إلا أن حالة الترقب مازالت تسيطر علي الدوائر الدبلوماسية وكذلك الإعلامية ، ومن غير المتوقع أن يصل المجتمع الدولي في القريب العاجل إلى مرحلة يقين كامل بإستدامة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. وإمتدت تلك الضبابية إلى مراكز الفكر في تل أبيب ، وعكسته مقالة نشرها معهد دراسات الأمن القومي INSS للباحث المتخصص في الشأن الإيراني " راز زيمت " ، الذي استهل مقاله بالإشارة إلى أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران هو وقف إطلاق نار هش ، إلا أن فرص إستمراره مرتفعة رغم التحديات ، وأن علي إسرائيل أن تشعر بالرضا علي نتائج الحرب الأخيرة ، فحتى وإن كانت إيران ما تزال تحتفظ بمخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة وهي النسبة التي كانت تملكها قبل الحرب ، وقد تكون نقلته إلى مواقع أخرى سرية - فإن برنامجها النووي قد تعرض لانتكاسة كبرى من أبرز ملامحها تضرر منشآت التخصيب في نطنز وفوردو ، ومقتل أكثر من 10 علماء نوويين بارزين ، وأن على إسرائيل أن تعمل على تحويل النتائج العسكرية إلى ترتيبات سياسية طويلة الأمد تضمن الحفاظ دبلوماسياً على ما تحقق عسكرياً .
ولم تكن كل آراء 'زيمت' -الذى عكسها في مقاله - متزمتة بقدر ما يُعبر جانب منها عن آراء من هم خارج حكومة اليمين المتطرف وجانب آخر يعكس التوجهات البنيامينية ، وقد ركز على أهمية التوصل لإتفاق نووي جديد ولكن بشروط مُحسنة - وعلى رأسها رقابة أكثر تشدداً علي البرنامج الإيراني - وأشار أيضاً إلى أن إيران ستعتبر أنها انتصرت في الحرب من خلال التركيز على حجم الدمار الذى ألحقته بإسرائيل -مادياً وبشرياً - وتوظيف ذلك لإبراز فكرة صمود إيران أمام إسرائيل . مؤكداً على سعي النظام الإيراني للحفاظ على 3 إنجازات استراتيجية / عملياتية رئيسية ، وهي بقاء النظام ، والحفاظ على البرنامج النووي، وبقاء البنية التحتية الاستراتيجية ( أنظمة الصواريخ - شبكات الاستخبارات - وقدرات القيادة والسيطرة ) ، واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه على الرغم من الضربة القوية للبرنامج النووي ، فمن غير المرجح أن تتخلي طهران عن طموحاتها النووية ، على العكس ، من المحتمل أن تزداد عزيمتها في المضي قدماً نحو امتلاك سلاح نووي، وستطالب القيادات العسكرية الإيرانية بتعزيز القدرات الصاروخيّة .
وفيما يتعلق بتحركات بما بعد الحملة ضد إيران ، فإن وجهة نظر ' زيمت ' بإعتباره متخصص في الشأن الإيراني أنه يجب على تل أبيب أن تُخطط لصراع طويل الأمد مع إيران سواء من خلال عمليات عسكرية أو تحركات سرية ( ربما بتنسيق مع واشنطن ) وجهوداً متواصلة للحفاظ على المكاسب ، ومنه طهران من إعادة تأهيل بنيتها النووية ومنعها من استغلال القدرات المتبقية لتحقيق تقدم بإتجاه إمتلاك السلاح النووي ، ويعكس حديث ' زيمت ' وجود قطاع كبير من الباحثين غير متقبلين فرض سيناريو التهدئة ولديهم حالة إنكار أن التهدئة كانت في مصلحة الداخل الإسرائيلي الذي لا يدرك حتى الآن حجم الخسائر التي تكبدها الإقتصاد الإسرائيلي. ويعيش الساسة في دولة إحتلال أسرى عقيدة ' مناحم بيغين ' الحاكمة لتعامل إسرائيل مع أو تهديد نووي وأنه لا قبول لحصول - دولة معادية لدولة الإحتلال - على سلاح نووي يهدد وجود ' الكيان ' ، وتروج الدوائر السياسية لأن الحملة العسكرية ضد إيران تأتي في سياق الالتزام بعقيدة ' بيغين ' منذ بدء تطبيقها في 1981 بتوجيه ضربة ضد المفاعل النووي العراقي وفي 2007 ضد البرنامج النووي السوري .
هذا ، وقد نشرت صحيفة " يديعوت أحرونوت " واحدة من أبرز مقالات الرأى - خلال الأيام القليلة الماضية - حول الأسئلة التي لا تزال بلا إجابة لـ'رونين بيرجمان' ، الذى يشير في مقاله إلى أنه على الرغم من تحقيق إنجازات كثيرة ، ولكن إذا تم مقارنة النتيجة الفعلية بالتصريحات السياسية - خصوصاً تصريحات وزير الحرب- وتصريح رئيس الوزراء بأن " إسرائيل أزالت تهديدين وجوديين مباشرين ' فتبدو الحقيقة - وفقاً لمقال احرونوت - أن إسرائيل تخلت عن إستكمال أهدافها ، التي ربما لم تكن قابلة للتحقيق أصلاً ، خاصة وأن سقف التوقعات رُفِع عالياً . كما أشار المقال الى أنه لا توجد إجابات مثل هل تستطيع شعبة الاستخبارات في الجيش أن تؤكد -بدرجة عالية من اليقين- أن كل العناصر الحرجة التي قُدمت كتبرير للعملية قد توقفت تماماً !؟ ويضيف الكاتب مستنكراً ''وكما كان متوقعاً ، لم نتلق إجابة ، ومن غير الواضح ما إذا كانت هناك إجابة أصلاً ''.
ويبدو أن النهج البنياميني في التعاطي مع الملفات الخارجية يرتكز علي الكلمات الرنانة والتباهي بالضربات العسكرية المتنوعة في عدة جبهات لإنقاذ مستقبله السياسي .
بصرف النظر عن التقديرات حول واقع ومستقبل الأوضاع بين إسرائيل وإيران ومدى الضرر الذى لحق بكل طرف ، لا يفوتنا الإشارة الى ان وزير الحرب الصهيوني اعطى أوامر إلى قادة الجيش بإعداد خطة تنفيذية ضد إيران في أعقاب الحرب التي استمرت 12 يومًا، وأن الخطة تتضمن الحفاظ على التفوق الجوي لإسرائيل ومنع التقدم النووي وإنتاج الصواريخ لإيران، وتشمل كذلك تجهيز رد على إيران مما يعني ان الهدنة بين دولة الاحتلال وايران مؤقتة في سياق حرب طويلة المدى تدار بأشكال عديدة.