رمز وحدة الجمهورية، الضامن لاستقلالها واستمراريتها، من أجل وضع حد لحالة الانقسام الكبير للشعب التونسي منذ صدور دعوة الناخبين إلى الاستفتاء والشواغل المعرب عنها بشأن المشروع الأولي للدستور الجديد للجمهورية الّتونسية المنشور في 30 جوان 2022 ومنهجية إعداده ومراجعته في طور لاحق في 8 جويلية 2022، خارج أي إطار حقيقي يجسّد الحوار الوطني الشامل بوصفه حجر الزاوية في أي عملية دستورية ذات مصداقية تنشد الدوام والاستقرار طويل الأجل، مما يشكّل سابقة خطيرة لم تشهدها عملية إعداد كل من دستور 1 جوان 1959، ودستور 27 جانفي 2014!
ويأتي هذا النداء، بعد مرور عام على نفس النداء «لننقذ الجمهورية!» الذي أطلقته شخصيا في مقال نشر يوم 25 جويلية 2021 صباحا بجريدة «ليدرز»، بمناسبة الذكرى ال 64 للجمهورية، قبل ساعات قليلة من مبادرة الرئيس قيس سعيد والإعلان عن دخول تونس في «حالة استثناء»، استجابة للمطالب المشروعة للشعب التونسي والتي عبر عنها خلال تحركاته الاحتجاجية السلمية بعد فشل منظومة الحكم السابق في إيجاد حلول للأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد .
2. وفي مقال لاحق بعنوان: «المبادرة الرئاسية بتاريخ 25 جويلية 2021: نحو حوكمة جديدة لإنقاذ الجمهورية» نشر بجريدة ليدرز بتاريخ 30 جويلية 2021 ، وجدت مبادرة رئيس الجمهورية لمساء 25 جويلية 2021، في رأينا، أساسا دستوريا متينا، وهو المأخوذ من الفصل 72 من الدستور، بحيث يكون رئيس الجمهورية ، وهو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، على بينة من مدى الصعوبة التي خلقها هذا الدستور نفسه، فيقرر إنقاذ جوهر الجمهورية والنص التأسيسي لها. وفي نفس المقال، أوردنا ما يلي: «قد يرى البعض في ذلك انقلابا! ومع ذلك ، ليس هذا هو الحال! ...وعلاوة على ذلك، عندما ينتخب رئيس الجمهورية بأكثر من 70 في المائة من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يمكن أن يميل إلى الاستجابة للواجب التاريخي والحتمي المرتبط بمنصبه الرفيع وأن يتخذ طرقا استثنائية، بل وخارجة عن الدستور، لإنقاذ جوهر الجمهورية ودستورها! «
3. ولا يعنينا اليوم الرجوع بالتفصيل إلى مختلف القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية، عبر نهج انفرادي، وهو النهج الذي دفعه دون التشاور مع أصحاب المصلحة إلى اعتماد جملة من التدابير الاستثنائية، تم تأكيدها خاصة عبر الأمر الرئاسي رقم 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 يتعلّق بتدابير استثنائية، والذي مثّل نقطة تحوّل وكان أساسا لجملة من القرارات اللاحقة، بما في ذلك خاصة حل المجلس الأعلى للقضاء واعتماد المرسوم عدد 11 لسنة 2022 مؤرّخ في 12 فيفري 2022 يتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء والأمر الرئاسي عدد 309 لسنة 2022 مؤرخ في 30 مارس 2022 يتعلق بحل مجلس نواب الشعب.
4. وإن استناد هذا القرار الأخير إلى الفصل 72 من الدستور يبدو أكثر انسجاما مع روح الدستور إذ من شأنه أن يمكن من وضع حد للتدابير الاستثنائية التي لم تعد في رأينا استثنائية واستعادة الشرعية الدستورية لو تم تعزيز هذا المسار من خلال حوار وطني أصبح حتميا أكثر من أي وقت مضى، وكان من اللازم أن يكون مفتوحا لجميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية، وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل وباقي المنظمات النقابية التي تمثل العمال وأصحاب العمل ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات الأطفال والشباب، فضلا عن الخبراء المعترف بهم في المجالات القانونية والاقتصادية ، بهدف استعادة أسس سيادة القانون وإعادة تنشيط التجربة الديمقراطية لتونس الحديثة .
