تونس وتتالي الأزمات الاقتصادية: «وينوا المشكل ؟؟؟»

تتوالى الأسابيع والأيام وتتكثف السحب في سماء اقتصادنا الوطني ليصبح مغيما وينذر بانطلاق عاصفة هوجاء تأتي على الأخضر واليابس.

وجاء هذا الأسبوع كغيره من الأسابيع الأخيرة محملا بجملة جديدة من الأخبار غير السارة .ذلك أن هشاشة التوازنات الكبرى واحتمال التخفيض من جديد في ترقيمنا السيادي وخروج التضخم من عقاله وعدم قدرة السياسة النقدية على تثبيت التضخم والتأخير الكبير في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد عوامل تشكل مؤشرات جديدة على تزايد الغيوم لتصبح سماء اقتصادنا أكثر اكفهرارا وترديا .
ليست الأزمات الاقتصادية حدثا عرضيا في مسار الاقتصاديات الحديثة بل أنها تصاحبها وتشكل تحديا قائما ومتواصلا في مسيرتها .ولعل قيمة البلدان وقوة نخبها الاقتصادية والسياسية تكمن في قدرتها على ضبط السياسات العمومية لكبح جماح الانحرافات والتدهور وإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح .
ككل البلدان عرفت بلادنا أزمات اقتصادية جابهت فيها تحديات كبيرة كادت تعصف باستقرار الدولة الوطنية وتماسك عقدها الاجتماعي .ومن ضمن هذه الأزمات الكبرى يمكن أن نذكر أزمة تأسيس الدولة الوطنية في 1957 عندما حاول المستعمر تركيعها لإثنائها عن الخروج من دائرة هيمنته عندما قامت بلادنا ببناء مؤسسات اقتصادية مستقلة كالبنك المركزي والانطلاق في خطة تنمية وطنية .
وجاءت الأزمة الثانية في نهاية ستينات القرن الماضي مع فشل سياسة التعاضد وتنامي الصراعات في صلب الحزب الحاكم حول مستقبل النظام السياسي في بلادنا .
ثم أتت الأزمة الثالثة مع أحداث جانفي 1978 والصدام بين السلطة السياسية والاتحاد العام التونسي للشغل.والى جانب الأسباب السياسية لهذه الأزمة فقد حملت في أحشائها الصعوبات الأولى للنظام الاتصالي الليبرالي الذي وقع إقراره في بداية السبعينات .
أما الأزمة الرابعة فقد بدأت في بداية الثمانينات مع أزمة المالية العمومية وانفلات المديونية مما دفع بلادنا إلى الاستجابة إلى برنامج التعديل الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.وما أشبه اليوم بالبارحة فقد وضع هذا البرنامج نصب عينيه التقليص من الدعم للتخفيض من عجز المالية العمومية .وكانت انتفاضة الخبز في 3 جانفي 1984 النتيجة المباشرة لهذا الخيار مما دفع السلطة الى التراجع عن هذا القرار والعودة إلى برنامج إصلاحي داخلي مع الوزير الأول آنذاك السيد رشيد صفر .
وانطلقت الأزمة الخامسة في تقديري في بداية الألفية وإن لم نتمكن من الوقوف على آثارها إلا مع الثورة .وكانت هذه الأزمة ناتجة عن عجز السلطة السياسية عن الخروج من نمط التنمية المتآكل والموروث منذ السبعينات وبناء نمط تنمية جديدة وتنامي البطالة والتهميش الاجتماعي والمحسوبية والفساد إلى جانب الأزمة السياسية الخانقة التي كان يعيشها النظام السياسي .وقد زادت الاختيارات الاقتصادية بعد الثورة من حدة هذه الأزمة .
إذن عرفت بلادنا كعديد البلدان الأخرى عديد الأزمات الاقتصادية .إلا أن الخيط الرابط بين هذه الفترات الحالكة تمثل في قدرة الدولة ومؤسساتها الاقتصادية على بناء التصورات والسياسات للخروج من هذه الأزمات وفتح آفاق جديدة للتنمية .
ويختلف الوضع اليوم كثيرا عن اغلب هذه الفترات التاريخية التي اشرنا إليها. فلئن غابت الإرادة والأمل والقدرة على الإبداع والخلق في السابق إلا أن مشاعر العجز والقنوط والاستسلام هي الغالبة في الوقت الحالي مما يجعل السحب أكثر إيغالا في السواد والتغييم .
