Print this page

المواطن البيئي ومشروع المجتمع

تعد المواطنة البيئية الحلقة المفقودة في منظومتنا حيث لا يجدي

تنفيبذ كل لاسياسات والمبادرات البيئية الرسمية دونما انخراط مواطني طوعي يقوم على استبطان المسؤولية الفردية والجماعية وتملك العمومي المشترك ومن ثم الإلتزام بحماية المقدرات الطبيعية والوطنية.
وهذه الحلقة المفقودة ، المطلوبة لتنفيذ مشروع مجتمعي قائم على الاستدامة ولارفاه المشترك، تفرض توجها وطنيا استراتيجيا جماعيا لإعادة تشكيل الوعي المدني لدى أفراد المجتمع وتنشئة التونسيين على ثقافة المواطنة، والمشاركة والفعل الإيجابي الطوعي الداعم لتنمية الملك المشترك وتحصينه وتعزيزه.
وتهدف المواطنة البيئية بصفة عامة إلي غرس مجموعة من القيم والمبادئ والمثل لدى أفراد المجتمع صغارا كانوا أم كبارا، لتساعدهم في أن يكونوا صالحين وقادرين على المشاركة الفعالة والنشطة في كافة قضايا البيئة و مشكلاتها وبذلك يتطور مفهوم المواطنة ويصبح له مدلول اشمل يتعدى كون الإنسان مواطنا داخل وطنه فقط، إلي كونه عضوا نشيطا وفاعلا وسط المجتمع البشري ككل، أي أن عليه واجبات تجاه العالم كله مثلما له واجبات نحو وطنه، بالتالي يصير مواطن ذو صبغة عالمية يحمل على عاتقه مسؤولية أوسع نطاقاً نحو بيئته ككل، وبذلك يصبح مفهوم المواطنة البيئية والسلوك البيئي الصحيح ضرورة وجودية لبقاء الإنسان وليس مجرد رغبة أو شعار، له أن يختاره أو يرفضه
تعرف المواطنة البيئية بأنها العلاقة الصحية بين المواطن والبيئة والمحيط الحيوي، وهي العلاقة أو الوضع المحدد للإنسان "المواطن" في رقعة جغرافية مع الفضاء العام أو المشترك. كما تعرف المواطنة البيئية بأنها سلوك المواطنين المؤيد للبيئة والمدافع عنها، ليشاركوا في المجتمع كعوامل للتغيير.
يوضح الخبراء أن ركائز المواطنة البيئية هي الحرية والمشاركة والمسؤولية والمساواة. ويعرف المفهوم بأنه السلوك والحياة الصحيتين للبيئة. وتستلزم –بحسب كارا- مشاركة المواطن في وضع السياسات البيئية واختيار الإجراءات المستدامة وطاعة التشريعات البيئية وتعزيز الترتيبات المستدامة، بالإضافة إلى أنها كل أنشطة المواطن نحو الانتقال إلى الاستدامة، وتستلزم العمل وفق الوسائل الديمقراطية والمدنية – على حد تعبيره.