5. ولم يلق هذا النداء مع الأسف تجاوبا، إذ فضل رئيس الجمهورية أن يسلك نفس الطريق الأحادي الجانب عبر القيام بموجب المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المؤرّخ في 19 ماي 2022 المتعّلق بإحداث «الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة»، وتعيين «عميد العمداء»، الأستاذ الجليل الصادق بلعيد، منسقا لأعمالها ومكلّفا بإعداد نسخة أولى من الدستور بالتشاور بين مختلف المشاركين في أعمال الهيئة ولجانها الفرعية.
كما صدر في هذا الإطار كل من المرسوم عدد 32 لسنة 2022 المؤرّخ في 25 ماي 2022 المتعلّق بأحكام استثنائية لاستفتاء يوم 25 جويلية 2022، والأمر الرئاسي عدد 506 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 المتعّلق بدعوة النّاخبين إلى الاستفتاء في مشروع دستور جديد للجمهورية التّونسية يوم الاثنين 25 جويلية 2022.
6. والكلّ يعلم مآل هذه لنسخة الأولى من الدستور التي سلّمها العميد بلعيد للرئيس قيس سعيد في الوقت المحدد لها يوم 20 جوان الفارط، ووضعت فورا في الأدراج لصالح مشروع يبدو أن رئيس الجمهورية هو من أعده بنفسه وتم نشره بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 578 لسنة 2022 المؤرخ في 30 جوان 2022 ليكون موضوع الاستفتاء المقرر ليوم الاثنين 25 جويلية 2022، قبل أن يتم إصلاح أخطاء تسربت إليه بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 607 لسنة 2022 مؤرخ في 8 جويلية 2022.
• مشروع دستور من المرجح أن «... يمهّد الطريق لنظام ديكتاتوري» !
7. وهذا هو ملخص الانشغال الذي أعرب عنه رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة العميد الصادق بلعيد، في الرسالة التي نشرتها جريدة «الصباح» في عددها الصادر يوم الأحد 3 جويلية 2022، مضيفا أنّ «النصّ الصادر عن رئاسة الجمهورية لا يمت بصلة إلى النص الذي أعددناه وقدمناة لسيادة الرئيس»، حسب تأكيده وموضّحا أنّ النص الحالي من مشروع الدستور الذي تمّ نشره ينطوي، وفق تعبيره، على «مخاطر ومطبات جسيمة» من مسؤوليته التنديد بها، ومن أهمها:
- طمر وتشويه الهوية التونسية،
- رجـوع مريب الى الفصـل 80 من دستور 2014 حول «الخطر الداهم» يضمن من خلاله رئيس الدولة صلاحيات واسعة في ظروف يقررها بمفرده ما من شأنه التمهيد لنظام دكتاتوري مشين،
- انتفاء المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية،
- نظام جهوي وإقليمي مريب ومبهم وغامض ينذر بمفاجآت غير حميدة مستقبلا».
• إلغاء الدستور باسم الدستور ذاته!
8. ومن الغريب قبل كل شيء إن مشروع الدستور الجديد، سواء في نسخته المنشورة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 578 لسنة 2022 المؤرخ في 30 جوان 2022 أو النسخة المصححة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 607 لسنة 2022 مؤرخ في 8 جويلية 2022، حرص على الإشارة كأساس مرجعي يتصدّر قائمة المستندات للمشروع المذكور إلى دستور 27 جانفي 2014، الذي أشير إليه بوجه عام دون تحديد أحكام فصل محدد من نصه وذلك بالتنصيص على ما يلي: «بعد الاطلاع على الدستور»، وهو ما يعني أن الدستور الحالي المؤرخ في 27 جانفي 2014، يكون على هذا النحو أساسا لإلغائه وتعويضه والحال أن هذا الدستور قد حدد في بابه الثامن القواعد التي تحكم مراجعته، بالتنصيص على أنه «لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حقّ المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر» (الفصل 143) مع التأكيد بوجه خاص على ما يلي: « ... ينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة على مبدإ التعديل. يتم تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس أن يعرض التعديل على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترعين» (الفصل 144).
