمد، يعيد إلى الأذهان نكبة 1948 ولكن بأدوات جديدة. كذلك، فإن القرار يمنع وصول البضائع إلى الشمال، ما يهدد بتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة.
ورغم أنها تقدم كـ"خطة سلام"، لا تتضمن مبادرة ترامب أي إشارة واضحة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو مطلب أساسي ليس فقط لحماس، بل للمجتمع الدولي بأسره. وبدلا من ذلك، تركز الخطة على ترتيبات أمنية، ومجلس إدارة دولي للقطاع، في تجاهل واضح للتمثيل الشعبي والحقوق السياسية للفلسطينيين.كما تُرك توقيت انسحاب الجيش الإسرائيلي مفتوحا وفق مراقبين، دون جدول زمني محدد، مما يفتح الباب أمام استمرار الاحتلال بأشكال مختلفة، تحت غطاء "الضمانات الأمنية".
في المقابل، تطالب حماس بضمانات دولية حقيقية، تنص صراحة على الانسحاب الكامل من قطاع غزة، ووقف العدوان، ورفع الحصار، وعدم استخدام الخطة كغطاء لتهجير سكان القطاع أو نزع سلاح المقاومة دون مقابل سياسي حقيقي.
بين التهديدات والضغوط
وفي تصعيد جديد، منح ترامب حركة حماس مهلة من ثلاثة إلى أربعة أيام للرد على خطته، ملوحا بـ"مصير قاتم" في حال الرفض. هذا التهديد يعكس، كما يرى مراقبون، عمق انحياز الإدارة الأمريكية الجديدة للاحتلال، واستخدام لغة الإملاءات بدل الحوار.
لكن حماس، التي دفعت أثمانا باهظة خلال سنوات العدوان والحصار وقاومت الاحتلال لعقود طويلة، تؤكد أنها لن تتنازل عن الثوابت الوطنية، مهما بلغت الضغوط، وأن أي قرار تتخذه سيكون انطلاقا من مصلحة الشعب الفلسطيني أولا وأخيرا.
في ضوء المعطيات الحالية ووفق قراءات من خبراء، تبدو خطة ترامب أقرب إلى محاولة لفرض أمر واقع جديد، يُضعف المقاومة ويُعيد هيكلة غزة بطريقة تتماهى مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية.
عزل مدينة غزة
ميدانيا أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أمس الأربعاء، استكمال السيطرة على محور "نتساريم" وفصل مدينة غزة وشمال القطاع عن مناطق وسطه وجنوبه.
وقال كاتس في بيان له: "الجيش الإسرائيلي أكمل حاليًا السيطرة على محور نتساريم على الساحل الغربي لقطاع غزة، وقسّم غزة بين شمال وجنوب".
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في وقت سابق أمس الأربعاء، عدم السماح للفلسطينيين بالانتقال من جنوب ووسط قطاع غزة إلى شمال القطاع عبر شارع الرشيد الساحلي الذي كان يستخدمه الفلسطينيون.
وأبقى جيش الاحتلال الإسرائيلي على الشارع مفتوحًا في اتجاه واحد للانتقال من شمال القطاع لوسطه وجنوبه.وتحول هذا الشارع الضيق إلى ممر لمئات آلاف الفلسطينيين الذين اضطروا للانتقال من مدينة غزة إلى جنوب قطاع غزة، بعد اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي للمدينة.
ضمان أمن قطر
على صعيد متصل وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا تعهد فيه بضمان أمن قطر، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية إذا تعرضت لأي هجوم.يأتي ذلك بعد ثلاثة أسابيع من عدوان جوي إسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، استهدف اغتيال وفد حركة "حماس" المفاوض.
والأمر التنفيذي معنون بـ"ضمان أمن دولة قطر"، وموّقع من ترامب بتاريخ 29 سبتمبر الماضي، بحسب الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض.وقال ترامب في بداية الأمر إنه أصدره "اعترافا بالتحالف الراسخ بين الولايات المتحدة ودولة قطر".
وينص على أن "الولايات المتحدة تعتبر أي هجوم مسلح على أراضي دولة قطر أو سيادتها أو بنيتها التحتية الحيوية تهديدا لسلامها وأمنها (الولايات المتحدة)".و"في حال وقوع مثل هذا الهجوم، تتخذ الولايات المتحدة جميع التدابير القانونية والمناسبة، بما في ذلك التدابير الدبلوماسية والاقتصادية، والعسكرية عند الضرورة".وتهدف هذه التدابير إلى "الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة ودولة قطر، واستعادة السلام والاستقرار".
ويوجه الأمر التنفيذي "وزير الحرب (الأمريكي) إلى التنسيق مع وزير الخارجية ومدير الاستخبارات الوطنية، بشأن تخطيط مشترك للطوارئ مع دولة قطر، لضمان استجابة سريعة ومنسقة لأي عدوان أجنبي عليها".فيما يوجه وزير الخارجية إلى "تأكيد هذا التعهد لدولة قطر"، وأن "يُنسّق مع الحلفاء والشركاء لضمان تدابير دعم تكميلية".
