القرش من بن علي الى الغنوشي

(1)
في الأيام الموالية لاشتعال اللهيب في جسد أشهر الشبان المنتحرين العرب المسمّى محمد البوعزيزي ،يوم 17 ديسمبر 2010 في مدينة سيدي بوزيد ،وبعد وصول الجسم المحترق الى المركز الطبي لمعالجة الحروق البليغة ، كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي

يتوجه الى مطار تونس قرطاج الدولي، صحبة ابنته وبأمر منها لاستقبال البطل الأولمبي السبّاح أسامة الملولي الملقب بـ « القرش» . .
وسُجِّلت هذه اللحظة مثل علامة فارقة تقول:

إنّ نظام الرئيس بن علي قد اشرف على الهلاك تحت سامي إشراف بن علي شخصيا، وبدل ان يتوجَّه الى المستشفى لزيارة الشاب العليل ،شد الطريق الى المطار لاستقبال ما قيل انه صهره الافتراضي ، خاصة وان بنت السيد الرئيس غارقة في بحر من عشق للسبّاح الذي ما انفكّّ يحصد الميداليات الذهبية في المحافل الرياضية العالمية...

(2)
كان لأسامة الملولي سحره الخاص ، فهو بطل اولمبي عالمي ، وحطم أرقاما قياسية كثيرة في مجال السباحة مما أهّله ليكون سلطة اولمبية ، ولتكون صداقته مرغوبة من قبل الجميع .
ومن المعروف ان السلطة السياسية تعشق السلطات الاخرى في كل المجالات مثل الفن والرياضة والتمثيل والغناء والعلوم والشعر والآداب فهي تريد صداقتها وترغب في ان تسرق ما تيسّر من أنوارها، لا لشيء الا تأكيدًا لها ، وانتصارا لنرجسٍ كامنٍ في بنيتها الأصلية .
هكذا كان اسامة في عين بنت الرئيس بن علي عندما كانت نجمة أسامة عالية في سماء الأولمب.

(3)
ولا بد لكل نجم من أفول ،وكانت الألعاب الأولمبية الاخيرة امتحانا صعبا حين فشل في الفوز بميداليات جديدة وتحطيم ارقام قياسية في « ريو» البرازيلي .2016 .
وهذا هو حال النجوم في « المجتمع البَدَنِي « مثل الراقصين ، وملكات الجمال ، والملاكمين ، والسباحين ، وباقي أولئك الذين يعولون على البدن .
فهم محدَّدون بعامل السّنّ ، ولكن يظلون حاملين لبقية من بريق في حالة الأفول كما هو حال أسامة الملولي في «ريو «2016 .

(4)
لحظة الانحدار هذه في مسيرة اسامة الملولي الفتى السبّاح الأمهر( القرش سابقا ) جاءت بعد ضيافة سلطة بن علي ايام الانتصار،فقد نزل « القرش « الى حضن جديد هو أمير الاخوان المسلمين في تونس ولاعبهم الدولي الأوّل : راشد الغنوشي .

(5)
وفي الأيام الاخيرة ، كان راشد يريد ان يستقطب السلطات الناجحة او التي ترنو الى النجاح من اجل قول كلمة واحدة هي :
ان راشد الغنوشي يتمتع بروح رياضية عالية ، حتى ان اسامة الملولي نفسه خرج بعد اللقاء بالغنوشي بانطباع سجل فيه انبهاره باهتمام الشيخ بالرياضة والرياضيين ،
وكل هذا يتم لأنّ الغنوشي اتخذ قرارا لا رجعة فيه بان يلتفت الى الفئات الأقل تسيّسًا ، والأشخاص الأكثر طمعا في سلطة قد يعطيها» الشيخ « او يأمر بمنحها ،أو يوصي بمنحها لاختبار منسوب الطمع عند عامة الناس .
بل ان بعض الفئات الاخرى من المطربين أطلقوا لحيتهم تقربا من سلطة الغنوشي ، وبعض الفنانات أردن ارتداء الحجاب ليصرْن قريبات من النهضة الاخوانية، ومن قلب الشيخ الذي يعشق كل جميل .

(6)
ان مواقع التواصل الاجتماعي لا ترحم هذه الفئات الشعبية من الطرفيْن الطماعة في ودّ الغنوشي :
الطرف الاخوانيّ من جهة والمناوىء للإخوان .
فالاخوان يَرَوْن ان الرياضيين اقوياء في الجسد ولكن دينهم رقيق ، ويمكن ان يغلظ ، والشيخ متسامح في كل حال مع هؤلاء الذين يعرف حدودهم ، ولكنه يقدّر إشعاعهم ،والاخوان يعرفون في قرارة أنفسهم ان هؤلاء متملقون ويرغبون في النجاة والفوز من خلال التقاط صورة مع الشيخ الاخواني الذي تطوّر وتطوّر حتى تصوّر ان صورته سوف تلمع مثل أطماع النجم .

(7)
هل ترك الشيخ الاخوانيُّ شيئا لم يفعله من اجل ان يراه الناس متطوّرا ويحب الرياضة ؟
ألم يكتب اسامة الملولي في حسابه الفيسبوكي ما يدل على الانبهار بشخصية الرجل الذي لا يفهم في أمور الاخوان المسلمين فقط ، بل يفقه حتى في احوال الرياضة و الرياضيين.

(8)
واذا سال سائل عن سر علاقة الغنوشي بالرياضة والرياضيين ، فان الجواب سهل اذا تذكرنا ان الاخير قد شجع السلفيين على القيام بتمارينهم الرياضية في مخيماتهم الكشفية ، كما انه هو نفسه يمارس الرياضة السياسية والتزحلق على المواقف والقفز فوق الحبل مع محاولة تسجيل الأهداف في شباك الفهم ، من اجل تعديل الصورة السلبية عن الاخوان ، والقول بان الانتخابات القادمة سترشح الغنوشي للجنة الأولمبية التونسية لكسب سباق الرئاسة ، فجمهور هذه الفئات من النفوس الضعيفة تطمع في رضاء الشيخ الذي لا يكف عن الترويض السطحي للسياسيين والرياضيين .

(9)
لن يرحم احد اسامة الملولي ، وقد عاد بلا أوسمة او ميداليات ، فلحظة العودة من «ريو « قاسية كالحياة ،
ولن يلتفت اليه احد طالما ان رقبته خالية من ميداليات اولمبية .
وفي لحظة ضعفه هذه يستقبله او يُقاد الى رئيس خفيّ في تونس .

ولكن البطل التراجيدي قد يذهب بقدميه الى راشد الغنوشي علّه ينال من كرامات موهومة ، فقد تعوّد الاخير على الرياضة والرياضيين ، كما تمرّن على الرشاقة السياسية بما تعنيه من تقلّب وانقلاب .

 منصف المزغني

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115