Print this page

فضيحة تسريبات تهز كولومبيا وتُشعل توترا سياسيا مع أمريكا

في مشهد يعيد إلى الأذهان حقبة الانقلابات المبطنة والتدخلات السياسية

العابرة للحدود، فجّرت صحيفة ''الباييس'' الإسبانية قنبلة إعلامية بنشرها تسريبات صوتية تُنسب لاجتماع بين وزير الخارجية الكولومبي السابق، ألفارو ليفا، وشخصيات محسوبة على الحزب الجمهوري الأمريكي، تتداول خطة للإطاحة بالرئيس الكولومبي غوستافو بيترو خلال عشرين يوما. هذه التسريبات – التي لم لم يتم نفيها رسميا حتى الآن – عمّقت فجوة عدم الثقة في الداخل الكولومبي، وفتحت بوابة توتر متصاعد مع واشنطن، خاصة في ظل نفي برلمانيين أمريكيين بارزين أي علاقة لهم بما ورد.

ووفق التسجيلات المسرّبة، التي لم يُكشف بعد عن مصدرها الكامل أو صحتها التقنية من جهة محايدة، تظهر نقاشا مفترضا بين ألفارو ليفا ومسؤولين أمريكيين مقرّبين من الرئيس السابق دونالد ترامب، ضمن ما وُصف بأنه ''مشروع بديل'' لتغيير السلطة في كولومبيا.وحسب ما ورد في التسجيل فان الخطة تستهدف إزاحة الرئيس بيترو – أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا الحديث – خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع.
وعلى الرغم من خطورة المحتوى، فإن ما زاد المشهد احتقانا هو ذكر أسماء سياسية بارزة في الحوار، بينها النائبان الجمهوريان ماريو دياز وكارلوس أنطونيو، ونائبة الرئيس الكولومبي نفسها، فرانسيا ماركيز.

نفي أمريكي

وفي إطار ردود الأفعال فقد سخر ماريو دياز من ورود اسمه، واصفا الأمر بـ''المضحك''، واعتبر ما نُشر محاولة لتشويه سمعته عبر تلفيقات.أما كارلوس أنطونيو، فذهب إلى ما هو أبعد، حيث استغل الحادثة لتجديد انتقاداته اللاذعة للرئيس بيترو، قائلا: ''لست بحاجة لتسجيلات أو خطط لأعارض سياسات هذا الرئيس... أنا أفعل ذلك علنا كل يوم''.
في المقابل، التزمت الإدارة الأمريكية الصمت الرسمي حتى اللحظة، ما زاد الشكوك في الأوساط السياسية والإعلامية في كولومبيا، خصوصا في ظل تصاعد موجات اليمين الشعبوي في أمريكا اللاتينية، بالتوازي مع محاولات التأثير السياسي الأمريكي غير المباشر.
في خطاب حازم، دعا الرئيس غوستافو بيترو نائبته فرانسيا ماركيز إلى تقديم توضيح علني وقضائي بشأن ورود اسمها في التسريبات، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لاحتواء الغضب الشعبي وتأكيد النزاهة المؤسساتية.ونفت ماركيز بشكل قاطع أي علاقة لها بما ورد، مؤكدة احترامها الكامل للدستور ولشخص الرئيس، وقالت: ''محاولات التشكيك لن تُثنيني عن التزامي تجاه كولومبيا وديمقراطيتها ''.
ووفق مراقبين فإن اللافت أن الشخص المحوري في التسريبات – وزير الخارجية السابق ألفارو ليفا – التزم الصمت التام، رافضا الإدلاء بأي تعليق أو نفي، رغم تصاعد الضغوط عليه من سياسيين ومرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2026.ويُثير هذا الغياب اللافت تساؤلات واسعة، ويعزّز من فرضية وجود تواصل فعلي – وإن كان غير رسمي – مع جهات أمريكية معارضة لحكومة بيترو.
وتضع هذه الفضيحة كولومبيا أمام مفترق طرق ، فمن جهة، يُنذر الحدث بانفجار أزمة داخلية قد تهز استقرار التحالف الحاكم، خاصة إذا ثبتت صحة التسجيلات أو تورط شخصيات رسمية. ومن جهة أخرى، تُعيد التسريبات إلى الواجهة سؤالا قديما متجددا: إلى أي مدى ما تزال الولايات المتحدة – أو أطراف منها – تتدخل في شؤون أمريكا اللاتينية؟
ومع غياب موقف رسمي من البيت الأبيض، واحتدام الاستقطاب الداخلي في واشنطن، يبدو أن إدارة ترامب تُفضّل البقاء على هامش المناورة، خاصة في وقت يواجه فيه ساكن البيت الابيض جدلا متناميا حول سياسته الخارجية.

المشاركة في هذا المقال