من رود فعل واسعة إقليميا ودوليا ومخاوف لدى الأقليات السورية، يبدو ان الرئيس السوري احمد الشرع يسعى الى إيجاد تسوية احدى اكثر الملفات صعوبة في التاريخ السوري وهو الملف الكردي . ففي خطوة غير مسبوقة وقّع الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية قسد مظلوم عبدي، اتفاقا غير مسبوق في مسار هذا الملف الشائك منذ أكثر من عقد من الزمن.
ويقضي الاتفاق، الذي تمّ التوصل إليه في اليومين الماضيين، بدمج كافة المؤسّسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكرديّة في شمال شرق سوريا ضمن إطار الدولة السورية. ولم يكن الإعلان عن هذا الاتفاق مفاجئا في بعض جوانبه، لكنه فتح بابا جديدا لفهم ديناميكيات التحوّلات السياسيّة والميدانية التي تشهدها سوريا، ليُعيد إلى الواجهة تساؤلات حول مُستقبل وحدة سوريا ودور الأكراد في المشهد السوري الراهن والقادم. فما هي أبعاد الاتفاق وتداعياته وتأثيراته؟
ترحيب ومخاوف
ولئن رحب البعض بالاتفاق واعتبره خطوة نحو تسوية احد اهم الملفات الصعبة ، الا ان البعض الآخر اعتبره قبول ضمني من قبل الشرع بالحكم الذاتي للأكراد بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على وحدة سوريا. فقد تناقلت بعض المواقع ما أسمته بمسودة اتفاق بين هيئة تحرير الشام -التي تعتبر احد مكونات الإدارة الجديدة في سوريا -وبين قوات سوريا الديمقراطية الكردية تنص على اعتراف الحكومة الجديدة في دمشق بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا . وتساعد الحكومة على إعادة المهاجرين الأكراد في مناطق ريف حلب وعفرين وغيرها. في المقابل تعترف قسد بالحكومة السورية في دمشق وتعتبر الإدارة الذاتية جزء من الدولة السورية على ان يكون هناك اشراف جزئي للدولة على المعابر الحدودية مع دولة العراق وتركيا ومناطق الإدارة الذاتية . وهو سيناريو يشبه الى احد بعيد الحكم الذاتي للإكراد في العراق .
ولئن رحب البعض واعتبره خطوة نحو تسوية احد اهم الملفات الصعبة والجدلية ، الا ان البعض الآخر اعتبره قبول ضمني من قبل الشرع بالحكم الذاتي للأكراد بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على وحدة سوريا.
بنود الاتفاق
وأعلنت الرئاسة السورية عبر منصة "إكس"، في وقت سابق ، أن الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وقعا على الاتفاق الذي يقضي بوقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية.ونشرت الرئاسة السورية بيانا وقعه الطرفان وجاء فيه أنه تم الاتفاق على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
كما ورد في البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة السورية، ينصّ الاتفاق على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التي تسيطر عليها "قسد" في إطار الدولة السورية. ويشمل هذا الاتفاق جميع المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز التي كانت تحت سيطرة الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى ضمان حقوق جميع المواطنين السوريين من كافة الخلفيات الدينية والعرقية.
حماية الكرد
من أبرز النقاط التي تم التأكيد عليها في الاتفاق، هو تأكيد الدولة السورية على "حقّ المجتمع الكردي في المواطنة" وكذلك "ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم" مع "تأمين حمايتهم" من قبل السلطات السورية. ووفق مراقبين فإن إحدى النقاط الأكثر إثارة للجدل في هذا الاتفاق هي مسألة دمج قوات سوريا الديمقراطية ''قسد'' ضمن الجيش السوري. ووفق مراقبين تمثل هذه الخطوة تحوّلا في سياسة دمشق تجاه القوى الكردية المسلحة التي كانت في السابق في حالة توتر مع النظام السوري. من الملاحظ أنّ عبدي، في تصريحاته السابقة، أبدى استعدادا للانضمام إلى الجيش السوري، لكن من دون حلّ "قسد"، وهو ما يعكس رغبة في الحفاظ على هوية هذه القوّات المسلحة وعدم حلها بالكامل.
وتشير هذه الخطوة إلى تحوّل استراتيجي في السياسة العسكرية للنظام السوري، الذي يسعى إلى تكوين "جيش سوري موحّد" تحت مظلة وزارة الدفاع السورية. ومن الممكن أن يشكل هذا التحوّل نقطة انطلاق نحو إعادة هيكلة الجيش السوري ليشمل كافة المكونات السورية، بما في ذلك الأكراد الذين يعتبرون طرفا رئيسيّا في المعادلة العسكرية شمال شرق البلاد.
