تحليل إخباري: الاستحقاقات الإنتخابية المنتظرة: العزوف المضطرد والعزف المنفرد

إذا كانت السياسة هي معالجة الأمور و إدارة المُمكن بتدبير الحاكم لشؤون الدولة ، فإنه يُفترضُ أن يتجنب الساسة مآزق المنافذ الحادة Les impasses

بحيث تترك دائما إمكانيات تعديل المواقف والقرارات . هذه القاعدة تنطبق على الماسك بالسلطة و على الطامح إلى مسكها ، إذا كان يطرح نفسه بديلا للسلطة الحاكمة.
و لكن الواقع المعاش في إدارة شؤون الدولة والمواقف المعلنة للتشكيلات السياسية المعارضة إثر 25 جويلية 2021 كشفت أن المواقف و القرارات تُتّخذ دون أي إعتبار للمكن و في أحيان كثيرة دون التفكير في النتائج .
إن القوقعة الّتي تتردّد في تونس، لا نجد ما يبرّرها ولا تتلاءم الحركة فيها مع تطبيقات التجارب الّتي يقدم عليها السياسيون بين الفينة والأخرى وتراكم الأخطاء في مجالات التصرف والخيارات الإقتصادية، التي زادت في الأزمة المحكومة بإكراهات التبعية الإقتصادية الّتي ما فتئت تتسع بسبب التداين، الّذي أصبح في مقدمة الحلول لتجاوز العجز المضطرد الّذي عرفته الأوضاع الإقتصادية خصوصا في العشرية الماضية . لذلك يصبح الحديث ، عن منظومات جديدة، ومخرجات قادرة على قلب كل الموازين من قبيل الزفير و النفير في مضمار ضيّق تغلب عليه الحركة في نفس المكان «Mouvements sur place» تُجهد النفس و تستهلك الطاقة دون أن تحقّق أي تقدم، بل أن الإعياء يزداد يوما بعد يوم رغم المنشطات مّما يهدّد بما لا تحمد ُعقباه.

لقد تمّ تغير دستور 59 و ووضع دستور 2014 ثمّ تم تغيير دستور 2014 و تمّ وضع دستور 2022 والّذي بصدد تجربة مخرجاته ، بواسطة آليات إنتخابية جديدة مُنح فيها الفرد، الإعتبار الأهم ليكون لسان حال الشعب الطامح للتعبير عن إرادته بصفة مباشرة بخلفية إنجاز ما عجزت المجموعات والأحزاب عن تحقيقه، في مجلس شّرع ليكون مضطلعا بوظيفة التشريع تحت رقابة الماسك بوظيفة التنفيذ .

لن يكون التصويت في إنتخابات 17 ديسمبر المقبل على قائمات مستقلة أو قائمات حزبية، بل سيكون على أفراد تمكنوا من تجميع 400 تزكية لناخبين مقتنعين بالخطوط العامة لبرنامج المترشحين وقادرين على تحمل نفقات حملة إنتخابية يفترض أن تكون دون مال فاسد أو محل شك أو ريبة لكن الحاجة إلى تمويل كاف سيُبقى الباب مفتوحا على مصراعيه للبحث عن تمويل مشروط أو إستئئثار أصحاب المال و النفوذ بإمكانية الترشح.

إن جل الأحزاب عبرت على رفضها المشاركة في الإستحقاقات القادمة، وحكمت على نفسها بالخروج من الحلبة السياسية، على أمل أن يقع التفاعل إيجابيا مع مقترحاتها أو يحصل ما يفشل توجهات رئاسة الجمهورية، ويتحقق ما ليس هو في الحسبان بإنتفاضة جديدة تعيد خلط الأوراق و فرز الأدوار .
هذا الخروج من الأبواب الصغيرة بالنسبة للبعض، أو التوجه نحور الدخول في ممر حاد بالنسبة للبعض الآخر، كان بسبب سوء تقدير و نقص تدبير لكل التشكيلات الحزبية الّتي عجزت عن مجاراة نسق التغييرات والتحولات الّتي قادتها حركة النهضة الّتي إستغلت أخطاء منافسيها و السذاجة السياسية الّتي رافقتهم طيلة العشرية الماضية ولا زالت تستغفلهم إلى حد اليوم . فهذه الحركة لم تستوعب سحب السلطة منها بعد أن ساعدتها آلية «التوافق» على الإستئثار بها، وهو شعور تتقاسمه كل الأطياف فيها سواء أكانت في صفوفها، أو انشقت عنها ، مما سيجعلها دائمة السعي لإسترجاع ما أُخذ منها بكل الطرق. لذلك يُستبعدُ انصياع حركة النهضة للأمر الواقع و هو ما يرجحُ تخطيطها للمشاركة في الإستحقاقات القادمة بمرشحين تدعمهم وتقف خلفهم لحصد ما أمكن من مقاعد، مستغلة في ذلك تغلغلها في مجموعات نافذة في أوساط المال والأعمال والتجارة بمختلف أنواعها . هذا الإحتمال وارد جدا ، لقدرة حركة النهضة وأتباعها على المناورة، خاصّة إذا أخفقت السلطة السياسية في إحداث تغيير نحو الافضل بتجاوز الصعوبات والحد من الأضرار وإعادة زرع التفاؤل في المستقبل بإعادة توفير مستلزمات العيش الكريم . ولعل صائغ الدستور ومهندس تنقيح الأحكام الإنتخابية، كان متفطنا إلى هذه الفرضية فوضع أوراقا أخرى إحتياطية يمكن الرجوع إليها في صورة تحقيق ما لا ينتظر من مجلس النواب سواء بآلية الحل أو بآلية العزل او سحب الوكالة، ما لم يقع ضمان الأغلبية المسايرة للتوجهات الجديدة في العملية الانتخابية.

إن الأطراف السياسية غير الموالية للإسلام السياسي في شكله القديم، جهرت أغلبها بمقاطعتها للإنتخابات، وكان ذلك بصورة قطعية دون أن تترك مجالا للتراجع، منتهجة نفس التمشي الّذي سلكته عند مقاطعة الإستفتاء على الدستور الجديد، وهو ما سيجعل المنافسة غير متوازنة بكل المقاييس، سواء بسبب المرتكزات القانونية الّتي تمّ إعدادها من السلطة والتي تضمنت غربلة دقيقة مضيّقة لمجالات الترشح و بقى بعضها غامضا إلى حد الآن ، أو بسبب النفور المحتمل جدا من مشاركة الناخبين في الإستحقاقات الإنتخابية، أو بسبب نفاذ المخزون الشعبي الفاعل، للأطراف المقاطعة، الّتي لم تتّعض بالتجارب السابقة وأخرجت نفسها من نطاق المنافسة وعمّقت عزلتها، وتركت الساحة فارغة، دون تقدير تبعات ذلك على وجودها و على مستقبل البلاد . هذا المستقبل الّذي يبقى في النهاية مسؤولية على عاتق الجميع دون إستثناء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115