مستويات عيش الفقراء، وتتراجع نسب المديونية والتضخم، وتتحرّر فلسطين، ويتآخ الشيعة والسنة والمسلمون والنصارى.
هذه المبالغة العالمية في تهويل المؤتمر ونتائجه تعود إلى سببين رئيسيين.
ثمة، من جهة، الآلاف من الناس الذي خدّروا على مدى عقود بأسطورة أنّ مشاكل مجتمعاتهم ستحلّ يوم يصل الإسلاميون إلى الحكم، على اعتبار أنّهم من طينة غير ما عرفته هذه المجتمعات سابقا، فهم فضلاء بينما كلّ الآخرين فاسدون، لهم فلسفة لا مثالية ولا مادية، واقتصاد لا رأسمالي ولا اشتراكي، وحلول سحرية لكلّ مشاكل البشر. كيف لا وهم ربّانيون، كما وصفهم حسن البنّا وسيّد قطب، ومن كان الله معه لن يعجز عن حلّ المشاكل البسيطة للبشر. نرجو لهؤلاء أن لا يخدّروا من جديد بقضية الفصل بين السياسي والدعوي، لأنها زوبعة في فنجان وليست أصل الموضوع.
أصل الموضوع هو أنّ سؤال السياسة في مجتمعاتنا قد حوّلت وجهته منذ عقود، ففي حين يطرح في العالم بصيغة: كيف تدار قضايا المجتمع؟ فإنه يطرح لدينا في صيغة: من هو الأقرب إلى الله ليتولّى الإمارة علينا؟ وقد ساعدت في ذلك الأنظمة الاستبدادية التي جعلت هذا السؤال محرّما، فكان طبيعيا أن يثار في الأقبية ويسيطر عليه من هو الأكثر قدرة على التقية والعمل السرّي. ولقد استفادت تلك الأنظمة من الإسلام السياسي بأن اختزلت شرعيتها في درء مخاطره. وبين هاجس الخوف الذي غذّاه هؤلاء وأسطورة الربانية التي نشرها أولئك، لم يبق مجال لقيام فكر سياسي بديل، يتميز بالواقعية.
لذلك كانت فضيحتنا مدويّة في كل مناسبة نتخلّص فيها من الاستبداد. ففي حين تتجه الشعوب عادة إلى استبداله بالحرية، نصبح نحن في وضع الغنيمة التي يتنازعها «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«جيش المهدي» و«بدر». ولم تكن الثورات العربية إلاّ استمرارا لخيبات تاريخية سابقة، منها أفغانستان بعد التخلّص من السوفييت، والعراق بعد التخلص من «البعث». ذلك أنّ البديل المنتشر عندنا للاستبداد أتعس منه، وما يدعى الإسلام السياسي جزء من هذا البديل الخائب. (أفضل استعمال عبارة الأصولية الإسلامية، لأن في الإسلام سياسة، لكنها غير ما يقصده هؤلاء).
ونعلم جميعا أنّ الأساطير تنهار عندما توضع على محكّ التجربة. هكذا سقطت الشيوعية في روسيا والوحدة العربية في المشرق العربي. وقد ترنّحت أسطورة الأصولية منذ أفغانستان والسودان والعراق، وانهارت بعد الثورات العربية. لذلك كنّا ننتظر من المؤتمر العاشر لحركة «النهضة» أن يحسم الموضوع، بالشكل الذي حسم به حزب الإيطالي أنطونيو غرامشي العلاقة بالشيوعية الستالينية، أو حزب الألماني كونراد أديناور العلاقة بالأصولية المسيحية. كنا ننتظر أن يعلن المؤتمر نهاية الأصولية أو الإسلام السياسي ويقرّ بالخطأ التاريخي
ويفتح صفحة جديدة، لا في تونس فحسب، ولكن في كلّ المجتمعات الإسلامية التي راقبت أعمال المؤتمر.
بيد أنّ البهرج الإعلامي الضخم والماكينة الدعائية الدولية لا يمكن أن ....