• مشروع دستور جديد بدون روح، بدون تماسك شامل!
9. وليس من اختصاصنا القيام بتحليل ممنهج لأحكام مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية هذا، ونشير، في هذا الصدد، إلى تحليل غير مسبوق قام بإعداده الأستاذ وحيد الفرشيشي ونشر فورا صدور هذا المشروع في نسخته المؤرخة في 30 جوان 2022، تحت عنوان «مكانة الحقوق والحريات في مشروع دستور 2022»، في طبعة ممتازة للجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية.
10. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى سمة رئيسية لهذا المشروع، وهي إنكار الديباجة الطويلة جدا للمشروع للمرجعيات التاريخية الأساسية التي ساهمت في تشكيل الهوية التونسية من خلال اختزال ذلك أساسا في «...الانفجار الثوري في 17 ديسمبر 2010، وانطلقت إثرها حركة التّصحيح بمناسبة الذّكرى الرابعة والستّين لإعلان الجمهورية، للعبور إلى مرحلة جديدة في التّاريخ، للعبور من اليأس والإحباط إلى الأمل والعمل والرجاء، إلى مرحلة المواطن الحر ، في وطن حر كامل السادة، إلى مرحلة تحقيق العدالة والحرية والكرامة الوطنية». ولتلخيص المراجع التاريخية الأخرى، تقتصر الديباجة على الاستشهاد ب «تراثنا الدستوري الضارب في أعماق التّاريخ من دستور قرطاج إلى عهد الأمان، إلى إعلان حقوق الراعي والرعية وقانون الدولة التّونسية لسنة 1861، فضلا عن النّصوص الدستورية التي عرفتها تونس إثر الاستقلال»، وفي ذلك تجاهل صارخ للدستور الذي وضعه الآباء المؤسسون للجمهورية في 1 جوان 1959 ودستور 27 جانفي 2014 ، الذي وضع «تحقيقا لأهداف ثورة الحرية والكرامة ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011 «.
11. كما تتجلى يطبع مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية المعروض على الاستفتاء، حتى بعد تصحيح الأخطاء التي تسرّبت إليه، قدر كبير من الريب من حيث مضمونه ولا سيما في ظل عدم وجود أحكام تكرس صراحة مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية، والتراجع الواضح فيما يتعلق بمبدأ تمسك الجمهورية التونسية بالحريات الأساسية وحقوق الإنسان المكرسة في المعاهدات الدولية، والاقتصار على التنصيص بالفصل 74 من مشروع الدستور على مبدأ أولوية المعاهدات الدولية المصادق عليها على القوانين، ولكن بصياغة يكتنفها قدر من الريب في المفاهيم عبر التنصيص على أنه: « ...لا تعد المعاهدات نافذة المفعول إلا بعد المصادقة عليها وشريطة تطبيقها من الطرف الآخر.
والمعاهدات المصادق عليها من قبل رئيس الجمهورية والموافق عليها من قبل مجلس نواب الشعب أعلى من القوانين ودون الدستور».
12. ويتمثّل موجب الريب في التنصيص على أن المعاهدات الدولية «...أدنى من الدستور»، ما يمكن أن يرتقي إلى نوع من التحفظ العام يكون الغرض منه إبطال مفعول عدد من الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في بعض المسائل التي يمكن أن تشكل –في رأي المؤسسات التشريعية والقضائية والإدارية المعنية- مخالفة لمقتضيات الدستور التونسي وبخاصة أحكام الفصل الخامس من مشروع الدستور ومقتضاها أن: « تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية «.
ويبدو هذا الأمر مثيرا للانشغال، إذ من شأنه أن يؤول إلى تأويل الفصل الخامس بطريقة تمثل تراجعا في مجال تأكيد أسبقية الصكوك الدولية، وأن يحدّ من الخطوات التي اتخذها فقه القضاء في بعض الأحكام والقرارات والتي تقر بقابلية اتفاقيات حقوق الإنسان للتطبيق المباشر وللتقاضي أمام المحاكم الوطنية.
