منبر: الأسباب اللامتناهية لرفض مشروع الدستور

• الفرع الخامس: في ما يتعلق بالتنقيحات

- أولا: وجب التأكيد بداية أننا أجبرنا على دراسة ثلاثة دساتير في ثمانية أيام، وذلك بين ثلاثين جوان وثمانية جويلية الفان واثنان وعشرين (قيس سعيد فبلعيد ثم قيس سعيد) في ظل مذكرة تفسيرية في ثلاثة جويلية الفين واثنين وعشرين، وهذا من تجليات «كتابة التاريخ الجديد».
- ثانيا: ورد بالرائد الرسمي المتضمن لتنقيحات الدستور أنه»... تسربت بعض الأخطاء...»، مما يستدعي ملاحظتين، فمن جهة أن عبارة «تسربت» تعني في سياقها أخطاء شكلية لا غير (العدد والنحو والصرف والرسم والسهو عن كلمة...)، والحال أن التنقيحات تعلقت بعديد المضامين سنأتي عليها لاحقا، ومن جهة أخرى ان عبارة « بعض الأخطاء» تتجافى مع عدد التنقيحات المقدرة بـ 46، فلا تناسب بين» بعض» و» 46»، سيما أن مشروع الدستور يتضمن 142 فصلا.
- ثالثا: على خلاف ما صرح به قيس سعيد يوم إعلانه على الدستور التنقيحي وفي إطار التبرير، أن ما حصل هو شبيه بالأخطاء الواردة في الأحكام القضائية، نكتفي بالقول أنه يجوز اصلاح الأخطاء المادية في الأحكام من قبل القضاء ولو تلقائيا( الفصل 56 من قانون المحكمة الادارية)، الا أن اصلاح الأخطاء الأصلية (تمس المضامين بالتنقيح أو الاضافة أو الحذف) لا يكون تلقائيا من القاضي أبدا، بل يتطلب الأمر دعوى جديدة وهي «اعادة النظر» ولها أجالها واجراءاتها (الفصلان 77 و78 من قانون المحكمة الادارية). وعليه جاز القول أن الأستاذ الرئيس انحرف جليا بالأجراءات.
- رابعا: أغلب المراجعات الأصلية تعكس رجوعا لدستور 2014، بما يشكل ثأر هذا الدستور من قيس سعيد.
- خامسا: فصل الكلام بخصوص الدستور التنقيحي، أنه يتلخص في عملية تجميلية، ومن الثابت أن التجميل لا يغير القبيح من أصله، والأصل أن المشروع غير ديمقراطي، وذلك تقريبا باجماع أساتذة القانون العام.
- سادسا: يلاحظ ارتفاع مؤشرات فقدان هيئة الانتخابات لاستقلاليتها( مذكرة خارج الاجال وكذلك وعلى وجه الخصوص التنقيحات من دون ترتيب النتائج القانونية وأخيرا تلقي التعليمات من رئيس الجمهورية بتاريخ 11 جويلية الجاري بخصوص تنظيم الهيئة وسيرها)، بما يجعلها على مشارف «الهيئة الرئاسية للانتخابات».
• الفرع السادس: أجزاء الدستور
سوف نعتمد في قراءتنا الترتيب الوارد بالمشروع (التوطئة ثم الأبواب تباعا).
التوطئة:
- أولا: لا تثريب أن تحمل التوطئة جزئيا أسلوبا ادبيا حماسيا، لكن التوطئة بالأساس هي تأصيل ورسم للمشترك ولروح الدستور، كما أنها تشكل جزءا لا ينفصل عن الدستور خاصة في التفسير واسناد القوانين والتراتيب العامة التي لا تحجبها قوانين عن الدستور (فقه قضاء المحكمة الادارية يؤكد هذا الاتجاه).
