وصولا الى عرض دستور جديد للإستفتاء في 25 جويلية 2022، بينهما أساسا إستشارة إلكترونية من دون سند قانوني و خاصة تنظيم مؤقت للسلط (أمر رئاسي 117 في 22 سبتمبر 2021) بما يعنيه من تعليق لدستور نافذ واقعي و قانوني. هذا بخصوص مادية الوقائع.
ثانيا: فيما يخص الوصف القانوني للأعمال التي إقترفها قيس سعيد، فهي تشكل جملة من الخروقات الجسيمة للدستور. و بخصوص تقدير نفس الوقائع و الأعمال فإن مؤداها إنقلاب دستوري (أي من داخل الدستور كما حدث من قبل بن علي في 1987 ، ونابوليون 3 في 1851).
ثالثا: في الأثناء، بدأ قيس سعيد يخسر جيوشه، فالشباب أضحى بالضرورة بعيدا عن القصر، ومساعدوه الكبار الثلاثة غادروا القصر (رؤوف بالطبيب ثم رشيدة النيفر و أخيرا نادية عكاشة)، أما فقهاء القصر فلم يبق منهم أحد، و عزلة الزعيم جالبة المضرة للبلاد.
رابعا: آخر الدلالات على هذا الرأي الأخير، رسالة الرئيس من الجزائر (؟ !) (شكل و مضمون المذكرة التفسيرية التي أوجبها القانون الإنتخابي؟ إن كان ذلك كذلك فهي خارج الآجال التي فرضها نفس القانون و التي تكون قبل إنطلاق الحملة) في 05 جويلية الى «شعبنا العظيم في كل مكان» (الإضرابات- إيقاف إنتاجات الغاز والفسفاط – غلق الطرقات – العنف و السرقة – المخدرات – الحرقة – التهريب- الفضلات و القمامة...)، و هي علامة مضيئة في الدمغجة و الشعبية و السفسطة و النكران، و عندما يخاطب الرئيس التونسيين بهذه العبارات، نفهم أن الشعبوية تعني كذلك النفاق الأقصى من الزعيم الأوحد الى شعبه مع حذف الأجسام البينية و النخبة تجنبا للتشويش.
خامسا: كل ما سبق مشروع الدستور و ما تضمنه يؤكدان أن قيس سعيد مهووس بأن ليس الا منفذا لرسالة ربانية، سيما و أنه أكد أن الحكم في نظره هو إبتلاء من الله (حوار الشارع المغاربي في جوان 2019).
• الجزء الثاني: إطار مشروع الدستور
أولا: الدرس بالنسبة لفقهاء قرطاج، من يقصي (المعارضون لـ25 جويلية) يقصى، و من يغدر (ليلى طوبال) يغدر.
ثانيا: أساسيات دستور الرئيس حاضرة و هي معروفة (خاصة في حواره في الشارع المغاربي في 2019) وعوضت أساسيات بلعيد و هي مكشوفة، و إنتهت المسرحية يوم 30 جوان 2022 ليلا.
ثالثا: الأغلبية الساحقة لأساتذة القانون العام ضد مشروع دستور قيس سعيد، وآخر الملتحقين بهم بلعيد و محفوظ، و لم يبقى في صف الرئيس الا شقيقه والخرايفي، و هذا لافرز غير المتوازن مبني على معايير الدولة الديمقراطية و دولة القانون الحقيقيتين، و ليس على أسس إديولوجية أو حزبية صرفة. وتأكد هذا عند حضورنا في 04 جويلية 2022 ملتقا نظمته جمعية القانون الدستوري، وأجمع الأساتذة (12 من 04 كليات) كل من الزاوية المحددة له على أن المشروع يمهد لنظام رئاسوي غير ديمقراطي و ينفي الدولة المدنية (خاصة المواطنة و علوية القانون).