لا يكمن المشكل الأساسي في الوضع الحالي في حدة الأزمات التي نمر بها على أهميتها بل في عجزنا عن استنهاض إرادة حقيقية لإيقاف هذا التردي واتقاء العواصف.إن التحدي الحقيقي الذي نعيشه اليوم يعود إلى عجزنا وعدم قدرتنا على ضبط تصور شامل لإنقاذ اقتصادي حقيقي لتبقى السياسات الاقتصادية جزئية تلهث وراء الصعوبات القطاعية دون خيط رابط بينها يدعم انسجامها وترابطها وبالتالي فعاليتها .
قبل العودة إلى هذه الإشكالية سنتوقف عند أخبار السحب التي تلبدت في سماء اقتصادنا في هذا الأسبوع .
هشاشة التوازنات الكبرى
ككل الأجسام الحية يتطلب الاقتصاد مستوى معينا من التوازنات لضمان حسين سيره.وانخرام التوازنات الكبرى عادة ما يشير إلى الصعوبات والأزمات التي تعتمل في أحشاء الاقتصاد وتتطلب بالتالي إجابات سريعة من السلط وتحديد سياسات عمومية جديدة قادرة على إيقاف النزيف .
وقد انعكست الأزمات الاقتصادية في بلادنا على التوازنات الاقتصادية الكبرى التي دخلت في دوامة الانخرام والتراجع منذ سنوات.وقد عرفت بلادنا تسارعا في الأسابيع الأخيرة في تراجع مؤشر التوازنات الكبرى.ويمكن لنا في هذا المجال الإشارة إلى أربع مؤشرات مهمة تعطي فكرة واضحة عن هذا التدهور .
المؤشر الأول يهم هشاشة النمو والذي سيكون في تراجع خلال هذه السنة مقارنة بالسنة المنقضية ولن يتجاوز %2.7 حسب تقديراتنا ويلتقي ذلك مع تقديرات المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد.ولم تنجح بلادنا في السنوات الأخيرة في إعطاء دفع حقيقي وجدي للنمو حيث بقي في نسق ضعيف لم يتجاوز %1.9 سنة 2019 لتعرف بلادنا اخطر انكماش اقتصادي في تاريخها الحديث بسبب جائحة كورونا ليتراجع النمو بـ%8.7 سنة 2020.
كما لم تتمكن بلادنا من الاستفادة من العودة التقنية للنمو (reprise technique) التي تصاحب عادة فترات الانكماش الكبرى بسبب التأخير الكبير الذي عرفته عملية التلقيح وظل النمو محدودا في مستوى %3.3 سنة 2021.
وتشير كل هذه الأرقام إلى هشاشة النمو في بلادنا وعجز كل محاولات التنشيط عن دفع نسق النمو .وتبقى هذه الهشاشة الخطيئة الجوهرية والأساسية إذ لا يمكن لنا إصلاح الاقتصاد دون نجاحنا في خلق نسق نمو مرتفع .
أما المؤشر الثاني الذي يؤكد على هشاشة الوضع الاقتصادي والناتج في جزء منه عن ضعف النمو فيهم عجز المالية العمومية والذي وصل إلى المستويات العليا التي كان عليها في 2013 ليبلغ في نهاية هذه السنة -%9.3.ولئن أشار قانون المالية لسنة 2022 إلى حاجيات تمويل تقدر ب9.9 مليار دينار في بداية السنة أي ما يمثل %13.7 من الناتج القومي الخام فمن المنتظر أن تشهد هذه الحاجيات من المنتظر أن تشهد ارتفاعا على الأقل ب4.5 مليار دينار نتيجة ارتفاع مصاريف الدعم مع ارتفاع الأسعار العالمية للطاقة والحبوب جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
ويشكل انخرام المالية العمومية وارتفاع عجزها هاجسا مخيفا وتهديدا حقيقيا لاستقرار الدولة ومنزلقا خطيرا قد يقود بلادنا إلى «السيناريو اللبناني» كما اشرنا إلى ذلك في عديد المناسبات وذلك إذا لم نقم بضبط السياسات الضرورية لإصلاحه .