• التخلي عن الهيئات الوطنية المستقلة، بما فيها هيئة حقوق الإنسان
13. ومن بواعث الانشغال الأخرى التي ينبغي إثارتها تخلي نص مشروع الدستور الجديد المقدم لاستفتاء 25 جويلية عن الهيئات الوطنية المستقلة، التي ارتقت إلى مرتبة دستورية في دستور 27 جانفي 2014، شأنها شأن هيئة حقوق الإنسان على وجه الخصوص، وكذلك هيئة الاتصال السمعي البصري، وهيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. ولن يحتفظ إلا بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في حين ينص المشروع على هيئة أخرى، وهي المجلس الأعلى للتربية والتعليم.
وإن هذا التوجه في تراجع حاد مقارنة بالخطوات المتخذة في تونس لإنشاء هيئات وطنية مستقلة في هذه المجالات الثمينة جدا لحماية الحقوق والحريات!، وذلك بصرف النظر عن طريقة اختيار وتعيين الشخصيات الوطنية المستقلة المنوط به القيام بالمهام السامية الدا'خلة في عهدة الهيئات الوطنية المستقلة.
• حقوق الطفل موضع تساؤل؟
14. لا يسع محرّر هذه السطور، العضو السابق ونائب رئيس لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، إلا أن يشير إلى المصير المخصص لحقوق الطفل في مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية، الذي يبدو أنه قد استنسخ تقريبا بالفصل 52 منه أحكام الفصل 47 من دستور 27 جانفي 2014، بالتنصيص على ما يلي: «حقوق الطفل مضمونة. وعلى أبويه وعلى الدولة أن يضمنوا له الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم. وعلى الدولة أيضا توفير جميع أنواع الحماية لكلّ الأطفال دون تمييز وفق المصالح الفضلى للطفل».
وبهذه الصياغة، يعترف مشروع الدستور بالمبدأ المكرس في المادة 18 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الذي يحدد واجبات متكاملة لكل من الوالدين والدولة.
15. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى الصعوبة المنجرة من إضافة الفصل 52 من مشروع الدستور الجديد فقرة أخيرة تنص على ما يلي: « وتتكفّل الدولة بالأطفال المتخلّى عنهم أو مجهولي الّنسب «.
ويمكن أن تبدو هذه الأحكام التزاما متجددا من جانب الدولة والمجتمع الوطني تجاه هذه الفئة الضعيفة من الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية. ولكن من شأن هذه الأحكام أن تصبح مصدر قلق بالغ إذا ما أريد لها أن تستعيض عن رعاية الدولة لهؤلاء الأطفال أنفسهم بجميع طرق الرعاية البديلة الأخرى المعتف بها في تونس، ولا سيما منذ اعتماد القانون عدد 27 لسنة 1958 المؤرخ في 4 مارس 1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني الصادر أقل من سنتين بعد صدور مجلة الأحول الشخصية في 13 أوت 1956 والذي تضمن، واحدا وثلاثين سنة قبل صدور اتفاقية حقوق الطفل، جميع آليات الرعاية البديلة المنصوص عليها في نص المادة 20 من الاتفاقية المذكورة التي أقرت حق الطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية في رعاية بديلة «...يمكن أن تشمل ، في جملة أمور، الحضانة، أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي، أو التبني، أو، عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال»، ما يعني أن الأولوية في تدابير وآليات الرعاية البديلة إنما يجب أن تتجه إلى تأمين حق الطفل في رعاية أسرية بديلة وأن وضعه في مؤسسات –عامة أو خاصة-مناسبة لرعاية الأطفال إنما يأتي «عند الاقتضاء» أي بوصفه آخر ما يمكن أن يلجأ إليه لرعاية الأطفال وذلك في صورة تعذر إيجاد طريقة أخرى للرعاية الأسرية البديلة.
