Print this page

تونس تحتضن المؤتمر السنوي لاتحاد أسواق المال العربية 2025 سوق الكربون يدخل المزاد والأسواق العربية تكتب فصلا جديدا من الاستدامة

أعطيت أمس الثلاثاء 13 ماي 2025 إشارة انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي لاتحاد أسواق المال العربية 2025 AFCM

والذي ينعقد بتونس على مدى يومين وتؤمن تنظيم اشغاله بورصة تونس للأوراق المالية بالاشتراك مع اتحاد أسواق المال العربية واتحاد أسواق المال الإفريقية و تحت إشراف رئاسة الحكومة. يتم خلال هذا اللقاء السنوي عقد عدة جلسات نقاش يتطرق فيها المشاركون إلى مواضيع حارقة تهم بالأساس الشأن المالي واعتماد الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة بالإضافة إلى تقديم ومناقشة الأدوات المالية الجديدة. يحضر هذا المؤتمر السنوي أكثر من 40 بورصة من دول إفريقية وعربية، وهيئات تعديلية وشركات مقاصة وصناديق استثمار ومزودي الخدمات المعلوماتية والبرمجيات، ومجموعة كبيرة من وسائل الإعلام .

تحديث الأسواق وتعزيز التكامل الإقليمي

أبرز المؤتمر أهمية تحديث البنية التحتية للأسواق المالية العربية، مع التركيز على تعزيز التكامل الإقليمي بين البورصات، وهو توجه يهدف إلى تسهيل تداول الأوراق المالية عبر الحدود، مما يعزز السيولة ويزيد من جاذبية الأسواق للمستثمرين الإقليميين والدوليين، كما تم تسليط الضوء على أهمية التمويل المستدام في دعم المشاريع البيئية والاجتماعية. و إمكانية إنشاء أسواق لتداول شهادات الكربون في المنطقة، مما يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار ويعزز من التزام الدول العربية بالمعايير البيئية العالمية علاوة على كيفية استخدام التكنولوجيا، مثل البلوك تشين والذكاء الاصطناعي، في تحسين كفاءة الأسواق المالية و تم خلال المؤتمر التأكيد على أهمية تبني هذه التقنيات لتعزيز الشفافية وتقليل التكاليف التشغيلية من خلال تشريك كل الأطراف أهمها القطاع البنكي والبنوك المركزية والهيئات الرقابية والوسطاء وقطاعات التأمين، ليكون اعتماد الذكاء الاصطناعي مسؤولا.. بالإضافة إلى ضرورة تعزيز معايير الحوكمة والشفافية في الأسواق المالية العربية و يشمل ذلك تطوير الأطر التنظيمية وتبني أفضل الممارسات العالمية لضمان حماية المستثمرين وزيادة الثقة في الأسواق، مع ضرورة الاستثمار في التعليم والتدريب المالي لتعزيز الثقافة المالية بين المستثمرين والأفراد، يهدف هذا إلى تمكين المشاركين في السوق من اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة والمساهمة في استقرار الأسواق.

دمج البُعد البيئي

شهدت أمس فعاليات المؤتمر السنوي لاتحاد أسواق المال العربية المنعقد بتونس نقاشاً نوعياً حول آلية البيع في المزاد العلني بسوق الكربون، في خطوة تعكس التحول التدريجي للأسواق المالية العربية نحو دمج البُعد البيئي ضمن منظومتها الاقتصادية، وتكمن أهمية هذا التوجّه في كونه يعيد رسم العلاقة بين النشاط الاقتصادي والانبعاثات الملوثة للبيئة، من خلال فرض كلفة مالية على الكربون تُجبر الشركات على مراجعة سياساتها الإنتاجية لصالح ممارسات أكثر استدامة.

يذكر في هذا الشأن أن الآلية، لا تُمنح الشركات التصاريح البيئية مجاناً، بل تدخل في مزاد علني تُقدّم فيه عروضاً لشراء تصاريح انبعاثات تُخوّلها إنتاج كمية محددة من ثاني أكسيد الكربون أو غيره من الغازات الدفيئة. هذه التصاريح تُصبح ذات قيمة سوقية، وتُحفّز على خفض الانبعاثات بهدف تقليل التكلفة. كما تُولّد هذه المزادات موارد مالية للحكومات يمكن توجيهها نحو مشاريع بيئية، أو برامج دعم للطاقات المتجددة، مما يعزّز البُعد الاجتماعي للسياسات المناخية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الآلية ليست بالجديدة على المستوى العالمي. فقد اعتمد الاتحاد الأوروبي هذا النظام في "نظام تبادل الحصص" (EU ETS) منذ سنة 2005، حيث تُجرى مزادات دورية لبيع الحصص، وقد أثبتت فاعليتها في تقليص الانبعاثات الصناعية، وكذلك الصين، والتي أطلقت سنة 2021 أكبر سوق كربون في العالم، وشرعت منذ ذلك الوقت في تنظيم مزادات تدريجية لقطاعات محددة

التحديات المناخية العالمية

برزت آلية البيع في المزاد العلني بسوق الكربون كأداة مالية مبتكرة في ظلّ تصاعد التحديات المناخية العالمية،تربط بين البيئة والأسواق، وتحوّل الانبعاثات إلى أصول مالية تُباع وتُشترى ضمن سوق منظم. وقد شكل هذا الموضوع محورًا مهمًا في نقاشات المؤتمر السنوي لاتحاد أسواق المال العربية المنعقد في تونس، حيث تمّ التطرق إلى أهمية إدراج آليات الكربون ضمن البورصات العربية، بما يعزز الاستدامة ويجذب الاستثمارات الدولية.

تعتمد هذه الآلية على نظام "السقف والتجارة"، حيث تُحدّد الحكومات سقفًا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ثم تُباع تصاريح انبعاث داخل هذا السقف من خلال مزادات علنية تشارك فيها المؤسسات الاقتصادية. المؤسسات التي تستثمر في الطاقة النظيفة تُكافأ عبر تقليل حاجتها لشراء التصاريح، بينما تُجبر الشركات الملوّثة على دفع كلفة مالية متزايدة مقابل انبعاثاتها، مما يُحفّز التحوّل التدريجي نحو اقتصاد منخفض الكربون.

وقد شكّلت المبادرة السعودية لسوق الكربون الطوعي مثالاً متقدماً، حيث نُظّم أول مزاد علني عام 2022 وشهد بيع أكثر من مليون شهادة كربون، بمشاركة شركات كبرى مثل أرامكو وسابك.

يُعدّ الحديث عن إنشاء سوق كربون عربي إقليمي، وإن كان لا يزال في مراحله الأولى، خطوة إستراتيجية من شأنها أن تُحوّل الاقتصاديات العربية من أسواق تقليدية إلى أسواق مالية خضراء، تستوعب الابتكار البيئي وتُساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبالنسبة لتونس، التي تستضيف وتترأس هذا المؤتمر من خلال انتخاب الرئيس المدير العام لبورصة الأوراق المالية بلال سحنون ، فإن الانخراط في مثل هذه الديناميكيات يُعزز موقعها كبوابة للتكامل بين شمال إفريقيا والأسواق المالية العربية، ويمنحها فرصة لتكون فاعلاً رئيسياً في بناء اقتصاد منخفض الانبعاثات في المنطقة.

المشاركة في هذا المقال