أما المؤشر الثالث والذي يؤكد على هشاشة الوضع الاقتصادي وتلبد وقتامة السحب على بلادنا فيهم التوازنات الخارجية والتي عرفت هي الأخرى تراجعا كبيرا في الأشهر والأسابيع الأخيرة .فقد بلغ عجز الميزان التجاري حوالي 11.8 مليار دينار خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الحالية أي حوالي 8.19% من الناتج القومي الخام.ولئن مكنت تحويلات المهاجرين ومداخيل السياحة من المحافظة على مستوى محترم من احتياطي العملة الأجنبية إلا أن تواصل الحرب في أوكرانيا وبقاء الأسعار العالمية للطاقة والحبوب في مستويات عالية من شانه أن يشكل تهديدا متواصلا لتوازناتنا المالية الخارجية .
أما المؤشر الرابع الذي يؤكد على هذه الهشاشة الاقتصادية فيهم المديونية العمومية والتي عرفت ارتفاعا غير مسبوق نتيجة العجز الخارجي وعجز المالية العمومية ليمر الدين العمومي من 68.2 إلى 107.8 مليار دينار من 2017 إلى 2021. ومثلت المديونية العمومية ما يقارب %82.4 في نهاية 2021.
أما المسألة الأخطر في المديونية العمومية فتهم مسألة خدمة الدين المرتفعة وهي التي تخص ما يتوجب على بلادنا تسديده لدائنيها في كل سنة .وقد بلغت خدمة الدين 14.8 مليار دينار سنة 2021 أي ما يمثل %11.3 من الناتج القومي الخام .وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع سنة 2023.
وتشير كل هذه الأرقام إلى أن بلادنا دخلت مرحلة زوابع كبرى .إلا أن هذه الأرقام تبدو صامتة لأنها لا تهم إلا المسؤولين والخبراء ورجال الاقتصاد. ويعتبر مؤشر التضخم وانفلاته من عقاله المؤشر الأهم باعتبار انعكاساته على الطاقة الشرائية لأغلب المواطنين .
خروج التضخم من عقاله
رغم بقائه في مستويات مرتفعة عرف التضخم في بلادنا شيئا من الاستقرار منذ 2018 فقد عرف على غرار الكثير من بلدان العالم تسارعا كبيرا في الأشهر الأخيرة ينذر بدخولنا في منطقة التضخم برقمين ليتجاوز بذلك مستوى %10.
وقد أكدت الأرقام الأخيرة لمعهد الإحصاء هذا الارتفاع الجنوني حيث بلغت نسبة التضخم في شهر سبتمبر 2022 مستوى %9.1 أي بزيادة %1.1 مقارنة بالشهر الفائت .
ولعل الخطر في هذه الدوامة أنها تمس مباشرة من الطاقة الشرائية لعموم المواطنين.فالتضخم قد مس القطاعات التي تهم الاستهلاك مثل المواد الغذائية والتي عرفت ارتفاعا بنسبة %13 وأسعار الأثاث والتجهيز المنزلي بنسبة %11.6 والملابس والأحذية بنسبة %6.4.
وفي ما يخص المواد الغذائية فقد جاء التضخم بصفة كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة %27.4 وأسعار البيض بنسبة %25 وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة %21.8 والغلال الطازجة بنسبة %18.2.
كما كان للتعديل الأخير في أسعار النفط المنزلي وقوارير الغاز انعكاس على أسعار السكن والطاقة المنزلية بنسبة %6.4 وأسعار النقل بنسبة %8.1.
وتكمن خطورة الدوامة التضخمية الجديدة في أسبابها والتي تجعل السياسات الاقتصادية الظرفية عاجزة على مجابهتها .فالسبب الأول يعود إلى التوتر الكبير الذي يعرفه الاقتصاد العالمي مع الحرب في أوكرانيا والذي كان وراء ارتفاع كبير في الأسعار العالمية بصفة خاصة في مجال الطاقة والمواد الغذائية وخاصة الحبوب .
أما السبب الثاني فهو سبب هيكلي داخلي يهم اضطراب المنظومات الإنتاجية الداخلية خاصة في مجال الطاقة والمواد الغذائية مما جعلها غير قادرة على مواكبة الطلب الداخلي وبالتالي التوجه إلى التوريد الذي ساهم في جعل اقتصادنا الوطني في مهب العواصف الخارجية .
ولعل احد أوجه الهشاشة في الوضع الاقتصادي الداخلي فيهم عدم قدرة السياسات الظرفية في المجال النقدي والمالي على مجابهة التحديات .