ويعرف كارا المواطن البيئي بأنه من يمارس حقوقه وواجباته البيئية، مع المقدرة على تحديد الأسباب الرئيسية للتدهور والمشاكل البيئية، والاستعداد للمشاركة الحاسمة والنشطة لعلاج مشاكل البيئة.
ويعدد أهداف المواطنة البيئية بأنها تحسين السلوك البيئي اليومي للمواطنين بما يعزز صحة البيئة ويحميها، والسعي لإكساب المواطنين المهارات اللازمة التي تساهم في الإصلاح البيئي والتنمية المستدامة، والعمل على حماية البيئة من مخاطر المشاريع الاستثمارية التي تلحق الضرر بالبيئة، والسعي لنشر المعرفة والخبرات بين الجهات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالبيئة.
نحن والبيئة.. علاقات وقضايا
مع تطور مفاهيم البيئة والتوعية بها، أصبح الحفاظ على البيئة مسؤولية الأفراد والمجتمعات وواجب من واجبات المواطنة.
وفي هذا الإطار، يفيد الخبير البيئي إسماعيل الجزولي، بأن الاهتمام بالبيئة "مسؤولية الجميع"، فمثلما ينظف الإنسان منزله الخاص ويحافظ على مستويات الصوت منعًا للضجيج، فإنّ نظافة الشوارع وتهيئة البيئة المدرسية من حيث الزراعة والتهوية ومعرفة كيفية التخلص من النفايات مشمولة –بحسب الجزولي- في سلوك المواطن البيئي.
ويتابع قائلًا: "المواطنة البيئية هي سلوك، فكل فرد يعمل في مصنع على سبيل المثال تقع على عاتقه مسؤولية أخلاقية في المحافظة على نظافة المكان". ويضيف: "تتحمل الحكومات جزءًا من المسؤولية البيئية بتسهيل الإجراءات، لكن المواطنة البيئية هي مسؤولية تضامنية". وضرب الجزولي مثالًا بأنه في حالة وجود ورشة عمل، يأتي كل فرد بسيارته الخاصة، في حين أنه يمكن أن تركب مجموعة مع بعضها للتخفيف من الانبعاثات الحرارية، والأفضل ركوب القطارات والباصات والمشي – برأيه.
ويستطرد في الحديث قائلًا: "نجد بعض الناس في المنازل، يجلس كل واحدٍ في غرفته ويشغل المروحة ويستهلك الكهرباء المدعومة من الدولة"، منوهًا بضرورة الانتباه إلى السلوك الاستهلاكي وتغييره، وإطفاء الأجهزة الكهربائية عند الخروج من الغرف كسلوك حضاري وبيئي، ومؤكدًا ضرورة الاستغلال الأمثل للطاقة والمياه وعدم هدرهما، وينطبق الحديث –في نظر الجزولي- على الخرطوم والولايات.
ويحذر الجزولي من إلقاء بواقي الأطعمة والمشروبات في الشارع العام، موضحًا: "يعتقد كثير من الناس أن تنظيف هذه البواقي هي مسؤولية الحكومة، لكن يجب وضعها في المكان المخصص لها".
من أجل مشاركة بيئية فاعلة

تولي المواطنة البيئية اهتمامًا كبيرًا بغرس الوعي داخل الفرد من أجل الحفاظ على البيئة المحيطة به، والمحافظة عليها من أضرار التلوث المختلفة. وتسعى المواطنة البيئية إلى زراعة القيم والمفاهيم البيئية لدى الأفراد، بغض النظر عن العمر أو اللون أو الجنس، من أجل القيام بدور فاعل ونشط في المحيط الجغرافي الذي يعيشون فيه.
ويرتبط مفهوم المواطنة البيئية بمفهوم الوطنية والانتماء إلى الوطن والأرض عبر المساهمة في حماية البيئة من المهددات والمخاطر المختلفة، وبالتالي تعزز مفهوم الوطنية لدى الفرد، وتخلق لديه وعيًا بيئيًا إيجابيًا مؤثرًا وفاعلًا في المجتمع.
يقول مستشار العناية بالبيئة واستدامة التنمية الدكتور عيسى عبداللطيف، إن قضية تحقيق المواطنة البيئية تتعلق بوعي المواطن والتزامه نحو الوطن، مشيرًا إلى أن المفهوم يشمل المشاركة والمسؤولية والسلوك، مبينًا أن المقصود هنا هو السلوك الصديق للبيئة. وأضاف "يجب أن يكون سلوك الإنسان وممارساته اليومية صديقة للبيئة، ويكتسب هذه الممارسات من خلال الوعي ومعرفة التطبيقات الصحيحة، من أجل بيئة سليمة".
لتحقيق مفهوم المواطنة البيئية لا بد من اتخاذ عدة خطوات، يجملها عبداللطيف في نشر الوعي والثقافة البيئية، وربطها بموضوع الوطنية والمشاركة والمسؤولية، ومعرفة الحقوق والواجبات، بالإضافة إلى حرية الأفراد ومشاركتهم في البيئة.
ويشير مستشار العناية بالبيئة إلى دور المرأة الفاعل في القضية، بالقول إنه لا بد من توعيتها وتثقيفها بقضايا البيئة، لجهة أنها "أشد التصاقًا بالبيئة المحلية والتربية"، وبالتالي لا بد من التركيز عليها –في رأيه.
كما أوصى بالاهتمام بالبيئة، معللًا بأن أيّ مجهود يبذل في البيئة ينعكس إيجابيًا على المديين القصير والبعيد، مشيرًا إلى أنّ الوقاية خير من العلاج ومن الأفضل للأفراد الاستثمار في الوقاية، لأن ما يتعلق بالبيئة، ينعكس على الأفراد والأسرة والمجتمع ككل -على حد تعبيره.
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم المواطنة البيئية يرتقي بالفرد للمشاركة الواسعة مع عموم الجنس البشري على كوكب الأرض، عبر الاهتمام بالوطن وبيئته، وبالتالي غرس قيم وسلوكيات تجاه البيئة يمارسها الفرد، أينما وُجد.
التربية البيئية
التربية البيئية عبارة عن جانبٍ من جوانب التّربية الذي يُساهم في مُساعدة البشر للعيش بنجاح على الكرة الأرضيّة، كما أنّها عمليةُ تعلُّم أسلوب إدارةِ وتحسين علاقة الإنسان بيئته، وعُرّفت أيضاً بأنّها مجموعةُ اتجاهات ومعارف وقيم تستلزم فهم العلاقة التّبادليّة ما بين المُتعلّم والبيئة المُحيطة به، حيث تحكم سلوكَه، وتُثير اهتمامَه ومُيوله، فيُحاول الحرصَ على صيانتها، والمُحافظة عليها، لأجله أولّاً ثم من أجل مُجتمعه.