رابعا: غياب النقاش العام خاصة في النظام العام أضعف الإدماج و بالتالي الإنخراط بالمشروع (ماهر حنين)، من ذلك ضعف عدد المنخرطين في الحملة لدى هيئة الانتخابات (مجموع 161: 24 حزب و 26 جمعية و 111 شخص طبيعي، ولم يبقى منهم الا 148 منهم 7 معارضين).
خامسا: العلاقة بين قيس سعيد و فقهاء قرطاج كانت ذاتية لإنبنائها على الثقة، ولم تكن فكرية و مؤساستية، مما يفسر إنهائها قبل الإستفتاء و هو يوم الحساب.
سادسا: غياب الدعم الشعبي و المظاهرات المؤيدة للمشروع و المساندة للأستاذ الرئيس، كما حصل في 25 جويلية 2021.
سابعا: يلاحظ غياب كل عتبة المشاركة في الإستفتاء و التي تهدف لإضفاء المشروعية عليه، و قد أقر القانون الوضعي التونسي هذه القاعدة (مجلة الجماعات المحلية في فصلها 33 وضعت عتبة لا تقل عن 3/1 المسجلين)، أما القانون المقارن فقد أقرت عديد الدول الديمقراطية خاصة التي عاشت إنتقالات ديمقراطية حديثا قاعدة العتبة الدنيا من ذلك أن الدستور البرتغالي في فصله 115 في فقرته 11 فرض مشاركة الأغلبية المطلقة للمسجلين و الا يعتبر الدستور لاغيا. و إن فاز المشروع بأغلبية الناخبين من العتبة يكون قد حاز المشروعية والشرعية.
و عليه، وفي غياب الحد الأدنى على الأقل (بالمعيار التونسي) للأغلبية داخل العتبة وهي 3/1 المسجلين (قرابة 1،6 مليون من التونسيين مع مشروع الرئيس)، يكون فوز «نعم» فاقدا لكل مشروعية.
ثامنا: اما بخصوص دفاعه فيها عن دستوره (الشخصي والفردي) و حججه فبدأت أخشى الجنون، و كفى لتجنب شياعه، سيما بعد مراجعات النص الأصلي بتاريخ 08 جويلية 2022 و التي تحدثت عن مراجعة «بعض الأخطاء التي تسربت...» وتبين أن عدد هذه الأخطاء هو 46 و عديدة منها تمس الأصل.
تاسعا: علمنا التاريخ أنا الإستبداد يولد الزابونية (ولاة الرئيس هم السباقون)، والإثنان سيولدان حتما الفساد.
• الجزء الثالث: ملاحظات عامة حول مضامين مشروع الدستور
أولا: إن جعل السلطة وظيفة لا نرى فيه الا محاولة لإختراع دستوري، فضلا عن نية تبخيس السلطة التشريعية و السلطة القضائية بهدف إبراز أن الرئيس فوق كل المؤسسات و الوظائف (مكانة – صلاحيات – أخلاق ...)، وهذا الرأي لا سند علمي له:
- من زاوية القانون الإداري، الدولة هي جملة من المرافق العمومية، بما في ذلك رئاسة الجمهورية والبرلمان و المحاكم. ومن زاوية علم الاجتماع السياسي (خاصة المدرسة الأمريكية التي فقدت بريقها منذ عقود)، الدولة هي جملة من الوظائف. أما من زاوية القانون الدستوري، فالدولة تتكون من 3 سلط (التشريعية والتنفيذية و القضائية).
- السلطة هي إختصاص أصلي (مؤصلة في الدستور)، أما الوظيفة فهي إختصاص مسند من الدستور أو من القانون.
- لم نعثرفي القانون المقارن على دستور ديمقراطي يتحدث عن الوظائف عوضا عن السلطات الثلاث، الى درجة أن مفهوم السلطة في القانون الدستوري أضحت كما الحقوق الطبيعية في مادة حقوق الإنسان.