- ثانيا: طول التوطئة (عشرون فقرة) فات المعقول والمألوف (دستور 1959 ودستور 2014: 6 فقرات) (دستور فرنسا فقرتان) (دستور البرتغال 4 فقرات) (دستور الولايات المتحدة فقرة واحدة) (دستور المانيا 7 فقرات).
- ثالثا: «كتب التوطئة سعيد بنفسه وغلب عليها الطول والحشو والثرثرة واصطبغت بنزعة ذاتية نرجسية واضحة، في اطار ذاكرة انتقائية الى جانب المبالغة والتضخيم» (مختار الخلفاوي)، كما يلاحظ التكرار خاصة الأحداث والشعارات.
- رابعا: التوطئة هي «تحريف وتدليس وانتقاء للتاريخ» (عياض بن عاشور).
- خامسا: التنصيص في التوطئة على حدث فرعي وفاقد لكل أساس قانوني وهو الاستشارة الوطنية والايهام بنجاحها.
- سادسا: يؤسس قيس سعيد «... مجتمع القانون... ويحرص الشعب بنفسه على انفاذ القواعد القانونية ويتصدى الشعب لكل من يتجاوزها أو يحاول الاعتداء عليها» (الفقرة 13)، ولو تم فك الشفرة لتجلى أنه يحرض على عدالة الشارع، وهو من تجليات المليشيات القيسية الفاشية، ومن بواكره الطرد العنيف لقيادات ورئيس حزب افاق تونس في ولاية سيدي بوزيد بتاريخ ثلاثة جويلية الجاري.
- سابعا: انتقاء التواريخ والتاريخ يعكس نفسية انتقامية، من ذلك التنصيص على دستور قرطاج وعهد الامان ودستور 1861، مع مرور الكرام على دستوري 1959 و2014. كما ذكرنا بدستور الميزان ولونه أحمر الراجع لبداية القرن السابع عشر، والحال أنه ليس دستورا حسب اهل الاختصاص، ولا يتعدى الدفتر الجبائي المحرر من الدايات المراديين( سناء بن عاشور) وعديد العبارات بخصوصه في التوطئة منقولة حرفيا من الكتاب الشهير لابن أبي ضياف (الجزء الثاني الصفحة 833). وهذا يشكل قرينة اضافية على أن الرئيس في حالة توحد دستوري وسياسي وتاريخي.
• الباب الأول: المبادئ العامة (21 فصلا)
- أولا: تكرار كامل أو جزئي لعديد الفصول الواردة بدستور 2014.
- ثانيا: ان الفصل الخامس وهو الفصل الأخطر في كامل الدستور يولد تخوفات من المرور من إسلام الدولة إلى دولة الإسلام (سليم اللغماني)، فمقاصد الإسلام المنصوص عليها بالمشروع هي مقاصد الشريعة بحسب المختصين، وظهرت مع الغزالي وطورها الإمام الشاطبي ثم القرضاوي وهي جزء من الإسلام الأصولي والسلفي، وهو مفهوم قابل للانحراف، كما مفهوم المصلحة العامة فهو في ظاهره نبيل لكن يمكن أن يكون مصدرا للنيل من الحريات والحقوق والاستيلاء على الأملاك...
إن إدراج مقاصد الشريعة داخل الدستور هو أخطر وأكثر مما طلبته النهضة في عنفوانها (الشريعة من مصادر القانون)، مع التذكير أن قيس سعيد تمسك قبل الرئاسة بأنه على الدولة أن تضمن مقاصد الشريعة الخمس (حوار الشارع المغاربي في جوان 2019 وقال فيه أنه ضد تصنيف أنصار الشريعة كمنظمة ارهابية).
وباسم الشريعة ومقاصدها وعند إطلاقها إلى منتهاها، قامت الوهابية وحركة الإخوان وطالبان والقاعدة وداعش... إلى حد أن البعض يرى في هذا الفصل «تنينا لالتهام الدولة الحديثة» (نايلة السليني).
