Print this page

أكثر من 7 ملايين حساب مسرّب في عام واحد: أزمة خفية تهدّد الجيل Z في الفضاء الترفيهي الرقمي

سلط تقرير حديث صادر عن شركة كاسبرسكي الضوء على أزمة

سيبرانية صامتة، في عالم تتماهى فيه الحدود بين الترفيه والهوية الرقمية، تمثّلت في تسريب بيانات 7,035,236 حساباً على منصات البث التدفقي، من بينها نتفليكس، ديزني+، أمازون برايم، Apple TV+، وMax، خلال سنة واحدة فقط.

هذه المعطيات لا تكشف مجرد اختراق تقني، بل تضعنا أمام مشهد معقّد تتداخل فيه الثقافة الرقمية مع الأمن السيبراني، موجهةً تحذيراً خاصاً لجيل بات يشكّل العمود الفقري للاستهلاك الرقمي الجيل Z.

جيل متفاعل رقمياً مكشوف أمنياً

تتراوح اعمار جيل Z بين 15 و30 عاماً، يستهلك المحتوى التدفقي بكثافة، ليس لمجرد الترفيه، بل كوسيلة لفهم الواقع والتفاعل مع العالم. فحلقة تلفزيونية تتحول إلى محتوى على "تيك توك"، ونقاشات على "ريديت"، ومنشورات على "تويتر". هذه المنصات لم تعد مجرد خدمات تجارية، بل باتت بيئات ثقافية واجتماعية.

غير أن هذا التفاعل الكثيف ترافقه هشاشة رقمية متزايدة، أبرزها ما رصده التقرير من أنماط اختراق لا تستهدف المنصات مباشرة، بل الأجهزة الفردية للمستخدمين عبر برمجيات خبيثة، تُدرج في محتويات مقرصنة أو تطبيقات ملوثة، هذه المحتويات من شانها ان تسهّل سرقة بيانات الدخول، واستخدامها لاحقاً في عمليات احتيال وهجمات أكثر تعقيداً ، في عصر تغلغلت فيه الوسائط الرقمية في تفاصيل حياتنا اليومية، اين أضحى الترفيه الرقمي جزءاً لا يتجزأ من أنماط العيش المعاصر، إلا أن هذا الشكل الجديد من الترفيه، رغم مزاياه العديدة، لا يخلو من مخاطر جسيمة تتعدى حدود المتعة المؤقتة لتلامس الجوانب النفسية والاجتماعية والصحية للمستخدمين، لا سيما فئة الأطفال والمراهقين او ما يعبر عنهم بالجيل Z..

البرازيل تحت الهجوم

من بين المنصات المستهدفة، جاءت نتفليكس في المقدّمة، بأكثر من 5.6 مليون حساب مخترق. وتتصدّر البرازيل قائمة الدول الأكثر تضرراً، تليها المكسيك، ثم الهند، فيما سجّلت فرنسا أكبر عدد اختراقات داخل أوروبا (49,490 حساباً). أما ديزني+ فقد تعرّضت لاختراق أكثر من 680 ألف حساب، بينما أمازون برايم شهدت تسريب 1,607 فقط، لكنها تظل منصة ذات جاذبية خاصة ضمن فئة الشباب الباحثين عن محتوى غير تقليدي.

يتجاوز خطر الاختراق حدود المنصة نفسها، إذ تتيح البيانات المسروقة للقراصنة الدخول إلى عوالم أخرى من الحسابات المصرفية إلى رسائل البريد الإلكتروني، في حال استخدام نفس كلمات المرور. وهكذا يمكن لاختراق بسيط أن يفتح الباب أمام سرقة هوية كاملة، أو استغلال البيانات في حملات خبيثة أكثر تطوراً، خاصة مع تداولها على ما يُعرف بـ"الويب المظلم".

لقد شهد العالم على مرّ العقدين الأخيرين عدداً من العمليات الخطيرة التي شكّلت صدمة جماعية وتحوّلت إلى محطات وعي كبرى، من أبرزها هجمات 11 سبتمبر التي غيّرت ملامح السياسات الأمنية العالمية، وتسريبات ويكيليكس وسنودن التي كشفت خفايا الرقابة الرقمية وأثارت نقاشاً واسعاً حول الخصوصية. كما سلّطت فضيحة "كامبريدج أناليتيكا" الضوء على استغلال البيانات في التلاعب السياسي، وأكدت هجمات باريس وتفجير مرفأ بيروت على فشل المنظومات الأمنية والرقابية. هذه الأحداث وغيرها عمّقت وعي المجتمعات بأهمية الحريات، وأخطار التكنولوجيا، وحجم التحديات الأخلاقية والأمنية في العالم الحديث.

