وكيان الاحتلال . فبعد عدوان صهيوني استهدف فجر الجمعة عدة مواقع استراتيجية داخل ايران واستشهد خلالها كوكبة من العلماء الايرانيين في مختلف المجالات الحساسة مثل النووي وغيره وكذلك قيادات سياسية وعسكرية من الصف الأول ، جاء الرد الإيراني سريعا والذي استهداف مواقع حساسة أهمها وزارة الحرب الصهيونية إضافة الى أهداف عسكرية واقتصادية دفع تل ابيب الى اغلاق مطار بن غوريون كما توقفت حركة الملاحة الجوية في عديد الدول المجاورة . لتدخل المنطقة بذلك مرحلة جديدة من التوتر الأمني والعسكري، قد تكون لها تداعيات استراتيجية بعيدة المدى .
الهجوم الإسرائيلي، الذي وصفته طهران بـ"العدوان السافر"، استهدف عدة مواقع داخل إيران، أبرزها منشآت نووية وأخرى اقتصادية، بينها ما قيل إنه استهداف متعمد لحقل بارس الجنوبي، أحد أهم مشاريع الطاقة الإيرانية. وقد أشارت مصادر أمنية إيرانية إلى أن الهجمات حملت طابعا تخريبيا ممنهجا، وجرى تنفيذه عبر صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة انطلقت من خارج الحدود.
ولم تكن هذه الضربة بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي، إذ ربطت طهران بين الهجوم الإسرائيلي و"محاولة إفشال أي تقارب نووي" كان يجري التفاوض عليه ضمن محادثات عمان، متهمة إسرائيل بمحاولة نسف جهود التفاهم مع القوى الغربية عبر التصعيد الميداني.
لم تمض ساعات على الهجوم حتى أعلنت إيران عن ردها المشروع عبر استهداف قوي وغير مسبوق لعدد من الأهداف داخل "إسرائيل"، ركّزت على مواقع عسكرية وبنى تحتية استراتيجية. وأفادت مصادر رسمية إيرانية أن الهجمات جاءت متوازنة وراعت قواعد الاشتباك وقوانين الحرب، مؤكدة أن الضربات الإيرانية استهدفت مراكز قيادة عسكرية ومستودعات أسلحة ولم تطل مناطق مدنية "إلا حين اقتضت الضرورة الدفاعية" وفق تصريحات رسمية.
وصرح وزير الخارجية الإيراني في بيان عاجل أمس، أن "الرد جاء دفاعا عن النفس"، مشيرا إلى أن إيران لا تسعى لتوسيع رقعة الحرب أو جرّ دول الجوار إليها، لكنها لن تتردد في الدفاع عن سيادتها إذا استمرت الاعتداءات الصهيونية.
تحول استراتيجي
وشكل الرد الإيراني الأخير على العدوان الإسرائيلي تحولا استراتيجيا بالغ الأهمية في معادلة الصراع القائم في المنطقة، إذ يمكن القول إن طهران تجاوزت مرحلة "الصبر الاستراتيجي" التي لطالما تبنتها خلال العقدين الماضيين، وانتقلت إلى مرحلة جديدة عنوانها استعادة التوازن وفرض الردع الفعلي. هذا التحول لم يكن مجرد رد فعل عسكري لحظي، بل خطوة محسوبة تهدف إلى تغيير قواعد الاشتباك وفرض معادلة ردع متبادلة تُعيد لإيران مكانتها كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها دون حساب دقيق.
ويرى محللون أن إيران أدركت أن استمرار امتناعها عن الرد المباشر كان يفسر إسرائيليا وأمريكيا على أنه ضعف أو تردد، الأمر الذي شجع تل أبيب على توسيع عملياتها داخل الأراضي الإيرانية، سواء عبر عمليات تخريب طالت المنشآت النووية، أو اغتيالات ممنهجة لعلماء الذرة، أو هجمات سيبرانية معقدة. كل ذلك جرى في سياق استراتيجية إسرائيلية تقوم على الحفاظ على التفوق الاستباقي وحرية الضرب دون تكلفة. غير أن الضربة الإيرانية الأخيرة قلبت هذه القاعدة، لتثبت أن استهداف الداخل الإيراني لن يمر بعد اليوم بلا ثمن وأن الثمن سيكون باهضا .
