Print this page

على وقع تصريحات أمريكية تُربك السردية الرسمية مجازر مراكز المساعدات في غزة .. :اتهامات لتل أبيب وواشنطن بارتكاب جرائم حرب

في تطور لافت على الساحة السياسية والإعلامية، أثارت تصريحات أدلى بها المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، جدلا واسعا بعد إقراره بأن "إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة"،

ما دفع حركة حماس إلى اعتبار هذا التصريح "اعترافا مهما يدين تل أبيب وواشنطن معا"، ويكشف حسب بيانها "التواطؤ الأمريكي في التستر على الجرائم".

التصريحات، التي وردت في مقابلة بثتها بودكاست "سكاي نيوز" يوم أمس الأول الاثنين، ونقلتها لاحقا صحف إسرائيلية كـ"يسرائيل هيوم" و"تايمز أوف إسرائيل"، تُشكل تحولا في اللغة المستخدمة من مسؤول أمريكي سابق، خصوصا فيما يتعلق بالحديث الصريح عن جرائم حرب، وهو ما لم تفعله الإدارة الأمريكية رسميا حتى الآن.
وأكد ماثيو ميلر، الذي شغل منصب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية حتى وقت قريب، خلال المقابلة أنه لم يكن مسموحا له خلال فترة عمله قول الحقيقة الكاملة، لافتا إلى أنه حين يكون المتحدث على المنصة، "فهو لا يعبر عن رأيه الشخصي، بل عن مواقف حكومة الولايات المتحدة".وأقر بأن "جنودا إسرائيليين ارتكبوا أفعالا في قطاع غزة لا تتماشى مع القانون الدولي، لكنهم لم يُقدموا للمحاكمة"، معربا عن قناعته الشخصية بوقوع جرائم حرب، لكنه تحفظ في الوقت نفسه عن وصف ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية"، رغم إقراره بوجود خطر مجاعة وقتل آلاف المدنيين، بينهم نسبة مرتفعة من الأطفال والنساء.
وقال: "عندما تكون على المنصة، فأنت لا تُعبّر عن رأيك الشخصي. أنت تُعبّر عن استنتاجات حكومة الولايات المتحدة".ولفت إلى أن حكومة الولايات المتحدة لم تخلص رسميا إلى أن ''إسرائيل'' ارتكبت جرائم حرب.
إدانة مزدوجة
وفي أول تعليق لها، اعتبرت حركة حماس في بيان صحفي أن هذه التصريحات تمثل "اعترافًا مهما يدين الاحتلال الإسرائيلي، ويكشف أيضًا التواطؤ العميق للإدارات الأمريكية"، مؤكدة أن ميلر "فضح الرواية الرسمية لواشنطن" التي تتعمد التعمية على "الحرب الوحشية ضد المدنيين الأبرياء في غزة".
وقالت الحركة إن هذا الاعتراف "يضع واشنطن أمام مسؤوليتها المباشرة"، مؤكدة أن الدعم العسكري والمالي والسياسي الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لإسرائيل يجعلها "شريكا فعليا في جرائم الحرب والإبادة الجماعية".وطالبت حماس المجتمع الدولي والمحاكم الدولية "بترجمة هذه الاعترافات الخطيرة إلى إجراءات عملية، تبدأ بتحقيقات دولية مستقلة ومساءلة قانونية لكل من تورط أو تواطأ".
ووفق مراقبين ورغم دلالات تصريح ميلر، فإنّ الواقع الدبلوماسي لا يزال يشير إلى أن حكومة الولايات المتحدة لم تعلن حتى اللحظة أنّ''إسرائيل'' ارتكبت جرائم حرب ولم تتخلى في يوم ما عن دعمها لكيان الإحتلال. وهو ما يؤكد -بحسب محللين- استمرار الحماية السياسية والدبلوماسية الأمريكية للكيان الصهيوني ، وخصوصا في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن، حيث استخدمت واشنطن الفيتو أكثر من مرة لمنع قرارات تدين العمليات الإسرائيلية في غزة.
ورأى مراقبون أنّ تصريحات ميلر، وإنّ كانت ذات دلالة معنوية وأخلاقية كبيرة، إلا أنها تظلّ محدودة الأثر سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي ما لم تتبناها مؤسسات أمريكيّة رسمية أو تدفع باتجاه مراجعة السياسات المتبعة.
وفي تعليقه، لم يكتف ميلر بالإشارة إلى وقوع جرائم حرب، بل كشف أيضا عن ما وصفه بـ"الغطاء الإعلامي المضلل" الذي توفره الإدارة الأمريكية لإسرائيل، وهو ما وصفته حماس بأنه "تستر إجرامي على الانتهاكات الوحشية".وتُظهر هذه التصريحات جانبا آخر من المعركة، يتمثل في السيطرة على السردية الإعلامية، ومحاولة الهيمنة على الرأي العام العالمي من خلال تشويه الحقائق أو إخفاء المعطيات المتعلقة بحجم الفظائع المرتكبة في القطاع.
منعطف أم لا تغيير؟
ويرى محللون سياسيون أن تصريح ميلر، رغم كونه صادرا عن مسؤول سابق، يُعد مؤشرا على تصاعد الانقسامات داخل المؤسسة السياسية الأمريكية بشأن الدعم غير المشروط لإسرائيل، خاصة في ظل تزايد الضغط من منظمات حقوق الإنسان، ومواقف بعض أعضاء الكونغرس الداعين لمساءلة إسرائيل ووقف تصدير السلاح لها.
وفي الوقت ذاته، فإن التزام الخارجية الأمريكية الحالي بعدم توصيف ما يجري كـ"جرائم حرب أو إبادة"، يكشف حرص واشنطن على إبقاء يدها طليقة في حماية إسرائيل دوليًا، تجنبًا لأي التزامات قانونية قد تُفرض على حليفتها الأولى في الشرق الأوسط.
وفي ظل تزايد عدد الشهادات، وتوثيق الانتهاكات على الأرض، تأتي تصريحات ماثيو ميلر كاعتراف متأخر لكنه مهم، يكشف جزءا من حقيقة طالما أنكرتها الدبلوماسية الأمريكية. غير أن هذا الاعتراف، دون أن يتبعه تحرك سياسي أو قانوني، سيبقى في خانة الأقوال التي لا تُغير كثيرا من مجريات الواقع المأساوي في قطاع غزة.