عُرفت التربية البيئية بأنها عبارةٌ عن طريقةِ إعداد الإنسان من أجل التّفاعل النّاجح مع البيئة، وما تتضمّنه من موارد مُتعدّدة، وذلك من خلال إكسابه المعرفة البيئيّة التي يستطيع من خلالها فهم العلاقات التّبادلية بين الإنسان وعناصر البيئة المُحيطة، والعلاقة ما بين هذه العناصر مع بعضها البعض، بالإضافة إلى تنمية المهارات الإنسانيّة التي تُساهم في تطوير الظُّروف البيئيّة للأفضل.

نستنتج مما سبق أنّ التربية البيئيّة هي وسيلةٌ من الوسائل التي تُحقّق أهداف حماية البيئة وصيانتها، وتُشكِّل بُعداً مهمّاً من أبعاد التّربية الشّاملة والمُستديمة لتعديل سلوك الإنسان، وتنميته إيجابياً لإعداده للحياة وتكيفه معها، وتطبيعه اجتماعياً مع وسطه الذي يعيش فيه مع بيئته الطّبيعية جنباً إلى جنب.

أهمية التربية البيئية
تكمن أهمية التربية البيئية في عدّة مُبرّرات، وهي على النحو التالي:
• التّزايد المُستمرُّ لمشاكل البيئة، وتفاقمها، وزيادة تعقُّدها مع مرور الزّمن، مثل: الثّورة العلميّة والتكنولوجيّة؛ حيث استفاد منها الإنسان، ولكن نتجت عنها آثارٌ خطيرةٌ ومُدمِّرةٌ للبيئة.
• تدارك الوضع البيئيّ الحاليّ، واتخاذ أفضل التّدابير التي تستلزم تنمية العلاقات الإيجابيّة بين الناس والبيئة، وما بين عناصر البيئة المُحيطة، وزيادة الوعي والخبرة لدى الإنسان في معرفة آثار المُخلّفات التّكنولوجيّة والصّناعية على البيئة.
• حاجة النّاس إلى تربية بيئيّةٍ ليستطيعوا فهم الوظائف الأساسيّة بواسطتها للوصول إلى إنتاج الغذاء، وإيجاد الماء، وحماية أنفسهم من تقلُّبات الطّقس.

أهداف التربية البيئية
• إطلاع الناس أفراداً ومجموعات، وتعريفهم ببيئتهم، وما تحتويه من أنظمةٍ بيئيّة، وتفهيمهم العلاقةَ المُتبادَلة بين مُكوّنات البيئة الحية وغير الحّية، واعتماد كلُّ مكوّن على الآخر.
• مُساعدة الناس لإكسابهم وعياً بالبيئةٍ الكلّية من خلال توضيح المفاهيم البيئية، والعلاقة التّبادلية بين الإنسان والبيئة، بالإضافة إلى تنمية الفهم بعناصر البيئة، وكيفية صيانتها، واستغلالها الأمثل بواسطة توعيتهم بكيفيّة التّعامل الإيجابيّ مع البيئة .
• إظهار الأهمية الكبيرة لمصادر الطّبيعة؛ حيث تعتمد جميع النّشاطات البشريّة عليها منذ بداية نشوء الإنسان حتى وقتنا الحاضر.
• إظهار الآثار السّلبية لسوء استِغلال مَصادر الطّبيعة، وما تترتّب عليها من نتائج وآثار نفسيّة، واجتماعية، واقتصاديّة، للعمل على تفاديها.
• تصحيح الاعتقاد بأنّ مصادر الطّبيعة مُستمرّةٌ وثابتةٌ ولا تنضَب.

 

المشاركة في هذا المقال