 التعليم عبر "Case 404":

في محاولة للرد على هذا التهديد المتنامي، أطلقت كاسبرسكي لعبة تفاعلية رقمية بعنوان "Case 404"، تمزج بين الترفيه والتوعية. يستهدف هذا المشروع الفئة العمرية المعنية نفسها، عبر تجسيد سيناريوهات مستوحاة من جرائم رقمية واقعية، لتمكين الجيل الجديد من فهم المخاطر السيبرانية واكتساب أدوات المواجهة ن ولا تقتصر توصيات التقرير على تعزيز كلمات المرور، بل تدعو إلى منهج شامل في الأمن الرقمي، يشمل اولا تثبيت برمجيات الحماية الأصلية وتحديثها، ثم تجنب التحميل من مصادر غير موثوقة والتأكد من روابط الاشتراك والتصفح وتفعيل المصادقة الثنائية الى جانب تغيير كلمات المرور بشكل دوري.

وفي تصريح لافت، تؤكد بولينا تريتياك، محللة البصمة الرقمية بكاسبرسكي ان "الجيل Z لا يرى في البث التدفقي مجرد وسيلة ترفيه، بل جزءًا من هويته اليومية. وهذا ما يجعل الهجوم السيبراني عليه أكثر حساسية، وأكثر خطورة."

في الواقع فان هذه الازمة تكشف عن تحدٍ متصاعد يواجه الثقافة الرقمية المعاصرة فبينما تمنحنا المنصات إمكانات هائلة للتعبير والتفاعل، فإنها تفتح، في المقابل، بوابة لاختراقات لا تُرى بالعين المجرّدة، لكنها تُهدد خصوصية الأفراد واستقرارهم الرقمي.

الترفيه الرقمي وتداعياته

قد يتحوّل الإفراط في استهلاك المحتوى الرقمي الترفيهي، سواء عبر ألعاب الفيديو، أو تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو الفيديوهات القصيرة، إلى إدمان سلوكي يشبه في أعراضه وتداعياته إدمان المواد المخدّرة، إذ يؤدي إلى فقدان السيطرة، والانعزال، واضطرابات في المزاج والسلوك. ومع تزايد ساعات التفاعل الافتراضي، تتراجع الروابط الاجتماعية الحقيقية ويضعف التفاعل الإنساني المباشر، مما يُفضي إلى شعور متزايد بالوحدة والفراغ.

أما على الصعيد النفسي، فقد أثبتت دراسات عديدة ارتباط الاستخدام المفرط للترفيه الرقمي بارتفاع معدلات القلق، الاكتئاب، وتدني تقدير الذات، خاصة في ظل ثقافة المقارنة الدائمة التي تفرضها منصات التواصل. كما يشكّل المحتوى غير المناسب تحدياً خطيراً، حيث يجد الأطفال والمراهقون أنفسهم في مواجهة مشاهد العنف، والإيحاءات ، أو المضامين الزائفة، في ظل ضعف الرقابة الأسرية أو التشريعية في بعض السياقات. ومن جهة أخرى، لا يمكن التغاضي عن التأثيرات الصحية المصاحبة، مثل تضرر البصر، اضطرابات النوم الناتجة عن التعرض المستمر للضوء الأزرق، والآلام العضلية الناتجة عن الجلوس المطوّل.

تنعكس هذه الاختلالات سلباً على الأداء الدراسي والوظيفي، إذ تؤدي إلى تشتت الانتباه، وضعف التحصيل، وتراجع القدرة على الإنتاج والابتكار، خاصة وأن هذا النوع من الترفيه يقدم محتوى جاهزاً وسريعاً يقلص المساحات المخصصة للخيال والتفكير العميق. من هنا، تصبح الحاجة ملحة إلى ترسيخ ثقافة الاستخدام الواعي والمتوازن للتكنولوجيا الترفيهية، من خلال وضع حدود زمنية واضحة، وتعزيز الأنشطة البديلة ، فضلاً عن تطوير آليات تربوية ورقابية تحصّن المستخدم من الانزلاق في دوامة الترفيه المفرط وتعيد للتفاعل الإنساني والأنشطة الواقعية مكانتها الطبيعية في بناء الفرد والمجتمع.

وبينما تمضي الشركات نحو تطوير محتوى أكثر جذباً، يبقى الرهان الحقيقي في ترسيخ ثقافة أمن رقمي مجتمعي تبدأ من المستخدم نفسه، وتمرّ عبر التعليم، لتصل إلى سياسات منصات أكثر صرامة وشفافية

المشاركة في هذا المقال