في ما أرى، لا يعرف الوزير الأول أدوات الاتّصال ولا أظنّه واثق من نفسه ولا أعتقد أنّه مدرك لعسر المرحلة...حشرالوزير الأوّل قوله ببعض الكليشيات، بكلمات رنّانة يأتيها عادة المسوّقون وباعة التصرّف وهي، لو نظرنا، لا تنفع ولا تقنع. لن تدفع بالمبادرة، بالاستثمار، بأي شيء يذكر... يعلم الوزير الأوّل والناس العامّة أنّ الاستثمار يلزمه سوق مستقرّة، واضحة التراتيب، بيّنة المعالم. كما يلزمه تحكّم في البلاد وفي العباد وعلويّة للقانون لا ريب فيها. لكن، ما يجري في البلاد ويعلمه الناس الخاصّة والعامّة هو أن البلاد لا تزال مفكّكة الأوصال، فيها اضطراب يتجدّد وفوضى وارهاب وتهريب. يعلم الشاهد ومن حوله أنّ تونس اليوم سوقها مضطرب والعمل فيها سمته الفيض والرداءة وهذه قوانين البلاد تدكّ كلّ يوم وتعفس... من من رجال الأعمال يقبل، والظرف كما نعلم، الاستثمار والدفع بماله في الجهات الداخليّة وفي الجهات الداخليّة ثورة لم تنته وعياط وصخب يتجدّد؟ لن يحصل في تونس استثمار. بل لعلّ من كان استثمر في ما مضى ندم وتراه يسعى الى استرداد ماله. الكثير من المؤسسات التونسية والأجنبيّة أغلقت أبوابها. الكثير من التونسيين والأجانب هربوا...
في ظل حكومات مهزومة، ضعيفة، مرتعشة اليد لن يستقرّ الوضع ولن يحصل استثمار ولا نموّ. للاستثمار، يجب أولا اعادة بناء الدولة، ترميمها. يجب وضع حدّ لكلّ عفس للقانون.. في تونس اليوم اضطراب وتشتّت. مع الثورة، انقطع الحبل الجامع لحبّات السبحة ومشت كلّ حبّة حيث شاءت الصدف. تعدّدت المصالح وتداخلت وحصل التضارب. كثرت العصابات وجيّشت القبليّة ومزّقت البلاد عروشيّة فاسدة. سادت عقليّة «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» وساند القربى والقبيلة وان أفسدوا وأحرقوا وخرقوا القانون... هذه نقابات تتضامن وتفعل ما تشاء وتعبث وهذه جماعات مهنيّة لا همّ لها ولا غاية غير حماية أتباعها وان ظلموا وهذه عروشيات ترهب بالعصيّ، بقطع الطريق، بالعصيان المدني...لا يحكم تونس اليوم حاكم بل حكّام عديدون. تونس دويلات... أحيانا أسأل هل الحكومة الرسميّة متواجدة في الساحة؟ هل هناك في البلاد وزراء ومدراء وادارة؟
استمعت الى الوزير الأوّل يخطب في رجال الأعمال ونظرت في عينيه، في وجهه، في حركاته. تنصتّ الى ما قاله من مفردات، من جمل...لم يقنعني الشاهد وذاك ما رأيته في أعين رجال الأعمال الحاضرين حوله. ما كان الشاهد بالكارزمائيّ. نظرت فرأيت في وجهه، في نظارتيه، في حركاته، في رجوعه الى وريقاته... رأيت رجلا متردّدا، غير مقتنع، شاكّا في ما يقول. هل هو في حرج؟ هل هو يدرك أنّ ما يقوله من كلام لا يصلح ولا يدفع...؟ كان الأولى أن يسكت الشاهد وأن يستمع الى رجال الأعمال، أن يسألهم عن السوق وملابساته، أن يدعهم يتكلّمون حتّى يحيطوه علما بما يجري في الشمال وفي الجنوب، حتّى يعلّموه أين تكمن العراقيل وكيف رفع العراقيل؟... يعلم الشاهد أنّه لا يعلم وأنّهم هم العارفون وكيف الدفع بالاستثمار وبالنموّ... كان على الوزير الأوّل أن يستمع ويعلم ويتعلّم ثم يتفحّص القول ويستشير ويقرّر الفعل... السكوت من ذهب حين لا نعلم، حين نكون في أوّل الطريق.