Print this page

الانعكاسات السياسية والاقتصادية لخفض التصعيد في الشرق الأوسط

أعلن دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، عبر منصة "تروث سوشيال" أنه

تم التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي بين إسرائيل وإيران على وقف شامل وكامل لإطلاق النار ، وإستفاض في كيفية تطبيق وقف إطلاق النار وشرح من سيبدأ بوقف إطلاق النار أولًا ( إيران ) ثم بعد مرور 12 ساعة ستبدأ ( إسرائيل ) وقف إطلاق النار، وعند الساعة 24 سيتم إعلان النهاية الرسمية لـ"حرب الـ12 يومًا" باحتفاء عالمي. وخلال كل مرحلة من وقف إطلاق النار، سيلتزم الطرف الآخر بالسلم والاحترام، وأنه بناءً على افتراض أن كل شيء سيتم كما هو مخطط له -وهو ما سيحدث- وجه تهنئة للطرفين إسرائيل وإيران، على امتلاكهما القدرة، والشجاعة، والذكاء لإنهاء ما يجب أن يُطلق عليه "حرب الـ12 يومًا" وأنها كانت حربًا كان يمكن أن تستمر لسنوات، وتدمّر الشرق الأوسط بأكمله، لكنها لم تفعل، ولن تفعل أبدًا ، وأنهى تدوينته بالدعاء والصلاة .

والحق يقال أن الوقت الذي يخصصه ترامب للكتابة كان من الأجدى أن يوظفه في كبح جماح بنيامين الذى تعمد جره إلى حلول عسكرية ويعمل حتى الآن على إجهاض المسارات الدبلوماسية المحتملة. ونجح بنيامين في جعل ترامب الأداة الأقوى في تنفيذ أهدافه الهجومية ضد إيران.
ويبدو أن تبادل الصلوات يسير علي نهج تبادل الأدوار ، وشهدت زيارة نتنياهو لحائط المبكى ( البراق ) قبل يومين تلاوته صلاة خاصة من أجل سلامة الرئيس ترامب " الذي وقف إلى جانب إسرائيل في حربها ". ومن الواضح أن الرأي العام في دولة لا يهتم لحجم الضرر الذى أحدثته الضربة الأمريكية على موقع فوردو المحصن بقدر أن واشنطن نفذت تعهدها بعدم السماح لإيران بإمتلاك قدرات نووية وأنها جددت التزامها بتحالفها الاستراتيجي مع ' إسرائيل '.

ويبدو أن أجواء العزف لترامب في دولة الإحتلال تتخطى النطاق الرسمي ، فالإعلام الذي إنقلب عليه عند بدء جولات المفاوضات مع إيران ، يتغنى حالياً بما يفعله لصالح إسرائيل ، وكتب " نحوم برنياع " مقالاً في صحيفة ' يديعوت أحرونوت' يحمل عنوان 'حان الوقت لإعلان النصر والانسحاب' واستعرض فيه تعامل نتنياهو مع الملف النووي سابقاً وحالياً ، وأن أداء نتنياهو فترة أوباما لم يكن جيداً وأخطأ حين سعى لإفشال الإتفاق النووي من وراء ظهر أوباما ، وأخطأ حين ضغط علي ترامب - فترة ولايته الأولى- للانسحاب من الاتفاق النووي JCPOA دون طرح بديل . وعلى الرغم أن تقييمات كاتب المقال تأرجحت بين الانتقاد ثم الإشادة النسبية ، فإنه شكك في وجود خطة واضحة لدى ترامب تسمح بالخروج من مأزق إيران كما يحدث في غزة لأنه يعلم كيف يبدأ ولكن يعيبه أو يجد صعوبة في إنهاء الأمور.
ويمكن القول أن نتنياهو تجاوب مع ضغط ترامب لوقف إطلاق النار ، من أجل توظيف الضربة الأمريكية ضد البرنامج النووي الإيراني إلى نصر سياسي لصالح شعبيته في الداخل ،وتصوير نفسه كزعيم تاريخي حمى كيان الاحتلال من قنبلة نووية إيرانية .
هنا نشير الى ما كتبه د. أحمد الباز علي صفحته على منصة " فيسبوك "منتقداً ما يحدث من تقزيم للشأن الدولي ، وأن ما نعيشه من خطوة للأمام وخطوة للخلف بقيادة ترامب خطير؛ ووصفه بأنه خطير للغاية؛ ولا يمكن بناء أي استجابة ولا سياسة على أساسه؛ ويجعل الجميع في منطقة رمادية ، وما يبدو فكاهياً يحمل في طياته مخاطر مرتفعة الحدة؛ ويجعل العالم مشلولاً، فلا أحد لديه القدرة على بناء استجابة ولا سياسة؛ والأسواق العالمية مرتبكة ما تصعده صباحاً تخسره مساءً والعكس. وذهب د. الباز فى تشريحه لدور رئيس مزاجي في تسيير الشؤون الدولية إلى حد وصف ما يجري حالياً بأنه "حالة نادرة الحدوث في التاريخ المعاصر من تسيير شؤون العالم وفقاً للحالة المزاجية؛ مع الكثير من التناقضات وعدم الوفاء بالعهود؛ والاعتماد على التغريدات بدلاً من الاتفاقات الملزمة؛ ونتيجة كل ذلك تفشي حالة لا يقين ولا ثقة غاية في الخطورة "؛
تفاعلاً مع إنخفاض حدَّة التوترات الجيوسياسية، شهِدت الأسواق المالية العالمية ارتفاعًا ملحوظاً أمس 24 جوان ، وتراجعت أسعار النفط بعد إعلان الرئيس ترامب وقفًا تامًا وشاملًا للحرب بين كيان الاحتلال وإيران، وتراجعت أسعار الطاقة مع استبعاد إحتمالية تعطل الإمدادات عبر مضيق هرمز وانخفض سعر خام برنت بنسبة 9٪؜ توقف عند سعر 69 دولاراً ، والتفاعل الإيجابي من المستثمرين دفع مؤشرات الأسواق العالمية للارتفاع. وتتطلع الأسواق المالية التي تشهد إنتعاشة حذرة إلى استدامة انخفاض التصعيد بين إيران و"إسرائيل". ويمكن القول أن من أبرز المقومات الجيو-سياسية وإقتصادية للشرق الأوسط ان لديه معطيات جغرافية ( مضايق ومنافذ بحرية ) تؤثر بشكل كبير على الإقتصاد العالمي ومسارات الإمداد .

هذا ، وقد تذهب التطلعات لاستدامة وقف النار مع الرياح ، حيث أمر وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس جيش الاحتلال بتنفيذ ضربات جوية على طهران، ردًا على إطلاق إيران صواريخ باتجاه شمال الكيان.
وفي المقابل فقد حذّر مقال في صحيفة "هآرتس" من مخاطر الانزلاق نحو حرب طويلة الأمد، الأمر الذى قد يُفضي إلى انهيار الجبهة الداخلية، وتوقف عجلة الاقتصاد، وازدياد العجز المالي. كما حذر المقال من فكرة "إسقاط النظام في إيران"، معتبرًا أن التجارب السابقة في الشرق الأوسط أظهرت العواقب الكارثية لمثل هذه التدخلات، التي غالبًا ما أدّت إلى فوضى وفق الصحيفة العبرية.

المشاركة في هذا المقال