كما يواصل وزير الخارجية "الشراكة مع قطر، كلما كان ذلك مناسبا، لحل النزاعات والوساطة، تقديرًا لخبرة قطر الواسعة في المجالين الدبلوماسي والوساطة".وأشاد الأمر التنفيذي بالعلاقات مع قطر، "فعلى مر السنين، ارتبطت الولايات المتحدة ودولة قطر بتعاون وثيق ومصالح مشتركة وعلاقة وثيقة بين قواتنا المسلحة".وتابع: "واستضافت دولة قطر قوات أمريكية، ومكّنت من تنفيذ عمليات أمنية حيوية، ووقفت حليفًا ثابتًا في السعي لتحقيق السلام والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط وخارجه"
وخصّ بالذكر "دورها كوسيط ساهم في مساعي الولايات المتحدة لحل النزاعات الإقليمية والعالمية الهامة".وترتبط قطر والولايات المتحدة بـ"اتفاقية تعاون دفاعي" وقعّها البلدان في جوان 1992.
وفي 30 سبتمبر الماضي، أعلن البيت الأبيض أن رئيس نتنياهو أعرب لنظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن أسفه على الهجوم على الدوحة، متعهدا بعدم تكراره.جاء هذا الإقرار بالذنب خلال اتصال هاتفي ثلاثي، جمع رئيس الوزراء القطري وترامب ونتنياهو أثناء استضافة الأخير في البيت الأبيض.
وفي 9 سبتمبر المنصرم، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوما جويا على قادة بحركة "حماس" بالدوحة، ما أدانته قطر وأكدت احتفاظها بحق الرد على العدوان الذي قتل فيه عنصر أمن قطري.فيما أعلنت "حماس" نجاة وفدها المفاوض بقيادة رئيسها بغزة خليل الحية، من محاولة الاغتيال، ومقتل مدير مكتبه جهاد لبد، ونجله همام الحية، و3 مرافقين.
وأثار العدوان الإسرائيلي على سيادة قطر إدانات عربية ودولية، مع دعوات إلى ضرورة ردع تل أبيب لوقف الاعتداءات التي تنتهك القانون الدولي. وجاء الهجوم على قطر رغم قيامها بدور وساطة، إلى جانب مصر وبإشراف أمريكي، في مفاوضات غير مباشرة بين "حماس" وإسرائيل، للتوصل إلى اتفاق لتبادل أسرى ووقف إطلاق النار.
وبهذا الهجوم وسعت ''إسرائيل'' اعتداءاتها إقليميا، إذ شنت في جوان، الماضي عدوانا على إيران، وترتكب منذ عامين إبادة جماعية بقطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وتنفذ غارات جوية على لبنان وسوريا واليمن.
تصعيد جرائم الحرب
من جهتها اعتبرت حركة "حماس" أن تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس التي صنف فيها الرافضين للنزوح من مدينة غزة "مقاتلين أو مؤيدين للإرهاب"، تمهد لتصعيد "جرائم الحرب" التي يرتكبها جيشه بحق مئات آلاف الأبرياء.
وقالت الحركة في بيان امس الأربعاء، إن تصريحات كاتس "تمثل تجسيدا صارخا للغطرسة والاستخفاف بالمجتمع الدولي وبمبادئ القانون الدولي والإنساني، وتمهيدا لتصعيد جرائم الحرب التي يرتكبها جيشه بحق مئات الآلاف من سكان المدينة الأبرياء، من نساء وأطفال وشيوخ".وأضافت أن "ما يرتكبه قادة الاحتلال الفاشي مجرمو الحرب بحق شعبنا في قطاع غزة، ولا سيما في مدينة غزة، يشكّل جريمة تطهير عرقي وتهجير قسري ممنهج، تُنفّذ بوحشية وعلى مرأى ومسمع العالم بأسره".
وأشارت الحركة إلى "تواصل العملية العسكرية الصهيونية الشرسة ضد مدينة غزة، عبر قصف المنازل على رؤوس ساكنيها، وارتكاب المجازر في مدينة غزة، والمناطق الوسطى والجنوبية بالقطاع".وطالبت "المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية بالتحرك الفوري لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة وغير المسبوقة، واتخاذ خطوات تردع كيان الاحتلال الإرهابي وتجبره على وقف جرائمه، وتدفع نحو تقديم قادته الفاشيين للمحاكمة على جرائمهم ضد الإنسانية".
ويوم أمس الأربعاء قال كاتس في بيان: "يُكمل الجيش الإسرائيلي حاليًا السيطرة على محور نتساريم على الساحل غرب قطاع غزة، ويقسم قطاع غزة بين شمال وجنوب".وأضاف: "سيشدد هذا الحصار على مدينة غزة، وسيجبر أي شخص يغادرها جنوبا على المرور عبر حواجز الجيش".
وأردف كاتس: "هذه فرصة أخيرة لسكان غزة الراغبين في الانتقال جنوبا وترك مسلحي حماس معزولين في مدينة غزة نفسها في مواجهة نشاط الجيش المستمر بكامل قوته"، زاعما أن المتبقين في غزة سيصنفون "إرهابيين أو داعمين للإرهاب".