ما يميز الرد الإيراني هذه المرة ليس فقط طبيعته العسكرية المباشرة، بل طبيعته المدروسة والمتوازنة. فإيران، رغم تصعيدها، حرصت على توجيه ضربات مركزة على أهداف عسكرية واقتصادية داخل إسرائيل، متجنبة في الوقت نفسه إحداث خسائر بشرية كبيرة أو استهداف مناطق مدنية واسعة. لذلك فإن الرد الإيراني جاء ليعيد التوازن المفقود، ويرسل رسالة قوية مفادها أن الرد الإيراني سيكون حاضرا في مواجهة أي عدوان صهيوني.
هذا التحول يحمل في طياته رغبة إيرانية واضحة في فرض قواعد اشتباك جديدة، تضع حدودا أمام إسرائيل وتجبرها على التفكير قبل شن أي عملية عدوانية مستقبلا. إذ يرى مراقبون أن إيران، باختيارها الرد المباشر، أرادت أن تثبت أن بوسعها نقل المعركة إلى قلب الكيان الإسرائيلي، لا أن تحصرها فقط في أراضي الحلفاء أو عبر وسائل غير تقليدية.
إن انتقال إيران إلى هذا المستوى من الفعل الاستراتيجي لا يعني بالضرورة أنها تتجه نحو مواجهة مفتوحة، لكنها ببساطة تسعى لأن تكون الحلقة الأقوى فيها، وترفض ان تُستخدم كأرض اختبار للرسائل الإسرائيلية والأمريكية. بل إن الرسائل الإيرانية السياسية، المرافقة للعمل العسكري، أكدت أن طهران لن تسمح بأن تُستباح سيادتها دون رد.
لقد أصبح واضحا أن إيران، من خلال هذا التحول، تسعى إلى فرض معادلة ردع جديدة تُشبه تلك التي فرضها حزب الله بعد حرب 2006، حيث تتحول أي ضربة إلى مخاطرة محسوبة بدقة. وهذا بحد ذاته كفيل بتقليص هامش المناورة الإسرائيلية في المستقبل، ويرغم اللاعبين الدوليين على التعامل مع طهران كطرف فاعل وقوي.
ووفق خبراء فإن إيران لم تعد تردّ على الضربات فحسب، بل تسعى الآن لصياغة معادلة أمنية جديدة تُجبر الخصم على التفكير لا إطلاق النار فقط. بما يؤكد أنها بداية مرحلة مختلفة كليا في ميزان القوى الإقليمي.
وفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن الرد الإيراني أسفر عن مقتل عدد كبير من الأشخاص، بينهم عسكريون، إضافة إلى إصابة العشرات بجراح متفاوتة. كما أشارت تقارير إلى دمار واسع طال منشآت صناعية وأمنية، لا سيما في ضواحي تل أبيب والمناطق الجنوبية. وقد اضطرت السلطات الإسرائيلية إلى إعلان حالة الطوارئ وإخلاء محيط منشآت حساسة، بينها مراكز أبحاث نووية ومجمعات عسكرية. ووفق تقارير تحاول سلطات الإحتلال التغطية على الأرقام الصحيحة لخسائرها في محاولة منها لنشر سردية النصر الموهوم التي تعتمدها في أغلب حروبها.
سيناريوهات متوقعة
ووفق مراقبين فقد فتحت الردود المتبادلة الباب أمام العديد من السيناريوهات المعقدة. ففي حين تؤكد طهران أنها لا ترغب بتوسيع دائرة الصراع، إلا أنها تبقي باب التصعيد مفتوحا "إذا اقتضت الضرورة"، في إشارة إلى احتمال ردها على باىمثل أي هجوم إسرائيلي مهما كانت قوته خصوصا وان إسرائيل طالبت أمس المتساكنين قرب المنشآت النووية الإيرانية بالإخلاء والمغادرة.