مع الإشارة إلى أن إضافة عبارات «في ظل النظام الديمقراطي» لا تشكل ضمانة، من جهة لأنها أصبحت فضفاضة، ومن جهة أخرى لأنه لا يمكن «الزواج» بين الديمقراطية ومقاصد الشريعة فالإدراج كان مسقطا بما سيعجل بالطلاق، فالإدراج يهدف في الحقيقة إلى التلطيف وخاصة إلى تجنب عبارة الدولة المدنية (لم تدرج أبدا بالمشروع) التي تتسم بالوضوح والتكثيف وتعني تونسيا الدولة العلمانية.
- ثالثا: السهو عن القطاع التضامني والاجتماعي إلى جانب القطاعين العام والخاص (الفصل 17) وهو القطاع الثالث وعنوانه التنمية والطموح والآمال (10 بالمائة من الاقتصاد الفرنسي).
- رابعا: بخصوص مبادئ المرفق العام(الفصل 19) فقد وقع حذف الاستمرارية والنزاهة والشفافية والنجاعة والمساءلة (المبادئ 3 الأخيرة تشكل الأسس المتفق عليها بخصوص الحوكمة الرشيدة).
- خامسا: كان يتعين المحافظة على عديد المبادئ الواردة بالدستور النافذ وهي معقولة ومتفق عليها (الحفاظ على المال العام ودعم اللامركزية في إطار وحدة الدولة واحتكار الدولة لإنشاء القوات المسلحة والجيش الجمهوري الملزم بالحياد التام والأمن الجمهوري الملزم بالحياد التام كذلك مع أداء الوظيفة في كنف احترام الحريات).
• الباب الثاني: الحقوق والحريات (34 فصلا)
أولا: ملاحظات عامة:
1 . تكرار مريب عند الإحالات على القانون (الفصول 24 و29 و32 و35 و39)، سيما أن مضمون الفصل خمسة وخمسين يحتوي ويؤطر هذه المسألة، علاوة على انحرافات السلطة بالاعتماد على مثل هذه الإحالات قبل الثورة.
2 . عدم التنصيص على وجوب احترام المنظومة الكونية لحقوق الانسان.
3 . إن الفصل 55 هو الفصل 49 في الدستور النافذ (درة الدستور حسب معتز القرقوري ، ينعت كذلك بدستور الحريات) شهد حذف مفهوم الآداب العامة وهو أمر محمود في الظاهر، أما ولو تعمقنا نلاحظ أن مقاصد الشريعة لها مجال أوسع بكثير من مفهوم الآداب العامة بما يجيز حذف الآداب العامة طالما أنها أضحت عديمة الجدوى في ظل سريان الفصل 5. أما الحذف المثير للريبة فهو يتعلق بـ» الدولة المدنية» التي لا أثر لها في دستور قيس سعيد.
4 . إن الحقوق والحريات المضمنة بالمشروع سوف تؤول بالضرورة بما يتلاءم وبما يتواءم وما لا يتعارض مع مقاصد الشريعة، فالفصل الخامس (مقاصد الشريعة) هو نص أفقي أي عام وجامع.
5 . ان مجال تطبيق الفصل 55 سيتأثر بالضرورة بمجال تطبيق الفصل 5 المذكور لأن مجاله أوسع بكثير من مجال الأول.
- ثانيا: ملاحظات جزئية
1 . من غير الملائم ادراج حرية الضمير وحرية المعتقد في نفس الفصل (الفصل 27)، والحال أنهما حريتان غير متحالفتين، وربما متناقضتين، وكان المتعين تحويل حرية المعتقد بجوار حرية الشعائر الدينية (الفصل 28).
2 . هناك اضافات محمودة (تكفل الدولة بالاطفال المتخلى عنهم ومجهولي النسب، الفصل 52) (تضمن الدولة المساعدة للمسنين الذين لا سند لهم، الفصل 53).
