Print this page

في رواية " حكاية وشم" للمولدي فروج: قراءة استشرافية للشخصية التونسية

ما إن شرعت في قراءة رواية المولدي فروج حكاية وشم التي حملها

اليّ من تونس مشكورا الصديق "عبد الحميد "، حتى تذكرت رأيا للكاتب ينتقد فيه النقاد التونسيين ويصفهم بأنصاف النّقّاد ويتهمهم بعدم القدرة على فهم رواياته باعتبار أنهاحمّالة أفكار يشحنها صاحبها بكثير من المعارف العلمية والفلسفية وحتى الجمعية. فهؤلاء النقّاد الجامعيّون خاصة الذين يتربعون على عرش النّقد والتحكم في الجوائز الوطنية لا يبحثوون في النص الروائي الا عما يتصل باللغة (اللباس الشكلي للنص) من بلاغة وصياغة واستعارة وعبارة ولا يهتمّون بمضمون النص الذي جاءت من أجله الرواية والذي يصرّ المولدي فرّوج في أغلب نصوصه على الاهتمام به قبل الشكل دون أن يهمل جمالية النص فللفكرة جماليتها التي تستمدّها من رشاقتها وقيمتها. وقد نعذر للمولدي فرّوج هذا القدر من النرجسية والتعالي عندما يتحدّث عن نصوصه السّردية فنحن نعرفه جدّ متواضع في حياته وكذا في شعره. ونجد له عذرا واقيا عندما نجده لا يعمّم رأيه على النّقّاد كلهم بل يستثني المبدعين منهم.وعلى أي حال هو رأي نختلف معه ونحترمه.

نعود الى الرواية التي يبدو أنّها لم تأخذ حظها من النقد، وإن قدّم لها الأستاذ الدكتور أحمد السماوي بهذا القول...."ويُردّ هذا التنازع الذي نشهده بين ملاحِظ يتسقّط الأخبار لا يفرّط في أيّ منها ومخبرٍ يحدّ من هذا الاندفاع ما دام الإدراك، مهما يَقْوَ، يظلّ قاصرًا عن الإحاطة بالمدرَك تمامًا، إلى توتّر العلاقة بينهما باستمرار. ولذلك تأتي لعبة الخفاء والتجلّي لتربك المرويّ له في الملفوظ أو القارئ. ولكنّها تسمح، رغم ذلك، بالإحاطة شبه التامّة بوضع هذا الطبيب في هذه البيئة الأمازيغيّة المحافظة."

رواية حكاية وشم ليست كالروايات التاريخية التي تبحث في التاريخ كمادة تستمدّ نفسها من الزمان والمكان وانما هي قراءة استشرافية للتاريخ-المستقبل وللشخصية التونسية.وذلك في استعراض جميل لما يحمله الوشم من رمز عند الامازيغي الساكن الأول في البلاد التونسية. الحكاية ليست بالبساطة السّادحة بل إن دلالة الوشم على جبين مايا (الاسم امازيغي) على ثقافة تعتز بحملها هذه الدكتورة في التاريخ غير انها تصاب بخيبة أمل عندما تصبح هذه العلامة مدعاة للسخرية ورميا لصاحبتها بالتخلّف فماذا ستفعل هذه الدكتورة؟ تقرر إزالة الوشم لتبقي على عشقها للثقافة الامازيغية لتكون تونسية بحق كما تقول، ولتنتصر لبلاد عانت من الاحتلال والفتوحات. ان هذه الرواية بحث جميل ومشوّق في الثقافة التونسية الاصيلة وفي الحضارات التي مرت بها البلاد وصولا الى علاقات تونس الحديثة بالعرب والغرب. ولعل ما يثري الرواية هو كثرة الشخصيات واختلافها وإن اتسمت بعضها بازدواجية صريحة فهذا الطبيب الفرنسي يدعى ليكون جاسوسا لفرنسا في تونس الحديثة فيصطدم بالمبادئ الإنسانية التي اقسم على احترامها. وهذا الطبيب التونسي يصطدم هو أيضا بالوشم الذي يسعى الى ازالته من جبين مايا وهذا السائق الذي أنهى خدمته في صلب الأمن ثم يدعى الى العمل في المستشفى لكون جاسوسا هوالاخر ليتتبع أشقاءنا الوافدين الى تونس. وهذا حمار الدكتور الفرنسي يتعلم هو بدوره الجوسسة ويدمن عليها كما أدمن على شرب الخمر. ولعل طرافة الحمار قد اضافت الى الرّواية القدر الكبير من الحبكة والتّشويق والسخرية.

لقد نجح المولدي فرّوج في نسج الاحداث التاريخيةالتي مرّت بها تونس القديمة والحديثة وصياغة نص روائي ممتاز على النقاد أن يتهافتوا عليهإن هم فعلا يسعون الى الاهتمام بالنصوص ذات قيمة، بعيدا عن الأخذ في الاعتبار بمواقف هذا الكاتب او ذاك من الحركة النقدية في تونس.

لذلك أوصي التونسيين بقراءة رواية حكاية وشم ليعرفوا أنفسهم بعمق ويتعرّفوا على بعض من فصول تاريخ تونس التي أخفتها الأحداث والمؤسسات والبرامج الثقافية والتعليمية.

بقلم: إلياس قعلول

المشاركة في هذا المقال