حتى الآن، اكتفت الإدارة الأمريكية بإبداء "القلق من التصعيد"، دون توجيه إدانة واضحة لأي طرف، وهو ما اعتبرته طهران "موقفا رماديا غير مقبول". خصوصا وأن واشنطن أكدت علمها بالهجوم الصهيوني بشكل مسبق. وطالبت إيران واشنطن بإدانة الهجوم الإسرائيلي على منشآتها النووية "السلمية"، معتبرة أن صمتها قد يُفهم كضوء أخضر لتل أبيب للاستمرار في اعتداءاتها.
الدول الأوروبية بدورها دعت إلى "ضبط النفس" من الجانبين، محذّرة من انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة قد تهدد أمن الطاقة العالمي وتضع المنطقة أمام سيناريوهات غير مسبوقة منذ عقود.
النووي في خضم الحرب؟
في تطور دراماتيكي ضمن تصاعد المواجهة العسكرية غير المسبوقة بين تل أبيب وطهران، وجّه الجيش الإسرائيلي،أمس الأحد، تحذيرا علنيا إلى المواطنين الإيرانيين يدعوهم لإخلاء المناطق المحيطة بالمنشآت النووية ومرافق الأسلحة في عموم إيران. هذا التحذير يأتي في ذروة تبادل الهجمات الصاروخية بين الطرفين، وهو ما يُضفي على البيان بعدا جديدا بالغ الخطورة.
ووفق مراقبين فإن هذا التحذير يشي بأن إسرائيل إما تستعد لعملية كبيرة تستهدف المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.أو تبني أرضية سياسية وأخلاقية لعمل عسكري وشيك، عبر القول إنها حذّرت المدنيين مسبقا.أو تمارس ضغطا نفسيا مزدوجا على النظام الإيراني من جهة، وعلى الرأي العام الداخلي من جهة أخرى.
شروط المرحلة المقبلة
ميدانيا شدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، امس الأحد، أن "إطلاق الصواريخ على إسرائيل سيتوقف حين توقف الدولة العبرية هجومها على إيران المستمر منذ الجمعة".
وقال عراقجي خلال اجتماع مع دبلوماسيين أجانب نقله التلفزيون "إننا ندافع عن أنفسنا، دفاعنا مشروع تماما"، مضيفا أن "هذا الدفاع هو رد على عدوان. إن توقف العدوان، بالطبع سيتوقف ردنا أيضا".
من جانب آخر، انتقد وزير الخارجية الإيراني مجلس الأمن الدولي، متهما إياه بـ"اللامبالاة" إزاء الضربات الإسرائيلية على بلاده.
واعتبر عراقجي أن الهجوم الإسرائيلي "يقابل بلامبالاة في مجلس الأمن"، مضيفا أن الحكومات الغربية "دانت إيران بدلا من إسرائيل، رغم كونها الطرف المعتدى عليه". ويأتي ظهور عراقجي في الوقت الذي كان من المقرر أن يتفاوض فيه مع الولايات المتحدة في سلطنة عمان، بشأن البرنامج النووي الإيراني. إلا أن المفاوضات انهارت بسبب الهجمات الإسرائيلية.
كما اتهم وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي،أمس الأحد، الولايات المتحدة بالتورط في الهجوم الإسرائيلي الأخير على منشآت نووية إيرانية، مؤكدا أن لدى طهران "أدلة تثبت ضلوع واشنطن".
حروب خاضتها إيران ضد إسرائيل.. "ثلاثية الوعد الصادق "
هذا التصعيد بين الجانبين الإيراني والصهيوني ليس الأول، ففي من أكتوبر 2024، أطلقت إيران نحو 200 صاروخ باتجاه إسرائيل . وسائل إعلام إيرانية قالت إن الحرس الثوري استخدم في الهجوم للمرة الأولى صواريخ فرط صوتية، إلى جانب صواريخ بالستية.