• الباب الثالث: الوظيفة التشريعية (31 فصل)
القسم الأول: مجلس نواب الشعب (23 فصل)
- أولا: انه مجلس ضعيف لأنه مخصي، فقد تقلصت صلاحياته وحذفت منها وضع الاجراءات أمام المحاكم والمصادقة على الحكومة وإعفاء أحد أعضائها وعزل الرئيس... وتقاسم صلاحيات أخرى مع المجلس الثاني (وضع مخططات التنمية وقانون المالية ولائحة اللوم ضد الحكومة)، كما فقد كل اليات الضغط الناجعة (عزل الرئيس واستحالة واقعية لاسقاط الحكومة...).
ثانيا: عندما كان يدرس، تمسك الأستاذ الرئيس بأنه الغاية من احداث غرفتين في البرلمان هو اضعاف السلطة التشريعية وتعطيلها، خاصة في ما يتعلق بلائحة اللوم، بشهادة أساتذة كانوا طلبته (هناء بن عبده).
- ثالثا: تم اقرار سحب الوكالة من النواب بالمجلس الأول فقط (الفصل واحد وستين)، أما بخصوص اعضاء المجلس الثاني فنتصور أن القانون الانتخابي سيتكفل بالمسألة.
- رابعا: هناك تحجير واقعي لأصحاب المهن الحرة لدخول المجلسين، نظرا لتحجير أي نشاط اخر بمقابل أو بدونه (الفصل 61 و82)، بما سيضعف بالتبعية وبالضرورة الأحزاب.
- خامسا: هناك شيء ايجابي يتمثل في تحجير السياحة الحزبية داخل مجلس نواب الشعب (الفصل 62).
القسم الثاني: المجلس الوطني للجهات والأقاليم (6 فصول)
- أولا: سيكون عدد الأعضاء تقريبا 78 (3 عن كل ولاية و6 ممثلين عن الأقاليم التي من المتوقع أن يكون عددها ستة).
- ثانيا: ان الانتخاب سيكون غير مباشر، بما يتضح معه التجسيد للبناء القاعدي التصعيدي.
- ثالثا: ان صلاحياته أقل بكثير من صلاحيات مجلس نواب الشعب، فمن جهة لا ينفرد بصلاحيات مخصوصة، ومن جهة أخرى يتقاسم مع المجلس الأول 3 صلاحيات لا غير (المصادقة على الميزانية والموافقة على مخططات التنمية والتصويت على لائحة اللوم ضد الحكومة).
رابعا: بصرف النظر عن الشك في جدوى إحداث مجلس ثان، فان تكلفته المالية عن المدة النيابية 5 سنوات) تقارب 16 مليون دينار في ما يتعلق بمنح النواب فقط بحساب 3300دينار عن الشهر الواحد لكل نائب، بما يبرز مكانة النجاعة وحسن التصرف في المال العام في الجمهورية الجديدة، والحال أن الهدف الخفي والمفضوح هو تحقيق أرباح سياسية.
الباب الرابع: الوظيفة التنفيذية (30 فصلا)
القسم الأول: رئيس الجمهورية (23 فصلا)
- أولا: رئيس الجمهورية يضبط السياسات العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية (الفصل 100) في الداخل والخارج.
- ثانيا: يتمتع بالحرية الكاملة في تعيين أو اعفاء الحكومة كاملة أو جزئيا (الفصلان 101 و102).
- ثالثا: له الحق في الاستفتاء التشريعي (الفصل 97) وفي الاستفتاء الدستوري (الفصل 136) من دون المرور بالبرلمان، والغريب أن دستور 1959 في فصله 77 كان يفرض موافقة البرلمان المسبقة، فهل ينجح قيس سعيد في فعل ما لم يفعله بورقيبة وبن علي؟
- رابعا: يحق له تقديم مشاريع القوانين مع الحق في أولوية النظر (الفصل 68)، وأخرجت الحكومة من هذا المجال.
