Print this page

في قصة "الطفل آدام" للكاتبة منيرة جوادي متعة الرحلة وتداعياتها

صدر عن دار القلم للنشر والتوزيع قصة "الطفل آدام

إرادة قهرت المستحيل "للكاتبة منيرة جوادي قصة كان عنوانها كعتبة أولى للتمعن والتفكر والتحليل و مدخلا لتحديد مكان أحداثها وأهم شخصياتها فآدام اسم غير عربي والبطل طفل وهذا ما سيشجع الطفل- القارئ على اقتناء هذه القصة وقراءتها والتمتع بأحداثها. طفل في مكان آ خر من المعمورة يشاركهم تطلعاتهم وأحلامهم وهو اختيار جديد لكاتبة تحركت في حقل جغرافي لا ينتمي اليه القارئ التونسي مثلا وهو الساحل الافريقي ووسط إحدى الغابات الكبرى مما يعطي للطفل- القارئ مساحات من التخيل والتفكر وإيجاد روابط نفسية وحضارية وثقافية مع طفل الأدغال وطفل الأراضي الأخرى المجهولة لديه. وما هي قصة هذا الطفل في هذه الأمكنة البعيدة ؟ وماهو هذا المستحيل الذي وقف حائلا أمام الطفل ليخوض معه صراعا وينتصر عليه ؟ وكيف حضرت الارادة؟ ومن غذاها؟ والانتصار مطلوب لشحن الطفل بطاقة ايجابية وهو القادم لحياة ستتشكل فيها

شخصيته بهذه الدوافع وهذه المعارك وهذه الساحات .
وهذا البطل المحب للمدرسة والتمدرس وقد حرم منها ليحمل الفأس ويختار الغابة والسوق و بيع الحطب و التنقل بين ورشات النجارين وأصحاب المصانع ويحاول والده تلقينه فن النجارة والتعامل مع الزبائن وحرمانه من مزاولة تعلمه وأخذ قسط من العلوم والمعارف بالمدرسة كأولى البوابات الحياتية التي ستزوده بالمهارات ليكون رجل الغد صاحب قلم ومهنة وأفق رحب بما ستمكنه المدارس من أدوات علمية ومعرفية وآليات للتخاطب والتفاعل.
والقارئ- الطفل سيلوم أولياء البطل الذين حرموه من مزاولة التعلم وهكذا سيفهم من يلج القصة متعاطفا مع البطل ليكتشف أن الطبيعة التي أحب فيها جبالها الشامخة وأشجارها و "يتابع كعادته الانسياب الجميل لأجساد الخطاف اللامعة تحت أشعة الشمس وهي تغمر الفضاء الشفاف ويستعذب زقزقة كانت تتخلل هدوء المكان فتملئ الكون حبورا وبهجة" وكان دائما يتأمل الطبيعة الغناءة متابعا جيدا للفضاء كمرور الحمائم البيض" وهي تسبح في الفضاء متمايلة بأجنحتها المنبسطة ."
هذه الطبيعة التي حضر فيها الحيوان كالسناجب والأفاعي وعواء الذئاب والأرانب والخطاطيف والسباع حضرت الشجرة بقوة لدى البطل فهذه شجرة التوت التي طالما جلس وحيدا تحتها و اتخذها مكانا مفضلاأوقات القيلولة كما كان يحب السير في طريق تحفها الأشجار من الجانبين وهذه الشجرة التي أوته في مغامرته اذ يقول النص" فتخير شجرة كثيفة الأغصان والاوراق ليقضي عليها ليلته عل علوها يحميه من بطش السباع".
هذه الطبيعة التي أحبها وسكنته وتفاعل معها هي من اقلقت مضجعه وحرمته من التمدرس في واديها هذا الجاثم على قلبه وتفكيره بعمقه وبطوله الذي كان حاجزا طبيعيا بين المدرسة ومسكنه وبين تعلمه وجهله بين ذلك العالم الذي أحبه وعالم الفؤوس والجذوع والنجارين والورشات الذي يحياه وسيكون مستقبله الذي ما فتئ يرفضه رغم نداءات والده وتعليمه هذه المهنة الا أ ن خياله كان طواقا للأعالي خيال جميل وحلم يراوده في منامه وفي يقظته أن ينتصر على هذا الوادي وحجارته الصلبة وعمقه وطحالبه وهذا الحلم راودكل الأهل ومتساكني غابته لكنهم تخلوا عنه وضعفوا ليواصل مسيرته المظفرة والتي انطلقت مع حلمه الاول الذي تحول الى كابوس أقلق والديه ليرفع التحدي الذي رافقته الارادة الحديدية التي شهد بها له كل الناس عائلته وأصدقائه فأكبرالأصدقاء فيه روح القوة والتحدي وتمكن منهم الحلم ذات لحظات واجتهدوا في تحقيقه لكن الهمم تختلفوا فاستسلموا في لحظة ضعف ليواصل البطل المشوار بدفع معنوي مميزا من عائلته فهذه الأم قالت له" أنت الأقوى يا بني أنت قوي بحسن سيرتك وحكمتك وشجاعتك" وهذا والده اعتبره رغم" حداثة سنه رجلا مقداما وصاحب رأي سديد"
وصاحبته في هذه الرحلة روح الانتصار المرتقب وإيمانه بقدرات الفعل على الانجاز والارادة التي تسري في شرايينه والشهامة والاقدام جعلاه عظيما كما قال عنه الطائر بعد أن أدى كل محاولاته التي بائت بالفشل وانتهت حلول الفتى طلب من الأرض والسماء معجزة وكانت له نظرا لاجتهاده ومثابرته لكن الوادي انتصر عليه وبما أنه رفض الاستسلام والهزيمة والاعتراف بها عدة مرات استمعت له الطبيعة ومكنته من المعجزة انطلقت عند فك رباط عصفور صغير تحول بعد ذلك لطائر ضخم ثم عفريتا مساعدا له في رحلة الانتصار والتحدي لجلب لؤلؤة أرجعت الحياة للنصف السفلي لصديقه بعد سقوطه وعجزه عن المشي و ردمت الوادي ووهبته جنة بجانبه .
صاحب النص عدة رسائل أولها أ ن الطفل بإمكاني إحداث الفرق في عدة مسائل وقضايا وهو مثال آدام في هذه القصة ثانيها العلاقات الأسرية كالحب الذي غمر هذه العائلة والتي تقاسمت القبلات والاحترام والتشجيع على الفعل رغم القلق والحيرة لدى الأم في مسيرة هذا البطل الصغير الذي افتخروا به وبمنجزه ثالثا الصدقات الصادقة والحميمية بين الأصدقاء والوعد الذي قطعه مع صديقه رابعا أهمية العمل الجماعي والتعاون والروح الواحدة.
خامسا حب الطبيعة والتفاعل معها والاستمتاع بها.

بقلم" طترق العمراوي 

 

المشاركة في هذا المقال