16. وقد أوصت لجنة حقوق الطفل في ملاحظاتها الختامية الصادرة عقب النظر في التقرير الجامع للتقارير الدورية من الرابع إلى السادس لتونس بما يلي:
«...(أ) التخلص التدريجي من الإيداع في المؤسسات واعتماد، دون تأخير، الاستراتيجية وخطة العمل لإلغاء الحماية عبر المؤسسات، وضمان أن تتوفر للخطة الموارد البشرية والتقنية والمالية الكافية، وأن تشمل التحول المنهجي لنظم رعاية الطفل والرعاية الاجتماعية والحماية؛
(ب) ضمان توفير خيارات بديلة كافية للرعاية الأسرية والمجتمعية للأطفال المحرومين من بيئتهم الأسرية، بمن فيهم الأطفال المعوقون، وذلك بتخصيص موارد مالية كافية للكفالة والتبني، واستعراض تدابير الإيداع بانتظام وتيسير لم شمل الأطفال المعوقين بأسرهم، كلما أمكن ذلك؛
(ج) إجراء استعراض لتشريعاتها المتعلقة بالرعاية البديلة، ولا سيما فيما يتعلق بالتبني والكفالة، بغية مواءمتها مع القواعد والمعايير الدولية...» .
• خطر عدم الاستقرار المؤسسي المزمن
17. كيف وصلنا إلى هذا الوضع وهل تحولت حالة الاستثناء فيه إلى نموذج طبيعي لممارسة الحكم يتولّى فيه رئيس الجمهورية، رمز وحدة الجمهورية، الضامن لاستقلالها واستمراريتها، مباشرة عملية تفضي، في نهاية المطاف، إلى الدفن النهائي، باسم الدستور، لنفس هذا الدستور، الذي التزم مع ذلك بضمان احترامه (الفصل 72 من الدستور)؟
18. وهنا موضع الإشارة أني شخصيا واحد من أولئك الذين أسفوا علنا، في مقال نشر في صحيفة «لا بريس» في 27 ماي 2018 ، للنهج الذي اتخذ بوضع حد لدستور 1 جوان 1959، الذي اعتبر ظلما مسؤولا عن خمسة وخمسين عاما من الذكريات السيئة للأنظمة الشخصية التي حكمت تونس، ولم يذكر في المقابل أن هذا الدستور نفسه سمح لها بالاستفادة من الاستقرار النسبي الذي عرفته تونس منذ الاستقلال. فهل يمكننا بدورنا أن نتهم بموضوعية دستور 27 جانفي 2014، الذي وضع بتوافق تام بين أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، بأنه سبب حالة الشذوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي عاشتها تونس في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن الصعوبات التي مرت بها بلادنا على هذا النحو ليست نتيجة للنص الدستوري نفسه بقدر ما هي نتيجة لموقف العديد من الفاعلين السياسيين والشخصيات غير الجديرة بالثقة، الذين أعطوا أسوأ مثال، يوما بعد يوم، لما يمكن أن يفعله الفعل السياسي، والذين أكسبهم سلوكهم، في مواجهة المخاطر الكبرى التي ابتليت بها البلاد، استياء كبيرا لدى مجموع المواطنين والمواطنات .
19. وقد يميل البعض إلى التأكيد على أن إنشاء الجمهورية الجديدة تم وفقا لإجراء ديمقراطي، حتى وإن لم ينص الدستور الحالي على إمكانية تعديله عن طريق الاستفتاء، لأن ممارسة الشعب لحقه السيادي في تقرير المصير، الذي سيعبر عنه بهذه المناسبة عن طريق الاستفتاء يوم 25 جويلية 2022 له الأسبقية على النص الدستوري.
وتعتبر هذه الحجة قوية ولكنها تظل افتراضية إلى حد كبير ضرورة أنه لا يوجد في الوقت الحالي دعم شعبي حقيقي لعملية إنشاء جمهورية جديدة.