- خامسا: يمارس السلطة الترتيبية العامة (الفصل 104)، بعد إقصاء رئيس الحكومة من هذا الاختصاص.
- سادسا: أصبحت الإجراءات أمام المحاكم من اختصاص رئيس الجمهورية، بعد أن كانت تابعة للبرلمان.
- سابعا: أمسى بإمكان رئيس الجمهورية إصدار مراسيم في 4 حالات: بتفويض من البرلمان (الفصل 70) وبالأغلبية المطلقة بعد أن كانت معززة، وخلال العطلة البرلمانية (الفصل 73)، وعند حل البرلمان، وأخيرا في الظروف الاستثنائية كما هو حالنا هذه الأيام.
- ثامنا: ان النظام الرئاسي يمنع على رئيس الجمهورية حل البرلمان، كما أنه يحجر إصدار المراسيم التي هي في مضامينها قوانين.
- تاسعا: لرئيس الجمهورية الحصانة الكاملة عن أعماله (الفصل 110) مع حذف امكانية عزله (الفصل 88 في الدستور النافذ)، وفي ذلك خرق لمبدإ التوازن بين السلط، وكذلك خرق لمبدأ التوازن بين الصلاحيات والمسؤولية، فالمسلم به أنه كلما تضاعفت الثمار يرتفع الحساب، والعكس بالعكس، وهو مبدأ يخترق أغلب المواد القانونية.
- عاشرا: إن الرئيس الوقتي في حالة شغور بمنصب رئيس الجمهورية هو رئيس المحكمة الدستورية (الفصل 109)، فما هو الحل لو أن هذا الأخير وهو قاض مباشر بلغ سن التقاعد خلال هذه الرئاسة الوقتية؟ ستحصل أزمة دستورية سياسية بالضرورة، مما يتوجب الاصلاح في اول تنقيح للدستور، ولو مجددا قبل موعد الاستفتاء، فمن جاز لو الكثير جاز له القليل.
- إحدى عشر: الخلاصة أن صلاحيات رئيس الجمهورية تشكل لوحدها الدليل الحاسم والقاطع أن المشروع يؤسس نظاما رئاسويا لا لبس فيه، والرئاسوي يعني جمع سلطات دجو بايدن وبوريس دجونسن في يدي شخص واحد وهو رئيس الجمهورية التونسية.
القسم الثاني: الحكومة (6 فصول)
- أولا: يعين رئيسها من قبل رئيس الجمهورية، وهو ليس مجبرا على انتدابه من الأغلبية في مجلس نواب الشعب.
- ثانيا: ان رئيس الحكومة شبيه برئيس الحكومة زمن بورقيبة وبن علي، فهو مساعد لرئيس الجمهورية لا غير.
- ثالثا: ان لائحة اللوم يجب طلبها بالأغلبية المطلقة في كل مجلس، ولا تتم المصادقة عليها الا بأغلبية الثلثين في الجلسة العامة للمجلسين (الفصل 115)، مما يعني شبه الاستحالة الواقعية والسياسية في اسقاط الحكومة.
- رابعا: في حالة توجيه لائحة لوم ثانية في المدة النيابية الواحدة (5 سنوات)، يجوز لرئيس الجمهورية حل المجلسين أو أحدهما (الفصل 116)، ولم نقدر على فهم الفرضية الأخيرة.
• الباب الخامس: السلطة القضائية (8 فصول)
- أولا: لا توجد إضافات لدعم القضاء واستقلاله.
- ثانيا: تم حذف دور القضاء في فرض احترام الحقوق والحريات وضمان علوية الدستور (الفصل 102 النافذ)، مع التأكيد أنه كان سندا، بل كان سلاحا في فقه القضاء سمح بتوسيع الحريات وعلى الأقل إلى حمايتها.