ثانيا: إن المشروع هو مشروع الترضيات (مناب الإسلاميين هو الفصل 5 و فيه أن تونس جزء من الأمة الإسلامية وأن الدولة وحدها تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام) (مناب العروبيين هو الفصل 6 الذي ينص أن تونس جزء من الأمة العربية) (مناب التقدميين و اليساريين هو التوطئة في الفقرة 14 و الفصل 16 ويقتضيان إرساء ديمقارطية إقتصادية إجتماعية و التوزيع العادل لثروات الوطن على أساس العدل والإنصاف بين المواطنين في كامل جهات البلاد).
ثالثا: التوطئة تناقض مضامين النص، من حيث الفصل بين السلط والتوازن الحقيقي بينها و الحال أن النظام سيكون رئاسويا فجا، و من حيث مساءلة المواطن لمن إختاره و الحال أنه لا يمكن سحب الوكالة من رئيس الجمهورية مقابل جوازه من أصحاب الوظيفة التشريعية.
رابعا: مقاصد الإسلام هي مقاصد الشريعة، و هي تخص المعاملات و لا تخص العبادات، و هي تنبئ بعلويتها على الدستور.
خامسا: غياب 3 مفاهيم جوهرية في نص المشروع: الأمة التونسية و الدولة المدنية، الى جانب الديمقراطية بجميع مشتقات العبارة التي وردت في التوطئة لا غير.
سادسا: وقع التحضير للبناء القاعدي، ضمنيا عبر مجلس نواب الشعب، و صراحة في مجلس الجهات والأقاليم.
سابعا: المشروع في أغلبه منقول من دستور 2014 (قليل) و من دستور 1959 (كثير)، و كأن دستور 1959 ثأر لنفسه لدستور 2014 (سلسبيل القليبي) من حيث مركزة السلطة لدى رئيس الجمهورية مع إسناده حصانة جزائية و سياسية مطلقة.
ثامنا: أما التنقيحات الثقيلة الواردة يوم 08 جويلية 2022، فنراها تشكل ثأرا لدستور 2014 من قيس سعيد.
تاسعا: من المزايا القليلة، وقع منع السياحة الحزبية البرلمانية.
عاشرا: الشباب أقصي من كامل المسار، و خاصة من كتابة الدستور رغم أنه كتبه على الجدران من إقرار من الرئيس الأستاذ، و مما يضاعف الغبن أنه أقصي من الترشح من الرئاسة (كان السن الأدنى 35 سنة فصار 40 سنة)، كما وقع حرمانه من المبادرة الشعبية التشريعية رغم مطالبته بها كآلية من آليات الديمقراطية المباشرة.
الحادي عشر: قطاع المحاماة هو الخاسر الأكبر (فقدان موقع المشاركة في إقامة العدل - المحكمة الدستورية – خسارة العضوية بالمجلس الأعلى الوقتي للقضاء وظاهريا حتى بالمجالس القطاعية الثلاث المنتظرة – المنع واقعيا من الوصول الى السلطة التشريعية بغرفتيها طالما أنه يمنع على المحامي مواصلة مباشرة مهنته إذا أضحى عضوا فيها).
الثاني عشر: الكرامة و هي من الشعارات الرئيسية للثورة كرسها دستور 2014، الا أن قيس سعيد حذفها و الحال أنها رفعت في «ثورة 17 ديسمبر 2010»، ربما لانه غريب عنها.
الثالث عشر: صياغة الدستور و روحه هما مرآة لشخص قيس سعيد لا غير، بما يعزز فرضية عدم الديمومة.
• الجزء الرابع: ملاحظات شكلية
لقد تولى التنقيح إصلاح عديد الأخطاء التي لا تمس الأصل، لكن نرى أن خطأين بقيا:
أولا: فصل عديم الجدوى وهو الفصل 26 الذي ينص على أن حرية الفرد مضمونة، ضرورة ان الفصل 22 يستوعبه (الحريات الفردية و العامة مضمونة).
ثانيا: الفصل 127 و الفصل 136 فيهما تكرار بخصوص إختصاص المحكمة الدستورية في البت فيما لا يجوز تنقيحه في الدستور عند تقديم مشاريع تنقيحه.
(يتبع)