وقبل أشهر من ذات العام، شنت إيران عملية "الوعد الصادق" ضد إسرائيل والتي جاءت رداً على قصف الأخيرة القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع أفريل 2024، وقتلها قادة في الحرس الثوري الإيراني من بينهم القائد في فيلق القدس، محمد رضا زاهدي.
منذ أفريل 2024، اتخذت إيران قرارا استراتيجيا بتجاوز قواعد "الحرب بالوكالة" والانتقال إلى الاشتباك العسكري المباشر مع إسرائيل. هذا التحول تجسد في سلسلة عمليات أطلقت عليها طهران اسم "الوعد الصادق"، والتي جاءت على ثلاث مراحل، كل منها تعبير عن تصعيد محسوب ورد متدرج، يهدف إلى فرض معادلة ردع جديدة في الإقليم.
المرحلة الأولى: رد على اغتيال في دمشق
في الثالث عشر من أفريل 2024، أطلقت إيران "الوعد الصادق 1"، ردا على غارة جوية إسرائيلية استهدفت قنصليتها في العاصمة السورية دمشق مطلع الشهر نفسه، وأسفرت عن مقتل شخصيات رفيعة في الحرس الثوري، من بينهم قائد فيلق القدس محمد رضا زاهدي ونائبه محمد هادي حاج رحيمي.
للمرة الأولى، استخدمت إيران أراضيها لإطلاق مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية. وبينما أعلنت طهران أن الهجوم شمل ما يصل إلى 400 صاروخ.
استهدفت الضربات الإيرانية قواعد عسكرية مثل نيفاتيم والجولان، التي تعتقد طهران أنها شاركت في تنفيذ الهجوم على قنصليتها. ورغم اقتصار الأضرار على خسائر مادية ، إلا أن الرسالة كانت واضحة أن قواعد الاشتباك قد تغيرت.
المرحلة الثانية: انتقام لاغتيالات سياسية وعسكرية
في الأول من أكتوبر 2024، نفّذت طهران "الوعد الصادق 2"، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحماس إسماعيل هنية في هجوم إسرائيلي بطهران، واغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله في غارة أخرى استهدفت بيروت، إلى جانب نائب قائد عمليات الحرس الثوري الإيراني عباس نیلفوروشان.
الهجوم الإيراني جاء على شكل وابل من أكثر من 250 صاروخا من طرازات مختلفة، بينها صواريخ فرط صوتية أُعلن عن استخدامها لأول مرة. وانطلقت الصواريخ من مناطق عدة، بينها تبريز وكاشان وضواحي طهران، واستهدفت منشآت عسكرية إسرائيلية منها قاعدة "تل نوف" الجوية.
وأدى القصف إلى تضرر مئات المنازل، لا سيما في منطقة "هود هشارون" شمال تل أبيب، مع غياب تقارير رسمية عن وقوع قتلى وسط تعتم إسرائيلي كبير . وبحسب محللين، فإن الرقابة العسكرية الإسرائيلية شددت قبضتها على المعلومات المتعلقة بحجم الخسائر، في إطار محاولة لاحتواء التداعيات النفسية والأمنية.
المرحلة الثالثة: التصعيد النووي والهجوم الأعنف
بلغت المواجهة ذروتها في الثالث عشر من جوان 2025، حين ردت إيران على هجوم إسرائيلي واسع النطاق تحت اسم "الأسد الصاعد"، استهدف منشآت نووية إيرانية، وأدى إلى مقتل عدد من العلماء والضباط، بينهم القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي.
بعد أقل من 24 ساعة، أطلقت طهران "الوعد الصادق 3" في عملية وصفت بالأعنف، إذ أمطرت العمق الإسرائيلي للاحتلال بمئات الصواريخ الباليستية، مستهدفة مراكز حيوية في تل أبيب والقدس ومناطق وسط البلاد. وأكد الحرس الثوري أن الهجوم استهدف مقار عسكرية وأمنية، منها منشآت قرب وزارة الحرب الإسرائيلية.