ثالثا: هناك تنظيم قضائي جديد (حذف المجلس الأعلى الجامع وتعويضه بـ 3 مجالس عليا: عدلي ومالي وإداري)، وفي انتظار إصدار القوانين الضرورية لهذا فان يد قيس سعيد ستظل ماسكة بالقضاء ودواليبه بالكامل وذلك عن طريق مراسيمه وخاصة مرسوم 12 فيفري 2022.
- رابعا: إن تنظيم القضاء الإداري موضوع الدستور النافذ (محاكم ابتدائية ومحاكم إستئنافية ومحكمة إدارية عليا) سوف يضمحل مع مشروع الأستاذ الرئيس، والحال أن المحكمة الإدارية واتحاد القضاة الإداريين قضيا كل لوحده سنوات لإعداد مشروع مجلة القضاء الإداري وإنهائه.
- خامسا: وقع تغييب الاستقلالية عن النيابة العمومية.
- سادسا: حصل الإغفال(عمدا؟) عن تحجير التدخل في القضاء.
- سابعا: تم حذف تحجير عدم تنفيذ الأحكام، والحال أننا نأمل تجريم عدم التنفيذ، كما هو الحال في مصر، خاصة الأحكام الإدارية والذي تواصل حتى مع قيس سعيد الذي نذكره أنه «لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له» (رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري).
- ثامنا: أراد قيس سعيد عدم التنصيص عن منع إحداث المحاكم الاستثنائية، كما تمسك بمنع تحجير محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري رغم الإجماع ضدها.
- تاسعا: نرى أن أياما صعبة تنتظر القضاء، سيما أن بذور قضاء قيس سعيد بدأت تعطي ثمارها، حتى قبل الدستور الجديد (قضاء المحكمة الإدارية بخصوص الإقامات الجبرية والذي شهد تحولا فجئيا بعد 25 جويلية) (الإيقافات التحفضية الموجهة وعلى الشبهة في خرق فاضح ومشين للفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية)...
• الباب السادس: المحكمة الدستورية (8 فصول)
- أولا: التركيبة قضائية بحتة (9 قضاة: 3 عدليون و3 ماليون و3 اداريون)، وفي ذلك تناقض مع أقوال الرئيس المتواترة في عدم ثقته في القضاء والتشهير بفساد القضاة. كما لا نعرف من يسمي هؤلاء الأعضاء، الإجابة ستكون في القانون، وربما عبر مرسوم إن رأى الرئيس منفعة أو نجاعة في ذلك.
- ثانيا: إن هذه التركيبة تشكل مكافأة رئاسية للقضاة المشرفين على التقاعد وذلك إلى حين بلوغه، مما يبشر بقضاء غير مستقل أو محافظ على الأقل، سيما أن الاعتراف بالجميل من شيم القضاة التونسيين، فضلا عن إتقان أكبرهم فن التمكن من اتجاه الرياح.
- ثالثا: سنعيش عدم استقرار حتمي في تركيبة المحكمة وخاصة في فقه قضائها، فالعضوية ستكون بمعدل سنتين أو ثلاث سنوات بحكم الهرم العمري للقضاة، والنتيجة بالتبعية هي غياب الأمان القانوني والخطر أعظم لما نعلم أن الامر يتعلق بالأمان الدستوري.
- رابعا: أقصى قيس سعيد في مشروعه من ساعده في اللجان على إعداده (الجامعيون والمحامون)، كما أقصى بقية الاختصاصات المفيدة (التاريخ والاقتصاد والفلسفة وعلم الاجتماع...).
- خامسا: ان إقرار عدم دستورية مشاريع القوانين أصبح صعبا جدا، بالنظر لما سبق، وكذلك وعلى وجه الخصوص ان الأغلبية المطلوبة في هذا أضحت ثلثي الاعضاء عوض الأغلبية المطلقة.