إدانات دولية و"جريمة حرب"
ميدانيا أثارت عمليات القتل المستمرة قرب مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة موجة غضب وإدانة دولية، وسط اتهامات مباشرة لإسرائيل باستخدام الغذاء أداة في حرب إبادة جماعية، واعترافات من مؤسسات أممية بأن ما يجري قد يرقى إلى جرائم حرب.
وأكد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن "الهجمات القاتلة على مدنيين يائسين يحاولون الحصول على كميات زهيدة من المساعدات الغذائية في غزة تشكل جريمة حرب"، مطالبًا بإجراء تحقيق "سريع ومحايد" في تلك الحوادث التي وصفها بـ"غير المقبولة".
ووصف المركز الإعلامي الحكومي في غزة مشروع توزيع المساعدات الأمريكية–الإسرائيلية، الذي بدأ منذ 27 ماي، بأنه "مشبوه"، مؤكدا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي حول مراكز المساعدات إلى "مصائد موت جماعية"، حيث يُستدرج المدنيون الجائعون إلى مناطق خطرة تُطلق فيها النار عليهم عمدًا، في مشهد وصفه بأنه "قتل على الهواء مباشرة".
وخلال ثمانية أيام فقط، وثقت السلطات المحلية استشهاد 102 فلسطيني وإصابة 490 آخرين قرب مراكز توزيع المساعدات. وكان آخرها مجزرة يوم الثلاثاء الماضي، التي أسفرت عن استشهاد 27 مدنيا على الأقل في رفح، وجرح أكثر من 90 آخرين.
وأدانت منظمات حقوقية عدة، من بينها المرصد الأورومتوسطي، أسلوب توزيع المساعدات، مشيرة إلى أن المدنيين يجبرون على المرور داخل "أقفاص حديدية محاطة بأسلاك شائكة''.
في المقابل، أقر جيش الإحتلال الإسرائيلي بإطلاق النار على فلسطينيين قرب مراكز المساعدات بذريعة "وجود تحرك مشبوه تجاه قواته"، في حين تشير تقارير ميدانية إلى تكرار عمليات القتل في هذه المواقع لليوم الثالث على التوالي.
كما حمّل المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الإدارة الأمريكية "مسؤولية مباشرة" عن تحويل الغذاء إلى أداة قتل جماعي، معتبرا المشروع برمته "غطاءً لخطة تهجير قسري ممنهج"، مشيرًا إلى أن 2.4 مليون فلسطيني يعانون من مجاعة خانقة نتيجة إغلاق المعابر منذ أكثر من 90 يوما.وطالب المكتب بتدخل دولي عاجل لفتح المعابر وتأمين إيصال المساعدات من خلال جهات أممية ومحايدة، وتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لتوثيق المجازر وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة الدولية.
تصعيد في الضفة الغربية
وفي سياق متصل، وثقت هيئة "مقاومة الجدار والاستيطان" الفلسطينية، يوم أمس الثلاثاء، تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين 1691 اعتداء في الضفة الغربية والقدس المحتلة خلال ماي الماضي. وشملت الانتهاكات عمليات هدم، وتجريف أراضٍ، واقتلاع أشجار، واعتداءات مسلحة، وإغلاق طرق، وفرض وقائع جديدة على الأرض.وأشارت الهيئة إلى أن ''إسرائيل'' تحاول فرض تغيير ديمغرافي وجغرافي على الأرض، ضمن استراتيجية أوسع للضم والتوسع الاستيطاني.
كما تؤكد جهات فلسطينية أن خطة توزيع المساعدات "ليست إنسانية كما يروّج لها"، بل تعد جزءا من إستراتيجية إسرائيلية–أمريكية لتفريغ شمال غزة من سكانه، بدليل أن جميع نقاط التوزيع الأربعة تقع في جنوب القطاع فقط. وتخشى منظمات حقوقية أن يكون ما يجري تمهيدًا لتهجير الفلسطينيين، ضمن ما يُعرف إعلاميًا بـ"صفقة القرن".
وسط هذا التصعيد، يواصل المدنيون في غزة والضفة العيش تحت وطأة العنف والجوع، في حين يحذر المراقبون من أن "الصمت الدولي" قد يكون ضوءا أخضر لاستمرار الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، داعين إلى تحرك فوري وفعّال قبل فوات الأوان.

 

 

المشاركة في هذا المقال