منبــــر: التناسب والإفراط في الصرامة: حالة الطفلة نور

نظمت كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس منذ أسبوعين ندوة حول التناسب في القانون. ومن المؤكد أن فصل التلميذة نور بسبب الملاحظات المهينة

التي صدرت عنها في حسابها على الموقع الاجتماعي ضد أحد معلميها، كان من شأنه أن يكون حالة نموذجية لتوضيح النقاش. وتأتي هذه الحالة في سياق احتفاء بلادنا مع باقي المجموعة الدولية بالذكرى الثالثة والثلاثين لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 20 نوفمبر 1989، اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها نونس من ضمن 196 دولة في العالم، والتي أقرّت صراحة بأن الأطفال هم أصحاب حقوق وآراء، بدلا من اعتبارهم أشخاصا تتخذ القرارات بشأنهم. وتم التعهد لجميع الأطفال، دون تمييز من أي نوع، باحترام وحماية وإعمال قيمة أساسية تتجاوز جميع القواعد المنظمة للحياة في المجتمع، بما في ذلك القواعد المنظمة للحياة المدرسية، ألا وهي كرامة الطفل.

كل طفل هو شخص فريد وثمين، ولذلك فإن الدول الأطراف ملتزمة باحترام وضمان الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية لكل طفل يخضع لولايتها دون تمييز من أي نوع، وكذلك بالاعتراف بحق كل طفل قادر على تكوين آرائه بحرية في جميع المسائل التي تمسه، إيلاء آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقا لسنه ونضجه، بحيث تحترم وتحمي على أي حال كرامته الفردية واحتياجاته الخاصة ومصالحه الفضلى وخصوصياته.
وفي الاتفاقية نفسها، تعهدت الدول بضمان أن تكون مصالح الطفل الفضلى اعتبارا رئيسيا في جميع القرارات التي تؤثر على الطفل.

والسؤال الذي عليه مدار الحديث هو هذا: هل تم الأخذ بالعتبار جملة هذه المبادئ والقيم المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل والمكرّسة أيضا في مجلة حماية الطفل من قبل مجلس التأديب لدى النظر في الأخطاء المنسوبة للتلمسذة نور؟ وإن تسليط عقوبة تأديبية على أي تلميذ بسبب أخطائهة وانحرافه على قواعد السلوك التي تحكم سير مؤسسات التربية والتعليم يدخل ثيدخل –بلا ريب- ضمن مقتضيات القانون التوجيهي عدد 80 لسنة 2002 المتعلق بالتربية والذي ينص الفصل 13 منه على أنه :ّ « على التلميذ واجب احترام المربي وكافة أعضاء الأسرة التربوية وعليه أن يتقيد بما تستوجبه حرمة المؤسسة التربوية.
...وكل تجاوز أو إخلال بهذه الواجبات والتراتيب يعرّض صاحبه للعقوبات التأديبية». ومع ذلك، ووفقا لنفس الفصل 13 ، «لا يمكن معاقبة التلميذ بالطرد لمدة تتجاوز ثلاثة أيام إلا بعد إحالته على مجلس التربية وتمكينه من حق الدفاع عن نفسه».
وهذا هو بالتحديد المثصود بمبدأ التناسب وهو الذي يذكرنا ، هنا كما في أي مكان آخر، بأن العقوبات المناسبة فقط هي الفعالة، بينما ينتهي الأمر بالعقوبات المفرطة إلى فزاعات سخيفة وتزعج نظام العقوبة بأكمله.

كيف وصل الأمر حينئذ إلى هذه الوضعية حيث يتبنى مجلس التأديب في مؤسسة تعليمية مثل هذا الموقف الصارم، المتمثل في الطرد النهائي للطفلة نور من المؤسسة بسبب أخطاء تأديبية بينما يطلب من القاضي الجنائي ، في حالة الجرائم الجنائية الأكثر خطورة التي يرتكبها الطفل، إعطاء الأسبقية للعدالة التصالحية بدلا من العدالة القسرية ، وفقا لحق الطفل «في أن يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة إحساس الطفل بكرامته وقدره ، وتعزز احترام الطفل لما للآخرين من حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتراعى سن الطفل واستصواب تشجيع إعادة اندماج الطفل وقيامه بدور بناء في المجتمع» (الفصل 40 من اتفاقية حقوق الطفل، الفصلان 12 و13 من مجلة حماية الطفل).

ونتبيّن في هذه الظروف إلى أي مدى تخلى مجلس التأديب عن مهمته التربوية من أجل إشباع رغبة في لانتقام غير المناسبة، خلافا لرسالته وفي تناقض تام مع أهداف التربية كما صاغتها النصوص المنظمة لعمل النظام التربوي ككل.
ويبقى يحدو الأمل في أن تعيد السلطات التعليمية الأمور إلى نصابها بمراجعة العقوبة المتخذة ضد الطفلة نور وبفرض المزيد من الإنسانية والتناسب، ما يساهم في إعادة بناء الثقة لدى الأطفال والشباب عامة في المدرسة ومن وراءها في بلادهم!

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115