Print this page

تراجع ترامب عن خطة التهجير .. بين الترحيب والتشكيك هل هو تحول في الموقف الأمريكي من غزة؟

بعد عاصفة الانتقادات والجدل التي أثارته تصريحات ترامب الأخيرة حول خطته لغزة  هاو هو

يدلي بتصريحات جديدة موضحا فيها بأنه لا احد سيطرد الفلسطينيين من غزة . ولقي هذا التغير في الموقف ترحيبا من دول عربية مثل مصر والأردن مشددين على أهمية تبني مسار شامل يستند إلى رؤية واضحة تحقّق الاستقرار والأمن . ويطرح هذا الموقف الجديد تساؤلات كبيرة فهل يعني قبولا ضمنيا بخطة مصر التي تبنتها القمة العربية الأخيرة وما سيكون البديل الذي ينتظره ترامب من العرب بالتخلي عن خطته للتهجير غير القانونية والتي تتجاوز كل المواثيق الإنسانية .
وجاءت مواقف ترامب الجديدة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء ايرلندا مايكل مارتن، فقد صرح ترامب قائلاً: "لن يطرد أحد أحداً من غزة"، وهو تصريح اعتبره البعض تحولا جذريا في سياسات الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية ، فيما شكك البعض في تصريحاته خصوصا لما تتسم به سياسة ترامب من تناقض كبير.
وأحدثت تصريحات ترامب حول تهجير الفلسطينيين من غزة صدمة في الأوساط السياسية الدولية والعربية. فالخطة التي كانت تروج لها الإدارة الأمريكية ، كانت تهدف إلى إخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين، تحت غطاء إعادة إعمار القطاع وتهجير السكان إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن. هذه الخطة لاقت رفضا قاطعا من دول المنطقة، وفي مقدمتها مصر والأردن، إضافة إلى معارضة شديدة من الدول العربية والمنظمات الدولية.
لكن تصريحات ترامب الأخيرة قد تعكس -رغم الشكوك- تحولا كبيرا في الموقف الأمريكي، خصوصا بعدما واجهت الخطة استنكارا شديدا على المستوى الإقليمي والدولي.إذ يبدو أن الضغوط التي مارستها هذه الأطراف وأيضا بعض الدول الغربية التي أبدت رفضها أيضا ، قد أجبرت الإدارة الأمريكية على إعادة النظر في تلك الخطة.إذ يبدو التراجع عن فكرة التهجير بمثابة خطوة لتهدئة الأوضاع وامتصاص غضب الحلفاء الإقليميين، خاصة مصر التي لطالما أبدت قلقها من التداعيات الإنسانية والمخاطر الأمنية لتطبيق مثل هذه الخطة.
من جانبها، أعربت وزارة الخارجية المصرية عن "تقديرها" لتصريحات ترامب، مشيرة إلى أن الموقف الأمريكي "يعكس تفهماً لأهمية تجنب تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع". هذا التصريح يعكس الحساسيات الكبيرة لدى مصر فيما يتعلق بالأوضاع في غزة. فالقاهرة كانت دائما لاعبا رئيسيا في جهود الوساطة بين حماس وإسرائيل، وهي تدرك تماما أن أي تحول في التركيبة السكانية لغزة سيكون له عواقب إنسانية خطيرة. خاصة وأنها قدمت خطة عربية خلال قمة طارئة انعقدت الشهر الجاري ، بهدف إعادة إعمار غزة ورفض التهجير .
في المقابل، دعا رئيس وزراء ايرلندا مايكل مارتن إلى تحقيق السلام في غزة، مشددا على ضرورة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين. وقد أكد في حديثه أهمية تثبيت وقف إطلاق النار، في ظل جهود الوساطة الدولية الرامية إلى إطلاق المرحلة الثانية من اتفاق غزة. وقد عبرت العديد من الدول والمنظمات الدولية عن رفضها لأي خطوات قد تؤدي إلى تغيير جغرافي في قطاع غزة أو تهجير السكان الفلسطينيين.
"صفقة القرن"
عقب تصريحات ترامب، من المتوقع أن تزداد الضغوط الدولية على الإدارة الأمريكية للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. وقد أظهرت القمة العربية في القاهرة، التي عقدت بداية الشهر الجاري، دعما قويا لفكرة إعادة إعمار غزة دون المساس بحقوق سكانها . وقد أعلنت القمة عن خطة تتضمن إعادة إعمار غزة باستثمار قيمته 53 مليار دولار، مع التأكيد على أن الفلسطينيين يجب أن يكونوا جزءا من أي حل مستقبلي، وأن لا يتم تهجيرهم من أراضيهم.
في الوقت ذاته، تواصل "إسرائيل" تشديد حصارها على القطاع، حيث أوقفت إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة في 2 مارس الجاري، مما يفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يعاني بالفعل من معدلات فقر مرتفعة للغاية.
في سياق آخر، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتي استمرت 42 يوما دون أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الثانية. هذه المرحلة، التي تشمل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من القطاع بشكل كامل، لا تزال غير واضحة، خاصة أن حكومة الاحتلال، بقيادة بنيامين نتنياهو، تسعى إلى تمديد المرحلة الأولى من الصفقة بهدف الإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة.
من جهة أخرى، ترفض حركة حماس هذا الموقف، وتطالب بأن يتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه في المرحلة الأولى، بالإضافة إلى بدء المفاوضات بشأن المرحلة الثانية في أقرب وقت. إلا أن المواقف الإسرائيلية، التي تركز على قضايا الأمن وتبادل الأسرى، لا تزال معرقلة لتحقيق التقدم في هذه المفاوضات.
يمثل تراجع ترامب عن خطته لتهجير الفلسطينيين من غزة خطوة إيجابية على الرغم من أنها قد تكون محاولة للتهدئة في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية. إلا أن القضية الفلسطينية لا تزال في مفترق طرق، حيث تتزايد التحديات الإنسانية والسياسية في قطاع غزة، ويظل الحل السلمي العادل بعيد المنال.