كيف يمكننا حينئذ حل كل هذه التناقضات ومنع ، قبل كل شيء ، تحويل الآمال الشعبية التي تم التعبير عنها مساء يوم 25 جويلية 2021 - بما في ذلك من قبل محرّر هذه السطور القليلة - إلى خيبة أمل لشعب بأكمله لو وجد نفسه غارقا مرة أخرى في ظلام ديكتاتورية جديدة يمكن أن تفضي نتيجتها إلى حالة من عدم استقرار المزمن للمؤسسات ؟
• دعوة إلى هبّة وطنية جمهورية
20. في هذا اليوم من الذكرى ال 65 للجمهورية ، تتأكّد الحاجة أكثر من أي وقت مضى لهبّة وطنية جمهورية ، يتم اتخاذها بمبادرة من رئيس الجمهورية نفسه في عمل من أعمال الحكمة المطلقة، بهدف إجراء حوار وطني شامل مفتوح لجميع أصحاب المصلحة ، من الأحزاب السياسية المؤمنة بقيم الجمهورية والديمقراطية، والمنظمات الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات النقابية الأخرى التي تمثل العمال والعمال، ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات الأطفال والشباب – بوصفهم قوة فاعلة في بناء المستقبل - فضلا عن الخبراء المعترف بهم في المجالات القانونية والاقتصادية ، بهدف استعادة أسس سيادة القانون وإعادة تنشيط التجربة الديمقراطية لتونس الحديثة.
21. ويكتسي هذا الحوار الوطني ضرورة أكبر في ضوء حالة الانقسام الكبير للشعب التونسي منذ دعوة الناخبين الاستفتاء والشواغل المعرب عنها بشأن مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية ومنهجية إعداده خارج أي إطار حقيقي يجسد الحوار الوطني الشامل والجامع باعتباره حجر الزاوية في أي عملية دستورية ذات مصداقية تهدف إلى ديمومة الجمهورية التونسية واستقرارها على المدى الطويل، مما خلق سابقة خطيرة لم يسبق لها مثيل في إعداد كل من الدستور الأول الصادر في 1 جوان 1959 و الدستور الثاني الصادر في 27 جانفي 2014.
• الفرصة المتبقية لإنقاذ الجمهورية!
22. ويبقى السؤال المحوري الذي عليه مدار الكلام كيف يمكن تجاوز حالة عدم الاستقرار وإنشاء مؤسسات قوية ودائمة، وبالتالي موحدة، قادرة على الحكم، خاصة في هذا الوقت الذي لا تبدو فيه المؤشرات مشجعة من حيث انتعاش الاقتصاد، دون اتباع مسار المتطرفين المطالبين بإسقاط الجمهورية لصالح ديكتاتورية جديدة؟
23. وحده الحوار الوطني الشامل سيمكن من إنقاذ الجمهورية من خلال وضع رزنامة وخطة طريق توافقية لإعادة الشرعية الدستورية وتحويل حالة الاستثناء إلى فضاء للحوار الوطني لبناء المستقبل عبر انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة ينبغي تنظيمها في أقرب وقت ممكن! وبعد ذلك فقط، وتحت رعاية البرلمان المعاد انتخابه (مجلس نواب الشعب)، يمكن عندئذ الشروع بجدية ودوام في صياغة دستور جديد لتصحيح جميع أوجه القصور في دستور 27 جانفي 2014، ويمكن أيضا اعتماد قانون انتخابي جديد ليكون أساسا للانتخابات اللاحقة!
24. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يضطلع الحوار الوطني بالمهام التالية:
1) تجديد الثقة في الحكومة - وربما إعادة تشكيلها - وتوجيهها إلى تنفيذ السياسة العامة للدولة، بما في ذلك على وجه الخصوص في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية في هذه المرحلة الحاسمة، مع القيام، كأولوية قصوى، بتوحيد الصفوف الوطنية والذهاب في انسجام وطني إلى المفاوضات الضرورية مع صندوق النقد الدولي؛
2) استعادة أركان الدولة وهيبتها والتصدي لكل محاولات النيل من مبادئ الجمهورية، وإقامة فضاء للمواطنة مفتوح للجميع لحماية الدولة ومؤسساتها من كل قوى التطرف والفساد والشعبوية، والهيمنة، وإعداد رؤية شمولية لسياسة الجمهورية التي تقاوم الفوضى وتقترح استراتيجيات برامج لتعزيز الدولة المدنية في مختلف المجالات وإصلاح السياسات والمؤسسات، مساحة تدمج الجميع دون مزايدة أيديولوجية أو ارتهان لمراكز النفوذ الداخلية والخارجية.
