بل يتركون وراءهم أثرا يضيء الطريق للآخرين. والفاضل الجزيري واحد من هؤلاء: مبدع عصيّ على التصنيف، يزرع في كل عمل بذرة دهشة، ويترك للجمهور فسحة تأمل في معنى الحرية والجمال.واليوم، ينغمس المخرج والكاتب حمادي المزي في تأليف كتاب عن الفاضل الجزيري أشبه بجسر بين الذاكرة والراهن، يُعيد تعريف الجزيري كما عرفناه على الخشبات وفي الشاشات، وكما عاشره أصدقاؤه وتلامذته وجمهوره...
من المنتظر أن تكون أيام قرطاج المسرحية 2025 هي الحاضنة لحدث صدور وتوقيع كتاب رجل المسرح حمادي المزي عن الراحل فاضل الجزيري الذي غادرنا في شهر أوت الفارط.
شهادة حب ووفاء ... وصدق
لم يكن القاسم المشترك بين حمادي المزي والفاضل الجزيري مجرد زمالة مسرحية أو لقاءات عابرة في الكواليس أو بعد العروض، بل سنوات من الحلم والجدل الفني والبحث الدوؤب عن ماهية المسرح.
ومن يعرف حمادي المزي لا يمكن أن ينكر حرص الرجل على مواكبة أيام قرطاج المسرحية منذ التأسيس إلى اليوم ، وعلى متابعة و أي حدث مسرحي أو عرض جديد بإمضاء المخرجين من مختلف الأجيال. لذلك فقد التقى الراحل فاضل الجزيري في تقاطعات فنية ومحطات فارقة سيرويها كما عاشها في كتابه الجديد. لن يكون هذا الكتاب سيرة عابرة ولا مجرد تأريخ لمسرحيات وابداعات، بل بوصفه شهادة حب ووفاء، ومحاولة لإعادة قراءة مسيرة فنان نحت اسمه في سجلّ المسرح والسينما بأحرف من تاج.
إن صدور كتاب عن الفاضل الجزيري من قبل حمادي المزي ليس مجرد عمل توثيقي أو تدوين سير ذاتية، بل هو فعل وفاء وإنصاف من خلال قراءة معمّقة في حياة المؤلف والمخرج والممثل، تسعى إلى أن تُضيء من جوانب الإبداع التي ربما ظلّت في الظلال.
صفحات مجهولة من مسيرة الفاضل الجزيري
في كتابه عن فاضل الجزيري لا شك أن حمادي المزي المعروف بعمقه المسرحي ورؤيته النقدية والفكرية، سيقدّم شهادة حيّة على جزء مهمّ من التاريخ المسرحي التونسي. والمؤكد أنه لن يكتفي بسرد مناقب الراحل أو سرد خطّي لمسيرة الجزيري، بل سيغوص في التحولات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي واكبها الجزيري وأثرّت بشكل أو بآخر في أعماله .
وهو ما أكده حمادي المسرحي في تصريح لـ "المغرب" قائلا: " لن يكون كتابي عن الفاضل الجزيري مجرد كتيب توثيقي بل سيكون كتابا ضخما يليق بالراحل وباختلافه وتفرده... توخيت في هذا الكتاب أسلوب الرواية تماما كما كان يفضل الجزيري الحكي والخرافة في سرد مضمون أعماله... حين أستعيد سيرة الفاضل الجزيري في كتابي، لا أراه فقط مخرجا لامعا أو ممثلا موهوبا أو كاتبا له أسلوبه الخاص بل أراه فنانا نادرا ومثقفا ذاق عذابات السجن ضمن "حركة آفاق برسبكتيف"... لقد عرفته في لحظات صعود وهبوط، في بهجة الانتصارات ومرارة الخيبات... وتابعت جميع أعماله في مختلف فترات حياته منها التي اشتهرت ومنها التي بقيت في الظل لأسباب يطول شرحها على غرار مسرحيته "لام"... سأتحدث عن الفاضل الجزيري بصدق شاهد عيان عرف ما لم يعرفه الكثيرون عن الفاضل الجزيري."
لا يخلو إعداد حمادي المزي لكتاب حول الراحل الفاضل الجزيري من تحديات لعل أهمها كيفية الموازنة بين الجوانب الفنية والشخصية، بين الحقيقة والرمزية... وفي انتظار صدوره، الأكيد أن الكتاب سيثري مكتبة أعلام تونس من المبدعين وسيكون مرجعا حيّا للتعرف على أحد أعمدة المسرح الحديث في تونس.