تسوية أم تحالف ؟
ويرى خبراء أنّ هذا الاتفاق لا يقتصر على الجوانب العسكرية فقط، بل يمتد أيضا إلى السياق السياسي الأوسع. باعتبار أنه خطوة نحو تسوية شاملة تشمل كافة الأطياف السياسية السورية..
ويبدو البند الذي يشير إلى "ضمان حقوق جميع السوريين بغض النظر عن خلفياتهم العرقية والدينية" أنه يتناغم مع النداءات الدولية لتحقيق تسوية سياسية شاملة تنهي النزاع المستمر منذ 2011. يضاف إلى ذلك إعلان وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية، والذي من شأنه أن يساهم في تخفيف حدة التوترات العسكرية بين الأطراف المختلفة، بما في ذلك الأكراد.
تظل المعضلة الكردية في سوريا جزءا من التحديات الكبرى التي تواجه هذه التسوية. هل سيقبل المجتمع الكردي بأن يُدمج بشكل كامل في مؤسسات الدولة السورية ؟ وهل ستتمكن دمشق من فرض سلطتها على الأراضي التي كانت تحت إدارة الأكراد؟.
وهناك تساؤلات أيضا حول آلية تطبيق الاتفاق، خاصة في ظلّ تباين القوى العسكرية والسياسية داخل سوريا. من المؤكد أنّ فصائل المعارضة السورية، التي لا تزال تحارب النظام، قد ترى في هذا الاتفاق خطوة نحو تعزيز قوة النظام في مواجهة خصومه. علاوة على ذلك، من المحتمل أن تواجه الحكومة السورية معارضة من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية، مثل تركيا التي لا ترغب في أن تصبح "قسد" جزءا من الجيش السوري نظرا لصلاتها بحزب العمال الكردستاني ''بي كا كا'' الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية.
البُعد الإقليمي والدولي
في سياق متصل يرى متابعون أن هذا الاتفاق يحمل أيضا رسائل إلى الأطراف الإقليمية والدولية. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون هناك محاولة لتخفيف الضغط الدولي عليه عبر تقديم مزيد من التنازلات للأكراد، وهو ما قد يساهم في فتح قنوات جديدة للحوار مع المجتمع الدولي، خاصة في إطار محادثات الحل السياسي في جنيف أو أستانة.
من جهة أخرى، فإن الاتفاق يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على علاقات النظام السوري مع تركيا، التي لطالما عارضت دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية. أي تحالف بين "قسد" والنظام السوري قد يؤدي إلى تعقيد الوضع في الشمال السوري، حيث تتواجد قوات تركية وفصائل سورية معارضة.
فهذا الاتفاق يظل مصحوبا بالعديد من التساؤلات حول آلية التطبيق ومدى التوافق بين الأطراف المختلفة.
ردود فعل واسعة
في الأثناء رحبت السعودية وقطر والأردن،بإعلان سوريا توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية، والتأكيد على وحدة أراضي البلاد ورفض التقسيم.
وأعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بتوقيع الاتفاق، وأشادت بالإجراءات التي اتخذتها القيادة السورية لصون السلم الأهلي في سوريا والجهود المبذولة لاستكمال مسار بناء مؤسسات الدولة بما يحقق الأمن والاستقرار ويلبي تطلعات الشعب السوري.وجددت المملكة دعمها الكامل لوحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، حسبما ذكر بيان وزارة الخارجية السعودية.
ورحبت قطر أيضاً بالاتفاق ووصفته بأنه "خطوة مهمة نحو توطيد السلم الأهلي، وتعزيز الأمن والاستقرار، وبناء دولة المؤسسات والقانون".وأكدت وزارة الخارجية القطرية، في بيان، أن "استقرار سوريا وازدهارها يتطلب احتكار الدولة للسلاح في جيش واحد يعبر عن كافة المكونات السورية، بما يضمن الحفاظ على سيادة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها".
بدورها، رحبت وزارة الخارجية الأردنية بالاتفاق، ووصفته بأنه "خطوة مهمة نحو إعادة بناء سوريا على الأسس التي تضمن وحدتها وسيادتها واستقرارها، وتحافظ على أمنها، وتخلصها من الإرهاب، وتحفظ حقوق كل أبناء الشعب السوري".
وأكّدت الوزارة الأردنية، في بيان، دعم الأردن لسوريا، واستعداده تقديم كل ما يستطيع من أجل دعم وإسناد الشعب السوري، لتجاوز المرحلة الانتقالية التي يريد لها أن تكون منطلقاً تاريخياً، لإعادة بناء سوريا الوطن الحر المستقر ذي السيادة، وذلك من خلال عملية سورية – سورية يشارك فيها مختلف أطياف الشعب السوري، وتحفظ حقوقه كافة، وتحميهم من الفوضى والفتنة والصراع.
