ليلة سقوط الأقنعة

سنة كاملة من الجدل والمناظرات الإعلامية حول ضرورة إلغاء دستور2014 ، ذلك الدستور الذي جعل منه الرئيس وأنصاره

وفئات كثيرة «الدّابة السوداء» ومصدر كلّ المصائب الحاصلة بالبلاد، والكثير من الأطراف «الحداثية والتقدّمية» اصطفّت وراء الرئيس معتبرة أنّ دستور 2014 هو عقدة الحكم في البلاد والأداة الرئيسية التي ساعدت الإسلاميين على تكريس حكمهم طيلة العشرية الفائتة، ولذلك لم يتردّدوا في الإنخراط للمطالبة بسنّ دستور جديد.
والحقيقة أنّ قضية الدستور كانت لا تشغل كثيرا بال الشارع التونسي وكانت مقتصرة على النخب، والذين نزلوا إلى الشارع في 25 جويلية طالبوا بحل البرلمان والحكومة كعقاب لهم عن فشلهم وعجزهم عن إيجاد الحلول للمشاكل المتراكمة ، ولذلك كان ذلك الالتفاف الواسع حول الإجراءات التي اتخذها الرئيس، وانتظر الجميع أن تكون الخطوات الموالية محاسبة المتورّطين في قضايا فساد وتعديل القانون الانتخابي وإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها لتعود الدولة إلى الاشتغال، لكن لا شيء حصل حيث وبعد المرسوم 117 الذي فوّض الرئيس بموجبه لنفسه كلّ السلطات وانطلق في وضع يده على المؤسسات وتسخير طاقات الدولة وأجهزتها في خدمة أجندته لتغيير النظام برمّته لإقامة ما أسماه بالجمهورية الجديدة ،
للأمانة التاريخية وبالرغم تلك الخطوات الخطيرة الذي اتخذها الرئيس، فإنّه لم يخدع أحدا ولم يغالط أحدا ولم يساوم أحدا، وكان واضحا في رؤيته وأهدافه ، وكلّ مواقفه كان أفصح عنها قبل أن يصبح ٍرئيسا وبعد أن أصبح رئيسا إلى أن وجد في 25 جويلية الفرصة السانحة لإدخال أفكاره حيز التنفيذ.
لذا فإنّ الأطراف التي انضمّت لصفّ الرئيس وسارت في ركبه كانت على بيّنة من خطابه ومن من مرجعياتة ومن برنامجه، ولا يمكن لها اليوم التملّص من نتائج كلّ تلك الخيارات تبعاتها،
فذلك الخليط المتالّف من يساريين، وليبراليين وقوميين، إسلاميين ، وتجمّعيين وأكاديميين والذي شكّل حزاما حول الرّئيس ووقفوا إلى جانبه في كلّ معاركه دون قيد ولا شرط، يعلمون أكثر من غيرهم بأنّ الرئيس لا يقتسم السلطة ولا القرار، كان دوما يحبّذ أن يكون cavalier seul ولا يشترك مع أحد، وأغلبهم قبل بذلك وفيهم حتى من تخلّى على «جبّته» الإيديولوجية ،أو الحقوقية، أو الأكاديمية لتبرير انتهاكات صارخة ، بل هنالك من يتجوّل صباحا مساء بين القنوات والإذاعات للدفاع باستماته على كلّ ما يقوم به الرئيس، حجّتهم في ذلك أنّ ألرئيس قد يكون الفرصة التي لا تُعوض لإزاحة حركة النهضة وحلفائها وفسح المجال لأنصار الرئيس.
ولذلك لا نظنّ بأنّ ظهور دستور الرئيس في العديد من فصوله دون دستور 2014 بشهادة العديد من المختصين سيزعجهم، و أن وعود العميد الصادق بلعيد وأفكار الأستاذ أمين محفوظ لا يوجد لها أثر في مضمون الدستور الجديد.
فسردية تخليص الدولة من علاقتها بالدين التي بنى عليها الكثيرون أمالهم لتبرير اصطفافهم جاءت عكس ما انتظروه بالكامل، فبعد أن كان الأمر يقتصر على ذكر دين للدولة قي الفصل واحد من دستور 2014 وقع تكليف الدولة بمهمّة تحقيق مقاصد الإسلام الخمسة، بمعنى أنّ الدولة أصبحت المرجعية الدينية ألأولى بالبلاد وبمثابة الحوزة العلمية لإي الأنظمة الشيعية، لكن الأخطر والذي يشكّل خطوة واضحة للوراء لا غبار عليها هو التخلي عن الإشارة لمدنية الدولة وإلغاء حرّية المعتقد، هذا علاوة على الحشو اللغوي في التوطئة وفي تحجيم دور المؤسسات وتعظيم دور الرئيس، وفي النهاية ذهبت علمانية الأستاذ أمين أدراج الرياح والذي من طفرة حماسه صرّح ذات مرّة بالاتجاه نحو سحب شرط الدين بم للترشح لرئاسة الجمهورية، والعميد ودخل في تحدّ مع زملائه عمداء كلّيات الحقوق الذين رفضوا الالتحاق بلجنته الصادق بلعيد وغامر بمصداقيته حين كان يحدثنا بكلّ وثوق في النفس حول ملامح الدستور الجديد هو أيضا ذهب اجتهاده بإدخال بعد اقتصادي في الدستور الجديد قال أنّه ضروري لفتح الطريق لعودة روح البذل والعطاء ودفع التنمية بالبلاد،.
ومهما ستجود به قريحة هؤلاء من تبريرات وتأويلات للتخفيف من وطأة الصدمة، فإنّ هذا الدستور جاء كما يريده الرئيس ومنسجما مع رؤيته للحكم وللدولة وللدين والذي يراهم وحدة متكاملة لا تنفصم عن بعضها ، و جلسوهم حول مائدة «الحوار « لزيين المحفل لا أكثر، واليوم ا ليس أمامهم سوى خيارين، إمّا القبول وتبني كلّ ما تضمنّه الدستور والخروج للدفاع عنه ، وإمّا قطع خطوة إلى الوراء والعودة إلى جذورهم العقائدية والسياسية وهذا أمر مستبعد لأن أغلبهم لن يكون مستعدا للتخلي عن رهاناته الشخصية .
، ومهما كان تضارب ردود الأفعال والجدل الذي سيتبعه، فإنّ هذا المسلسل السريالي الذي تعيشه البلاد منذ 25 جويلية مازال سيكشف كلّ مرّة يكشف عن مفاجآت أشدّ غرابة من سابقاتها، حيث نجد اليوم مجموعات وأفراد من الحداثيين والعلمانيين يدافعون بشراسة عن موقف الرئيس بدفع الدولة أكثر نحو الدين وفي الجهة المقابلة نجد أخرين من جماعات الإسلام السياسي يتباكون على إزالة أثر العلمانية ومدنية الدولة وحرية الضمير من الدستور،
ما زالت الأقنعة ستتساقط أكثر في قادم المواعيد مع اقترب موعد اقتسام «الغنيمة» مع مراعاة الأخطاء في الحساب..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115