تراجع قدرة السياسات الظرفية على مواجهة المخاطر
تشمل أدوات الاقتصاد سياسات ظرفية مثل السياسات النقدية والمالية من جهة وسياسات هيكلية .ولئن سعت السياسات الظرفية إلى تحسين الظرف الاقتصادي في المدى القصير والمتوسط إلا أن السياسات الهيكلية تسعى إلى تغيير عميق في ركائز وآليات الاقتصاد لا يمكن أن نرى نتائجها إلا على المستوى الطويل .
أما المعضلة الأساسية في بلادنا اليوم فهي أننا نحاول التعاطي مع تحديات هيكلية تهم مثلا منظومات الإنتاج بأدوات ظرفية مثل السياسة المالية أو النقدية.وهذه الهوة بين طبيعة المشاكل والتحديات والحلول والسياسات المطروحة نفسر ضعف النتائج التي نتحصل عليها وتشكل احد المشاكل الأساسية التي تواجهها بلادنا .
وسنأخذ مثالا على ذلك السياسة النقدية ومحاولاتها إيقاف الدوامة التضخمية .فقد قرر مجلس إدارة البنك المركزي الترفيع في نسب الفائدة المديرية في مناسبتين الأولى في اجتماعه في 17 ماي 2022 بـ75 نقطة لتصل نسبة الفائدة إلى %7.1 والثانية في اجتماع 5 أكتوبر 2022 بـ25 نقطة لتصل نسبة الفائدة المديرية لـ%7.25 .وقد اتبع البنك المركزي في بلادنا المنحى الذي اتبعته أغلب البنوك المركزية في العالم بالقطع مع لحظة فولكور (moment volcker) في الرفع الكبير في نسب الفائدة كما قام بها رئيس الاحتياطي الفيدرالي في 1981 والتوجه نحو سياسة تغذية براقماتية تعتمد على الواقعية والتدرج.إلا أن هذا الاختيار يشير إلى المأزق الذي تعرفه البنوك المركزية في العالم والذي أشار إليه أهم المحافظين في العالم في اجتماعهم في جاكسون هول(Jackson Hole) في نهاية شهر أوت 2022.فمن جهة تشير أغلب الدراسات إلى أن للتضخم طابعا هيكليا مرتبطا شديد الارتباط بالتوتر الذي يشهده الوضع العالمي ولا يعود إلى الطابع النقدي ومن جهة ثانية يتطلب ارتفاع الأسعار تدخلا من المسؤولين على استقرار الأسعار.فكانت هذه السياسات المعتدلة والتي ستكون لها انعكاسات سلبية على المديونية بشكل عام والمديونية العمومية بشكل خاص وعلى المؤسسات الخاصة والاستثمار إذا لم تصاحبها خطوط تمويل خاصة اقل تكلفة .
وتزيد صعوبات السياسات الاقتصادية في التعاطي مع الأوضاع الجديدة من هشاشة الوضع الاقتصادي في بلادنا في ظرف تشهد فيها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تأخيرا كبيرا .
التأخير في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد
أعلنت مؤخرا المسيرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي جورجينا كريستالينا قرب الوصول إلى اتفاق على مستوى الخبراء بين بلادنا والصندوق مما يفتح باب الوصول إلى مجلس الإدارة وإمضاء الاتفاق .
ولئن أدخلت هذه التصريحات شيئا من الاطمئنان لما يمثله هذا الاتفاق بالنسبة لبلادنا،إلا إن التأخير الكبير في الوصول إلى اتفاق يطرح الكثير من التحديات على بلادنا.وسنكتفي بالإشارة إلى ثلاث مسائل هامة. الأولى تهم انعكاس هذا التأخير على تأجيل تعبئة الموارد الضرورية من المؤسسات المالية الأخرى.المسالة الثانية تعود إلى ضعف النقاش حول مسودة الاتفاق وغياب الشفافية مما سيعيق قدرة الحكومة على تطبيقه عند الإمضاء .
أما المسالة الثالثة فتهم التمشي الذي يبدو أن الحكومة اتبعته في تصورها للإصلاح الاقتصادي وبصفة خاصة لمنظومة الدعم بضغط من المؤسسات الدولية .
وقد اشرنا في عديد المناسبات في هذا المجال إلى تفادي المغامراتية التي قد تكون عواقبها وخيمة على توازناتنا الاجتماعية وإتباع تمش واقعي وبراقماتي .
كما أن لهذا التأخير في الوصول إلى اتفاق انعكاسات سلبية على تقييم المؤسسات الترقيمية لبلادنا .