وأشاد مجلس التعاون الخليجي بالاتفاق، متمنياً أن يسهم هذا الاندماج في دعم مسيرة الاستقرار والتنمية في سوريا، ويعزز وحدتها وسيادتها واستقلالها.وأكد جاسم محمد البديوي، الأمين العام، مجدداً على موقف المجلس الثابت، بدعوة جميع الأطراف ومكونات الشعب السوري على تضافر الجهود وتغليب المصلحة العليا والتمسك بالوحدة الوطنية، لتحقيق تطلعات الشعب السوري.
كما أكد على ضرورة تأمين سلامة المدنيين، وتحقيق المصالحة الوطنية، والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها، ودمج الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع، وحصر حمل السلاح بيد الدولة، للحفاظ على الأمن والاستقرار في سوريا واستعادتها لدورها الإقليمي ومكانتها الدولية، ودعمها لكافة الجهود والمساعي العاملة على الوصول إلى عملية انتقالية شاملة وجامعة تحقق تطلعات الشعب السوري في الاستقرار.
دعوات لمحاكمة مرتكبي الإعدامات الميدانية
ميدانيا دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أمس الثلاثاء السلطات السورية إلى الإسراع في محاكمة مرتكبي إطلاق النار العشوائي والإعدامات الميدانية في الساحل السوري، بعدما حصدت أعمال العنف أكثر من ألف مدني، غالبيتهم الساحقة علويون، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأشار نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المنظمة آدم كوغل في بيان إلى "تقارير عن انتهاكات جسيمة على نطاق صادم ضد سوريين أغلبهم من العلويين في الساحل وأماكن أخرى في سوريا"، معتبرا أن "الإجراءات الحكومية لحماية المدنيين ومقاضاة مرتكبي إطلاق النار العشوائي والإعدامات الميدانية وغيرها من الجرائم الخطيرة يجب أن تكون سريعة ولا لبس فيها".
ومنذ الخميس، وثّق المرصد السوري مقتل 1093 مدنيا على الأقل، غالبيتهم الساحقة مدنيون، على أيدي قوات الأمن ومجموعات رديفة في محافظتي اللاذقية وطرطوس.وبدأ التوتر في السادس من مارس في قرية ذات غالبية علوية في ريف اللاذقية على خلفية توقيف قوات الأمن مطلوبا. وسرعان ما تطوّر الوضع إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلحين علويين، قالت السلطات إنهم من الموالين للرئيس المخلوع بشار لأسد، النار على عناصر قوات الأمن في أكثر من مكان، وفق المرصد السوري. وتحدّث المرصد لاحقا عن عمليات "إعدام ميدانية" بحقّ مدنيّين خصوصا من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
وفي محاولة لاحتواء الوضع، أعلنت الرئاسة تشكيل لجنة تحقيق "للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدّت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها".وأعلنت السلطات توقيف مقاتلين على الأقل ظهرا في مقاطع فيديو وهم يطلقون الرصاص من مسافة قريبة على أشخاص عزّل.إلا أن تشكيل اللجنة التي تعقد بعد ظهر الثلاثاء مؤتمرا صحافيا في دمشق، لم يحل دون تواصل عمليات القتل العشوائي وفق المرصد، الذي أحصى الإثنين مقتل 120 مدنيا غالبيتهم في طرطوس واللاذقية.
وقالت هيومن رايتس ووتش "يؤكد العنف في المنطقة الساحلية السورية على الحاجة الملحة إلى العدالة والمساءلة عن الفظائع"، مشددة على وجوب أن تشمل "جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات مثل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري المدعوم من تركي" اللذين يشكلان الآن قوات الأمن الجديدة في سوريا.
وأشارت إلى أنّ لدى تلك المجموعات "تاريخا موثقا جيدا من الانتهاكات الحقوقية وانتهاكات القانون الدولي".وأضافت "تحتاج جهود العدالة إلى معالجة الانتهاكات الماضية والمستمرة، وضمان محاسبة المعتدين وتعويض الضحايا".
ودعت المنظمة الحقوقية القيادة السورية الجديدة الى أن "تتعاون بشكل كامل مع المراقبين المستقلين، بما يشمل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، وتضمن لهم الوصول دون عوائق".
وشددت على ضرورة "الإصلاح الكامل للقطاع الأمني، الذي يشمل قوات الجيش والأمن السورية الجديدة"، بما في ذلك "تنفيذ عمليات تدقيق صارمة لإزاحة الأفراد المتورطين في الانتهاكات".وشدد كوغل على أن "العدالة لا تكون حقيقية إذا كانت تُطبَّق فقط على البعض دون الآخرين. يجب أن تمتد المساءلة إلى جميع منتهكي حقوق الإنسان، بغض النظر عن انتماءاتهم السابقة أو الحالية".ونبّه "بدون ذلك، سيظل السلام والاستقرار الدائمان في سوريا بعيدَيْ المنال".