حماس ومصر ترحبان بتراجع ترامب
في الأثناء رحّب كل من المتحدّث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حازم قاسم ومصر أمس الخميس بما بدا أنه تراجع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دعوات تهجير سكان قطاع غزة.
ودعا قاسم الرئيس الأمريكي إلى "عدم الانسجام مع رؤية اليمين الصهيوني المتطرف".وقال قاسم: "في حال كانت تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب هي تراجع عن كل فكرة تهجير أهالي قطاع غزة، فهي تصريحات مرحّب بها، وندعو لاستكمال هذا الموقف بإلزام الاحتلال بتطبيق كل اتفاق وقف إطلاق النار".وجاء تصريح مسؤول حماس بعدما قال ترامب أمس الأول إنه "لا أحد يطرد أي فلسطيني من غزة"، ردا على سؤال خلال اجتماع في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن.كما أكد ترامب في الوقت ذاته أن واشنطن تعمل "بجد" بالتنسيق مع إسرائيل للتوصل إلى حل للوضع في القطاع.
في السياق ذاته، أعربت مصر عن تقديرها لتصريحات ترامب بشأن عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته.وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان إن هذا "الموقف يعكس تفهما لأهمية تجنب تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع، وضرورة العمل على إيجاد حلول عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية".
وكان الرئيس الأمريكي يروج، منذ 25 جانفي الماضي، لمخطط نقل فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة، مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي رفضته الدولتان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى، ومنظمات إقليميّة ودوليّة.وعرض في مطلع فيفري الماضي خطّته بهذا الشأن، التي اقترح فيها تهجير الفلسطينيين بشكل دائم وأن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على القطاع مع إطلاق خطة لإعادة إعماره وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
تقرير أممي
في تقرير صادر عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أمس، تم توجيه اتهامات قوية إلى "إسرائيل" بشأن ارتكاب أعمال إبادة في قطاع غزة. وبحسب التقرير، فإنّ "إسرائيل" قامت بتدمير منشآت الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية بشكل ممنهج، مما أدى إلى تهديد القدرة الإنجابية للفلسطينيين كجماعة، وهو ما يرقى إلى جريمة إبادة جماعية. هذا الاتهام، الذي يركّز على تدمير المنشآت الصحية الضرورية للنساء والفتيات، يحمل دلالة عميقة على التأثيرات الإنسانية والنفسية على المجتمع الفلسطيني بشكل عام.
ووفقا للجنة التحقيق، فإن الإجراءات الإسرائيلية التي استهدفت قطاع الصحة الإنجابية في غزة تمثل تصعيدا في استخدام العنف، بما في ذلك الممارسات التي تعرقل قدرة الفلسطينيين على الحفاظ على بنية اجتماعية وصحية مستدامة. ورأت اللجنة أن هذه الأعمال تمثل شكلين من أشكال الإبادة الجماعية كما تعرفها اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، وهما: خلق ظروف حياتية تهدف إلى التدمير الجسدي للفلسطينيين، وفرض إجراءات من شأنها منع حدوث الولادات. وتشير رئيسة اللجنة، نافي بيلاي، إلى أن هذه الانتهاكات تسببت في أضرار جسدية ونفسية بالغة للنساء والفتيات، ولها تداعيات طويلة الأمد على الصحة النفسية والإنجابية للمجتمع الفلسطيني بشكل عام.ووفق مراقبين فإنّ ما يميز هذا التقرير هو تأكيده على أنّ ''إسرائيل'' قد تورطت في أفعال تندرج تحت تعريف الإبادة الجماعية وفقا للمعايير الدولية.
حماس تُحذّر من مجاعة في غزة بشهر رمضان
من جهتها حذّرت حركة حماس من "مجاعة جديدة" في قطاع غزة بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي واعتماد سياسات التجويع حتى في شهر رمضان، وسط صمت المجتمع الدولي.
وقال عبد اللطيف القانوع، وهو متحدث باسم الحركة، في بيان إن الفلسطينيين بقطاع غزة "يعانون حصارا مشددا للأسبوع الثاني، ويمنع الاحتلال (الإسرائيلي) إدخال الغذاء والدواء والوقود والمواد الأساسية"، وهو ما يعتبر "جريمة تجويع جديدة".واعتبر القانوع أن ما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي "جريمة تجويع جديدة" ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر.
وأضاف أن "الأيام القليلة القادمة ستشهد فقدانا لعدد من المواد الأساسية والسلع الغذائية في قطاع غزة مما يزيد معاناة السكان ويفاقم أزمتهم".وخاطب المجتمع الدولي محذرا "ما لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه قطاع غزة سيعاني سكانه المجاعة مجددا في شهر رمضان".وفي السياق، دعا القانوع الوسطاء لـ"ممارسة مزيد من الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لفتح المعابر وتدفق المساعدات الإنسانية ووقف سياسة العقاب الجماعي بحق شعبنا".ومنذ بداية مارس الجاري، تمنع "إسرائيل" إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث تنصّلت تل أبيب من بنود أساسية في اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بالقطاع.

المشاركة في هذا المقال