احتمال التخفيض في الترقيم السيادي لبلادنا
أعلنت مؤسسة موديز للترقيم السيادي عن قرارها بوضع بلادنا والبنك المركزي تحت المراقبة مع إمكانية التخفيض فيه في بيانها ليوم 30 سبتمبر 2022.وقد فسرت الوكالة قرارها بأربعة أسباب رئيسية أولها عدم الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد والذي يمثل بالنسبة للمجموعة الدولية ضمانا لاستعداد أي بلاد إلى التدخل في إصلاحات اقتصادية جدية.
ويهم السبب الثاني ارتفاع عجز المالية العمومية والذي أصبح يشكل عبئا كبير قد يقود إلى الإفلاس وإعلان بلادنا عن عدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها في صورة عدم قدرتها على تعبئة الموارد المالية الضرورية ولعل الخطر في هذا التقرير والتقرير الذي سبقه أن الوكالة تشير بصراحة إلى سيناريو الإفلاس والذي لم يعد فرضية نظرية بل أصبح واقعا ممكنا إذا لم نقم بأخذ القرارات الضرورية .
أما السبب الثالث فيخص ارتفاع العجز الخارجي والذي سينعكس سلبا على احتياطي العملة الأجنبية وعلى قدرتنا على الإيفاء بالتزاماتها تجاه مزودينا في الخارج مما سيساهم في انخرام توازن الأسواق الداخلية .
أما السبب الرابع فيهم الاضطرابات الاجتماعية الناتجة عن غلاء الأسعار وندرة المواد وبالتالي التدهور الكبير في المقدرة الشرائية مما يهدد الاستقرار السياسي .
وتشير التطورات التي عرفها الوضع الاقتصادي في بلادنا إلى تزايد الغيوم والسحب كثافة مما ينذر بقرب هبوب العواصف التي قد تهدد استقرارنا.
رفض الوقع ، الاستسلام أو المواجهة
تشير هذه المعطيات إلى تعفن الوضع الاقتصادي العام والمالي للدولة وترديه. ولعل الأخطر هو غياب التصور الشامل للتعاطي مع هذه الأوضاع وتفادي العواصف القادمة .
ويتراوح الخطاب العام والسياسات المتبعة بين رؤيتين أثبتتا إلى اليوم عدم قدرتها على ايجاد الحلول الحقيقية للمرور ببلادنا إلى بر الأمان .الرؤية الأولى تتميز بالخنوع والاستسلام للواقع من خلال محاولة إيجاد بعض الحلول الظرفية في بعض القطاعات ومحاولة تنفيذ ما تقترحه علينا المؤسسات الدولية وإعطائها أهمية كبرى في التعاطي مع تحدياتنا والتوجه الثاني هو رفض الواقع واتباع منهج ما بعد الحقيقة والذي يجعل أسباب هذا الوضع في بعض القضايا الهامشية غامضا.
إن الواقع الحالي كما كان عليه الشأن في الأزمات السابقة والهزات التي عرفتها بلادنا يتطلب تعبئة مؤسسات الدولة وكل خبرائنا من اجل مواجهة الأزمات ولا الهروب منها وذلك من خلال صياغة برنامج إنقاذ وطني حقيقي يرتكز على أربع أولويات أساسية :
- الأولوية الأولى هي إعادة التوازنات الاقتصادية الكبرى وايقاف انخرام المالية العمومية والتوازن التجاري.
- الأولوية الثانية تهم ضرورة ضبط إستراتيجية متوسطة المدى لإعادة بناء توازن الأسواق خاصة بالنسبة للحاجيات الأساسية للمواطن .
- الأولوية الثالثة تخص تنشيط الاقتصاد من خلال دعم الاستثمار العمومي وخاصة الاستثمار الخاص.
- الأولوية الرابعة تهم بداية تنويع النسيج الاقتصادي ودعم التحول الإنتاجي من اجل «تغيير السيستام»
إذن الإجابة على سؤالنا الأولي «وينوا المشكل؟؟» نشير إلى أن المشكل الأساسي ليس في الأزمات باعتبارها مرتبة في مسار الاقتصاديات الحديثة بل في قدرتنا على ضبط تصور وبرنامج إنقاذ اقتصادي وطني يمكننا من تفادي العواصف القادمة ويضع بلادنا على طرق النمو المستدام والاندماج الاجتماعي .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115