- سادسا: اجمالا، بقيت الصلاحيات التقليدية المضمنة بالدستور النافذ، عدى ابعاد القاضي الدستوري من مجال الظروف الاستثنائية (اي الفصل 80 حاليا). كما كان بالإمكان إضافة صلاحية تأويل الدستور لتجنب الأزمات الدستورية التي عشناها وسنعيشها (مشروع اصلاح الدستور الصادر عن الاتحاد العام التونسي للشغل).
• الباب السابع: الجماعات المحلية (فصل وحيد)
- أولا: حصل رجوع بالكامل الى بداية الاستقلال ودستور 1959، اذ تم تلخيص هذه المؤسسة في فصل وحيد منقول حرفيا، عدى عبارة «الاقيلم»، ونص هذا الفصل اليتيم على ما يلي: «تمارس... المصالح المحلية والجهوية حسب ما يضبطه القانون»، لا غير، مع الاغفال على المصالح الاقليمية التي تسهر عليها مجالس الأقاليم.
- ثانيا: هناك تهميش مقصود للجماعات المحلية (معتز القرقوري)، ونرى أن القصد في ذلك هو تيسير البناء القاعدي لاحقا، وذلك عن طريق المجلس البرلماني الثاني والمرسوم الانتخابي المنتظر.
- ثالثا: ان الدستور النافذ خصص 12 فصلا في هذا الباب، وان كان ساذجا فيه فانه كان ثريا بالمبادئ، بما كان يتعين تحسينه عوض نسفه بالكامل.
• الباب الثامن: الهيئة العليا للانتخابات (فصل وحيد)
- أولا: حصل نقل حرفي لما ورد بدستور 2014 (الفصل 126).
- ثانيا: نلاحظ عدم استقرار الهيئة الحالية (عضو استقال وآخر على أبواب الإقالة، من جملة 7 أعضاء)، وذلك على خلاف ما تنبأ به مريدو الرئيس من أن التعيين ومن جهة واحدة يؤمن الاستقرار.
- ثالثا: تتعين الإشارة إلى امتيازات الرئيس والأعضاء، فلهم الخيار بين وضعية كاتب دولة أو مرتباتهم العامة السابقة مع إضافة 1500 دينار للرئيس و1000 دينار للأعضاء، عدى الامتيازات العينية (السيارة والبنزين...).
- رابعا: تم الاستغناء عن بقية الهيئات الدستورية المستقلة وهي أربعة، والغرابة تكمن في حذف مؤسستين وحرمانهما من المقام الدستوري، وهما هيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
- خامسا: إن فلسفة الهيئات الدستورية المستقلة هي إيجاد سلط مضادة بهدف «دعم الديمقراطية» (الفصل 125 من الدستور النافذ)، وبحذف اغلبها تتعرى مقاصد قيس سعيد، ونذكر أن الظلم هو «اليد المبسوطة التي لا تعارضها قدرة» (مقدمة ابن خلدون ـ باب الظلم مؤذن بخراب العمران).
• الباب التاسع: المجلس الأعلى للتربية والتعليم (فصل وحيد)
- أولا: انه مجلس من شهوات قيس سعيد، وذلك منذ أن دخل الشأن العام بعد الثورة، الى جانب البناء القاعدي والصلح الجزائي (أين لجانه منذ مرسومه المؤرخ في 20 مارس 2022؟).
ثانيا: انه إحداث معقول ومقبول لأن التعليم هو أساس النمو والتنمية وتماسك الأمة، لكن كان بالإمكان الاكتفاء بقانون أساسي في الغرض.
- ثالثا: إن هذه المؤسسة الدستورية لا تتمتع إلا بصلاحيات استشارية (إبداء الرأي في الخطط الوطنية)، وكان من الأنسب على الأقل إسنادها صلاحية تقديم الاقتراحات على الأقل.
الباب العاشر: تنقيح الدستور (3 فصول)
- أولا: لا يجوز تنقيح بعض الأحكام الدستورية (الفصل 136)، وهي النظام الجمهوري (عبارة فضفاضة تعني كل شيء ولا شيء) والدورات الرئاسية.