3) دعوة الفاعلين السياسيين لممارسة النقد الذاتي داخل الأحزاب وفسح المجال للتداول بين الأجيال بما يمكّن من بروز قيادات جديدة فيها في كنف الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والانفتاح على القوى الحية في المجتمع، والعودة إلى المبادئ والقيم الأصولية التي تقوم عليها الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون.
4) وضع آليات فض النزاعات الاجتماعية، ذات الصلة بعلاقات الشغل الجماعية، وفق مقاربة تؤمن الاستجابة السلمية للمطالب المشروعة في كنف الإمكانيات الفعلية المتاحة، وبعيدا عن كل استغلال أو توظيف سياسي أو أيديولوجي.
5) وضع خطة وطنية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والرفاه الشعبي، عبر:
- تقديم كشف وطني شامل للواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
- تثبيت مكانة الدولة وقدرتها، بالشراكة مع القطاع الخاص وباقي مكونات المجتمع المدني وبالتنسيق مع الجماعات المحلية، على رسم نمط تنموي بديل يمكن من القضاء بفعالية على اقتصاد الريع ونهب الثروات ويفتح آفاق تنموية جديدة واعدة وقادرة على إعادة تفعيل المصعد الاجتماعي وبناء الثقة في المستقبل لكل تونسي/ة.
- تهيئة بيئة داعمة للاستثمار والمبادرة الخاصة وإعادة الانتعاش الاقتصادي كمفتاح أساسي لتحقيق الرفاه الشعبي.
- تعزيز المبادرات الاجتماعية والمواطنية التي تقوم على قيم التضامن والإدماج من خلال المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمكافحة الفقر وتحقيق الرخاء والعدالة والحرية والكرامة والسلام للجميع، مع مراعاة حقوق الأجيال المقبلة والحاجة الملحة إلى الأطفال، الشباب والشباب ليكونوا رافعة رئيسية في تنفيذ خطة التنمية المستدامة.
- صياغة عقد اجتماعي جديد للتعليم كركيزة من ركائز التّنمية المستدامة وأساس التّجديد والتّحوّل وقاطرة لبناء المعرفة والمهارات ولإعداد الناشئة للولوج إلى سوق الشغل ولمجابهة مصاعب مواكبة للتغيّرات المتسارعة التي يشهدها العالم، وبما يساهم في مقاومة التهميش ويكرّس المساواة والتربية على حقوق الإنسان والمواطنة وبما يعزز تنفيذ الهدف الرابع للتنمية المستدامة لسنة 2030 المتعلّق بضمان التّعليم الجيّد المنصف والشّامل للجميع وتعزيز فرص التّعلّم مدى الحياة للجميع «وحتى لا يتخلف أحد عن الركب».
_______
1 - Cf. Hatem Kotrane, « Sauvons la République ! », Leaders du 25.07.2021.
2- Cf. Hatem Kotrane, « L’initiative présidentielle du 25 juillet 2021: une réponse à un état de nécessité constitutionnelle pour sauver la République et restaurer le prestige de l’Etat ! », Leaders du 30.07.2021.
3 - راجع حاتم قطران، « الطوارئ لـم تعد استثنائية»، جريدة المغرب 26/08/2021.
4- Cf. le même article paru en français, Hatem Kotrane, « L’état حالة d’exception n’a plus rien d’exceptionnel », Leaders du 25 août 2O21.
5- Cf. Hatem Kotrane, « L’initiative présidentielle portant dissolution de l’ARP: la chance qui reste pour sauver le République ! Leaders du 01.04.2022
(CRC/C/TUN/CO/4-6)، المرجع أعلاه، الفقرة 29. - الوثيقة
6- Cf. Hatem Kotrane, « La Tunisie si difficile à gouverner ?», La Presse du 27 mai 2018.