- ثانيا: وقع تيسير تنقيح الدستور، وكذلك الاستفتاء وهو من وسائل الديمقراطية المباشرة، خاصة عبر الالتجاء اليه من قبل رئيس الجمهورية.
- ثالثا: كان بالإمكان كذلك وفي نفس الإطار إقرار المبادرة الشعبية ( تقديم مشروع تنقيح الدستور كما في البرتغال بدستورها في الفصل 115، أو مشروع قانون، من قبل الشعب)، بهدف تجسيم شعارات الأستاذ الرئيس وشعبه وشبابه في اطار الديمقراطية المباشرة.
الباب الحادي عشر: الأحكام الختامية والانتقالية (4 فصول)
- أولا: ان نفاذ الدستور سيكون بعد النتائج النهائية وثبوت الأغلبية بنعم، طبقا للمنطق القانوني، وعلى معنى القانون الانتخابي وخاصة فصله 117 الذي ينص على انه «تعتمد قاعدة أغلبية الأصوات المصرح بها في الإعلان عن نتائج الاستفتاء».
- ثانيا: إن الأمر الرئاسي 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 يبقى نافذا إلى حين إرساء مجلس نواب الشعب الجديد، لكن ذلك سيكون واقعيا وقانونيا مرتبطا (في ما يتعلق بالصلاحيات المشتركة) بتاريخ إصدار كامل النصوص المتعلقة بالمجلس الثاني وارسائه، ولن يكون هذا قبل 2024.
- ثالثا: نلاحظ غياب الاجال المحددة لاصدار القوانين وارساء المؤسسات، وخاصة اصدار قانون محكمة المحاسبات، واصدار قوانين المجالس القضائية العليا الثلاثة (المجلس الأعلى الوقتي للقضاء سيظل نافذا الى حين)، إضافة إلى المجلس التشريعي الثاني (ما هو مصير مخططات التنمية وقانون المالية ولائحة اللوم؟).
- رابعا: يجيز المشروع ضمنيا لرئيس الجمهورية نيابتين اضافيتين (10 سنوات) عملا بالنص الجديد، بما يعني انه يمكن لقيس سعيد البقاء رئيسا إلى سنة 2034، وهو تأويل مألوف في «ديمقراطيات» البلدان الإفريقية في جنوب الصحراء.
- خامسا: يستنتج أن هذا الباب أقل جودة وبكثير من مثله في دستور 2014، اما لقلة الكفاءة، وإما بغرض التذاكي والانحراف وربما للسببين معا. وفي كل الحالات فان أحكامه تيسر الانحرافات بالسلطة وربما تحفز أعمالها.
• الجزء السادس:
لكل هذه الأسباب، المتأتية من نص مشروع الدستور وروحه ومقاصده، وخاصة لما ثبت من المرور من رئيس الدولة إلى دولة الرئيس (زياد كريشان)، ولما يخشى من تحول إسلام الدولة إلى دولة الإسلام (سليم اللغماني)، ولما يهدف من تغيير جمهورية المواطنين الى رعايا الخليفة، نطلب ابتدائيا نهائيا:
- أولا: بصفة أصلية، مقاطعة الاستفتاء لمعدومية مشروع الدستور والناتجة عن مسار انطلق من خروقات جسيمة للدستور النافذ وخاصة فصله80 وصولا إلى الانقلاب عليه.
- ثانيا: وبصفة احتياطية جدا، التصويت عليه بـ «لا» لخرقه أساسا مبادئ الديمقراطية التشاركية والفصل بين السلط والتوازن بينها واستقلال القضاء بما في ذلك القضاء الدستوري، الى جانب دفن السلطة المحلية ووأد السلط المضادة (الهيئات الدستورية المستقلة) وغياب الآجال الانتقالية.
- ثالثا: حمل مصاريف الاستفتاء على صاحب المشروع.

(الجزء الثاني والأخير)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115